< قائمة الدروس

التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

45/05/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: تفسیر القرآن الکریم/ تفسیر سورة البقرة/ آیة 189

 

﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لکِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقی وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ﴾[1]

یکون البحث في تفسیر آیة المأة و التسع و الثمانین من سورة البقرة المبارکة. قد سأل الناس رسول الله (صلّی‌الله‌علیه‌وآله) عن الهلال و أنّه ما القصّة في رؤیة هذا الهلال؟ السؤال هنا مطلق؛ أي ما هي فوائد هذا الهلال أو ما هي الحقیقة و ماهيّة هذا الهلال؟ الأهلّة جمع الهلال، یقال للهلال أیضاً البدر و القمر و له أسام ٍمختلفة.

هلال الشهر:

یجب أن یدقّق النظر في ما هو السؤال عن الهلال؟ قد یقال ما الإنسان؟ و یراد بیان الماهيّة و قد یراد بیان الفوائد. قال الله- تعالی- لرسوله (صلّی‌الله‌علیه‌وآله‌وسلّم): ﴿قُلْ هِيَ مَواقيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ﴾ الأهلّة مواقیت؛ المواقیت جمع المیقات، یعیّنون الأوقات بالهلال و یقولون أوّل الشهر ثاني الشهر و هکذا. لم تکن لدی الناس في ذلك الوقت «الساعة» فکان یمیّز لهم الهلالُ، الوقتَ إلی حدٍّ ما. هذا الهلال ینفع الناس و یبیّن الأوقات لهم و یمکن لکم تحدید الأعمال علی جري الهلال، مثلاً تستقرض مبلغاً من أحد و تقول له سأدفع لك عند الهلال. کیف نتمیّز ابتداء الشهر؟ إذا طلع الهلال فهو أوّل الشهر. عندما جاء اللیل الأوّل من الشهر طلع الهلال و ظهر لك أنّ اللیل قد دخل.

منافع القمر:

﴿لِلنَّاسِ﴾ أي لنفع الناس؛ يمكن للناس أن يستفيدوا من فوائد القمر فيستضیئون منه في الليل و یستخدمونه لتمییز اللیل من النهار و ینظّمون أعمالهم و القمر منتظم و إذا نظرتَ في شهر فإنّ الشهر الثاني یشبه الشهر الأوّل. یکون القمر صغیراً في البدایة ثم یکبر یوماً فیوماً حتّی الیوم الرابع ‌عشر عندما یصل إلی ذروته ثمّ یصغر یوماً فیوماً. هذا النظام موجود في القمر و هو درس للإنسان في إدارة أعماله علی جري نظم خاصّ و بلوغه إلی منتهاه. فکما أنّ للقمر تخطیطاً و یظهر في أیّام خاصّة، یغرب و یطلع في ساعات معیّنة و کلّها علی جري نظم و تخطیط خاص. یتمّ تحدید وقت الذهاب للحجّ بهذا القمر و هو شهر ذي الحجّة کما قال- تعالی: ﴿مَواقيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ﴾.

﴿وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها﴾ کانت الأعراب في أیّام الجاهليّة إذا أرادوا دخول بیوتهم أیّام الإحرام، صعدوا علی جدرانها ثمّ دخلوها من فوق الجدران و لم یدخلوا من أبوابها، کانوا یقولون إنّ لِبابِ ساحة البیت سقفاً و لم یجز لنا الدخول تحت السقف حال الإحرام.

 

إتّباع أوامر الشارع:

ثمّ قال- تعالی- لهم: إنّ هذا العمل لیس صحیحاً ﴿وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لکِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقی وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها﴾ و قد أشار- تعالی- إلی هذا المطلب من أن أطیعوا أوامر الشارع في أعمالکم و لا تبدعوا من عندکم شيئاً. لا یجوز لکم أن تبدعوا من عند أنفسکم عملاً في أحکام الشریعة، بل یجب علیکم أن تکونوا تابعي أمر الشارع. و کان قوله- تعالی: ﴿وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها﴾ في مورد ذلك المصداق و لکنّ الحقیقة هي أنّ في کلّ أمر من أمور الدین یجب أن تدخلوا من طریق الباب؛ أي ادخلوا من الطریق الذي قد جعله الشارع المقدّس لا من الطریق الذي یخطر ببالکم.

معنی قوله- تعالی: ﴿وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها﴾ مثل أن یقال: لا تأکلوا من القفا و اعملوا مریحین للغایة و بشکل طبیعي، إذا أمر الشارع فاعملوا علی جریه. ﴿وَ لکِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقی﴾ البرّ أن تکونوا متّقین و ادخلوا في کلّ أمر من طریقه الصحیح لا طریق طابق الأوهام و التخیّل ﴿وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

الأَهِلَّة:

الأهلّة جمع الهلال فما علّة مجيئها جمعاً؟ الهلال شيء واحد یقال له البدر و القمر أیضاً و لکن وجه أخذه بصورة الجمأهلّة- هو أنّه إذا غرب و طلع بعد أیّام، یجيء شهر جدید فتُشکَّل الشهور الإثنی‌عشر و هي تُشکِّل السنة.

تناسب الجواب مع فهم السائل:

فالسؤال و الجواب يجب أن يكونا على حسب فهم السائل؛ أي أنّه عندما تريد الإجابة على سؤال‌مّا، يجب أن تكون حسب فهم السائل. علی سبیل المثال عندما تريد الإجابة على سؤال الأطفال في مدرسة ابتدائيّة، فإنّك تتحدّث معهم في مستوى فهمهم حتّى يقدروا علی فهمها. و لكن عندما تجيب لسؤال أحد الطلّاب في الجامعة، يجب أن يكون مستوى كلامك على مستوى فهم الطالب لا على مستوى فهم الطفل في المرحلة الابتدائيّة. من العادات و البرامج العقلائیّة أن يكون الجواب متناسباً مع فهم السائل. إذا أجبتَ إجابةً علميّةً فلسفيّةً للطفل في المرحلة الابتدائية فلن يفهم و سيضيع كلامك؛ لأنّ السائل لا یفهم الجواب. لذلك إنّ الجواب الذي أجاب الله به فهو متناسب مع فهم السائلين حیث قال للنبيّ (صلّى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلّم): أخبر الناس أنّه قد تمّ تحديد موعد لكم لتنظّموا أموركم به و لا يضرّنا ذلك بل سینفعکم. هذا المقدار يكفي و ذلك لأن تكون أسئلتنا متعلّقةً بأشياء مفيدة لنا، لكن إذا سألنا عن حقيقة القمر و أنّه كيف صار موجوداً و أنّه ما حقیقته فلن یبیّنوه لنا؛ إذ لا فائدة لنا فيه. إنّ ما يفيدنا هو أن نستخدم القمر لتنظیم الوقت و تنظیم أعمالنا و حیاتنا. لم تُذکَر هنا معلومات عن حقيقة القمر و یمکن أن يكون السبب في ذلك أنّه لا فائدة فیه.

المیقات:

الميقات من «الوقت». هل «المیقات» هو الزمان أم المكان أم كلاهما؟ الميقات هو اسم الزمان و المكان؛ أي یقال للمکان «المیقات»، علی سبیل المثال يقال إنّ مسجد الشجرة ميقات لإحرام الحجّ و یقال أیضاً للزمان «المیقات»، علی سبیل المثال یقال إنّ شهر ذي الحجّة هو ميقات الحج. و في آية ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾[2] قد بیّن وقت الصيام أو الصلاة. الأوقات المعیّنة، ميقات.

في الآية المبحوث عنها ﴿وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لکِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقی وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها﴾ کان المقصود منها أن لا نزیغ في الأوامر الشرعيّة، بل لِنکن تابعي الشارع في جمیع الأحکام و المسائل الشرعيّة و ندخل من بابها و طریقها الصحیح. من جعل شيئاً بغير إذن الله و الرسول فهو طريق خاطئ و لا یجوز اتّباعه.

طریق الوصول إلی التقوی:

﴿وَ لکِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقی﴾: ﴿مَنِ اتَّقی﴾ أي من جعل التقوی مهنته. ﴿وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها﴾ «الواو» و مابعدها هنا بیان و تفسیر للتقوی؛ طریق التقوی هو أن تعملوا بأوامر الشارع فلا تسبقوا فتفرطوا و لا تبطئوا فتفرّطوا، بل أتوا بعین ما أمر الشارع المقدّس. ﴿مَنِ اتَّقی﴾ هو من دخل من طریقه، ما الباب؟ «أنَا مَدینَهُ العِلمِ و عَلیٌّ بابُها فمن أراد العلم فليأت الباب»[3] لدینا أبواب خشبيّة و حدیديّة و للعلم أیضاً أبواب و إذا أردتم دخول المدینة فلیأتوا من الباب. الأئمّة الأطهار (علیهم‌السلام) أبواب فادخلوا من طریق أمیرالمؤمنین (علیه‌السلام) و أولاده و تعلّموا العلم و التقوی و الأحکام الشرعیّة. باب العلم و التقوی و الکمالات کلّها من الأبواب فإن أردتم أن تکونوا متّقین فعلیکم بالباب و هو إطاعة الله و رسوله و الأئمّة (علیهم‌السلام).

النقد مع الحل:

یستفاد من هذه الآية أنّ الذين ينتقدون و يعترضون- هناك كثير من الناس يشتكون من الحكومة و الأفراد- فإنّ عليهم أن يذكروا الحلّ أيضاً؛ أي لا ينبغي عليك الانتقاد فحسب، بل يجب عليك أيضاً ذکر طریق حلّ المشكلة مع النقد. و يذكّرنا القرآن الكريم بهذا الدرس في هذه الآية.

التقوى مقدّمة الفلاح:

هل يصل من عنده التقوى إلى الفلاح؟ ﴿وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ﴾ إن کان أحد من المتّقین فهو یفلح فلماذا قال لعلّه یفلح؟ و هذا مرتبط بدرجات التقوى، فمراتب التقوى مختلفة. هناك شخص لديه مستوى منخفض من التقوى و شخص آخر لديه مستوى أعلى لدرجة أنّ ذهنه نقيّ أیضاً حتّی لا يفكّر في المعصية، بل يوجّه ‌أفكاره نحو الثواب و الحسنات و يزيل فكرة المعصية من ذهنه. هناك مستويات للتقوى و هذه التقوى بمستوياتها قد تؤدّي إلى الفلاح. و لذلك فمن الممكن أن يكون الإنسان على درجة التقوى الأولى و لکن لن یفلح.

﴿لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ﴾ أي إنّ التقوى هي السبب، مع أنّها یمکن أن لا تكون سبباً تامّاً للفلاح بل تکون سبباً ناقصاً.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo