< قائمة الدروس

التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

45/05/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: تفسیر القرآن الکریم/ تفسیر سورة البقرة/ آیة 188

 

﴿وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَيْنَکُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَي الْحُکَّامِ لِتَأْکُلُوا فَريقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[1]

یکون البحث في تفسیر آیة المأة و الثمان و الثمانین من سورة البقرة المبارکة. تستفاد من هذه الآیة مطالب.

إلتفات الإسلام إلی المال:

یکون المال في الإسلام مورد التفات و المالکيّة الشخصيّة محترمة و لیس هکذا أن یمکن لأحد أن یتصرّف في مال الآخر. المال و الملکيّة و حقوق الأفراد محترمة؛ فلذا لم یقصد من الأکل في الآیة معناه العرفي، بل یکون بمعنی التصرّف. تستخدم هذه الآیة في مورد تصرّف الأرض و البیت و أموال الناس و یقال: ﴿وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَيْنَکُمْ بِالْباطِلِ﴾ یقال لمن سکن بیت الغیر و لم یعطه الإجارة: ﴿وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَيْنَکُمْ بِالْباطِلِ﴾. لك حقوق مسلّمة فإذا لم تعطَها و ضاعت حقوقك فهو من مصادیق قوله- تعالی: ﴿وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَيْنَکُمْ بِالْباطِلِ﴾. حقوق الناس التي لها ماليّة مثل حقّ الاختصاص و التحجیر من مصادیق هذه الآیة.

انواع المال:

المال قد یکون عیناً؛ لدیك بیت تمتلکه و یخرجك منها شخص آخر و یتصرّف ملکك و مالك؛ نحو إسرائیل و الصهیون الذین أخرجوا الناس من منازلهم و تصرّفوها.

قد یکون المال منفعةً؛ أي إنّك تستأجر بیتاً و تعطي مبلغاً للإجارة، فإن أخرجك أحد منه و تصرّف فیه فهو تصرّف في منفعة البیت التي هي لك.

قد تکون أنت مالك الانتفاع؛ مثل أن تذهب إلی ضیافة و تؤتی بفاکهة و أنت تأخذه فلا تکون مالك عینها بل تکون مالك الانتفاع منها و یمکن لك التصرّف فیها. فإن کان أحد أخذ الفاکهة فقد ضیّع حقّك لأنّك مقدّم في تصرّفها. صاحب البیت یجاملك لتسکن في بیته فإن أخرجك أحد منه فقد ضیّع حقّك.

قد یکون الشخص مالك الحقّ؛ أي أنت صاحب الخیار ثلاثة أیّام، مثل أن تکون صاحب خیار الحیوان إذا تبیع حیواناً فأنت بالخیار ثلاثة أیّام أن ترجعه، فإذا منعك أحد من أن تتّخذ حقّك فقد ضیّعه. جدار بیتك حریمه و هذا الحریم لك فإن زاحمك فیه أحد فقد دمّر حقّ اختصاصك. وقفتَ في النوبة في مطبّ الطبیب أو المخبز و الأمکنة الأخری فجاء شخص بعدك و لکن فعل عمله مقدّماً علیك فهو ضیّع حقّك.

الأخوّة و التساوي:

فمعنی قوله- تعالی: ﴿وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَيْنَکُمْ بِالْباطِلِ﴾ هو أنّه یجب علیكم أن تعلموا أنّ الناس أمثالکم و لا ترجّحوا أنفسکم علی الآخرین و لا تجعلوا لأنفسکم امتیازاً خاصّاً. یستفاد من قوله- تعالی: ﴿أَمْوالَکُمْ بَيْنَکُمْ﴾ أنّکم تکونون معاً واحداً خلافاً للیهود الذین یجعلون لأنفسهم امتیازاً خاصّاً و یظنّون أنّهم قوم عالون، بید أنّهم لا یکونون هکذا. أنتم إخوة و لیس لأحد امتیاز دون الآخرین حتّی أضیّع حقّکم أو تضیّعوا حقّي. ﴿وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَيْنَکُمْ بِالْباطِلِ﴾ کلّ هذه من مصادیق الظلم. لا یجوز تصرّف الأموال في طریق الباطل، بل یجب أن یتصرّف فیها من طریق البیع و سائر المعاملات، فهو من أکل المال بالحقّ و لکنّکم إن تصرّفتم في أموال الناس من غیر طریق الشرع فهو أکل المال بالباطل.

عدّة مصادیق للتصرّف في الأموال:

فالمال ذو قیمة و هو یفید المالکيّة الخصوصيّة و لا یجوز التصرّف في أموال النا نعم قد یکون الأشخاص حقیقيّةً و قد یکون حقوقیّةً، تصرّف أموال بیت المال و الاستفادة من سیّارته فوق الحدّ المجاز و تدمیرها و الاستفادة منها في غیر الساعات الإداريّة و المأموريّة فهي کلّها تصرّف في المال بالباطل. سهم الإمام من أموال بیت المال و الفقراء و التصرّف فیها من دون الإجازة و في غیر موردها غیر صحیح. إن أخذ معاشه من بیت المال و لکن لا یأتي بوظیفته فهو أکل المال بالباطل.

معنی الباطل:

الباطل هو خلاف الحق، لا تعمل خلاف الحقّ؛ لأنّه ظلم و الظلم قبیح عقلاً و شرعاً و عرفاً و هذه التصرّفات أیضاً من مصادیق الظلم.

الرشوة:

ثمّ إنّ الرشوة أقبح ظلماً، إن أعطي القاضي الرشوة لأن یجعل غیر الحقّ حقّاً فهو أسوء من جمیع الظلم. ﴿وَ تُدْلُوا بِها إِلَي الْحُکَّامِ﴾ ﴿تُدْلُوا﴾ أي تصبّون ﴿إلَي الْحُکَّامِ﴾ و القضات و أمثالها، لماذا؟ ﴿لِتَأْکُلُوا فَريقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ﴾ لیأکل و یتصرّف في أموال الناس. لأجل التصرّف في أموال الناس یعطي مقداراً منها إلی القاضي فإذا حکم القاضي له یتصرّف فیها أکثر من تصرّف القاضي فیه. ﴿وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أنّکم تعملون سوءاً.

الرشوة من المعاصي الکبیرة، فیها مفاسد اجتماعيّة توجب یأس الضعفاء من الحکومة. إذا جرت الرشوة في الحکومة و رأی ضعفاء الناس اهتضامهم و أنّ هذا الرجل- مثلاً- لدیه النقود و یشتري القاضي و یتصرّف أموالهم فإذاً ییأس النا إذا کانت الحکومة هکذا فلن یعتمد الناس بهذه الحکومة. إعلموا أنّ أقبح الأمور في الحکومة الرشوة. قال شخص إن أراد أحد أن یدمّر هذه الحکومة فهو القوّة القضائیّة. إن اعتلت القوّة القضائیّة اعتلت الحکومة أیضاً و لکن إذا اختلطت الرشوة بالظلم فستدمّر الحکومة تدمیراً و سیثبر اعتماد الناس ثبوراً.

نحن نتقفّی العدالة و الرشوة ظلم؛ أي تبدیل الحقّ بغیر الحق، الظلم علی شخص مسکین، الرأسماليّون یکونون دائماً أمام الناس؛ إذ هم یعطون النقود و یشترون القاضي، نعم لیس الأمر في الحکومة الإسلاميّة هکذا و المقصود الحکومات الأخری و لکنّ الله یقول إن وصل الأمر إلی هاهنا فاعلموا أنّ المشکلة کثیرة جدّاً، یزول اعتماد عموم الناس و هذا یرتبط بمن ارتکبوا هذا الخلاف. قد جاء في الروایات أنّ الرشوة «الکفر بالله العظیم».[2]

معنی المال:

قال بعض المفسّرین: قیل للمال «المال» لأنّ النفس تمیل إلیه و تتبع إسره؛ تظنّ المال خیراً فتمیل إلیه. و لکن برأینا إنّه لم یصحّ هذا الکلام؛ لأنّ المال ناقص واويّ إذ یقال «الأموال» في جمعه لا «الأمیال».


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo