< قائمة الدروس

التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

45/05/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: تفسیر القرآن الکریم/ تفسیر سورة البقرة/ آیة المأة و التسعین

 

﴿وَ قاتِلُوا في‌ سَبيلِ اللَّهِ الَّذينَ يُقاتِلُونَکُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدينَ﴾[1]

یکون البحث في تفسیر آیة المأة و التسعین من سورة البقرة المبارکة و قد أمرنا في هذه الآیة بأن ﴿قاتِلُوا﴾. ثمّ إنّه یبحث أوّلاً في أنّه ما المراد من المقاتلة في هذه الآیة، الجهاد الابتدائيّ أو الدفاعي؟ یبحث الآن عن الدفاع؛ أي قد هجم علینا الأعداء و علینا أن ندافع عن أنفسنا کما قال- تعالی: ﴿وَ قاتِلُوا في‌ سَبيلِ اللَّهِ الَّذينَ يُقاتِلُونَکُمْ﴾.

الدفاع:

ثمّ إنّه من إحدی وظائفنا أن ندافع عن أنفسنا أمام مقاتلة الأعداء و حربهم کما أشیر إلیهم في قوله- تعالی: ﴿الَّذينَ يُقاتِلُونَکُمْ﴾ دافعوا عن أنفسکم و أموالکم و أعراضکم.

مع من نقاتل؟:

قال الله- تعالی: قاتلوا ﴿الَّذينَ يُقاتِلُونَکُمْ﴾ فإنّ هناك أفراداً من النساء و الأطفال و الشیوخ الذین لا یقاتلونکم، نعم هناك عدّة من الأعداء یقاتلونکم فلا یجوز لکم أن تقتلوا النساء و أطفال الأعداء؛ لأنّهم لیسوا من ﴿الَّذينَ يُقاتِلُونَکُمْ﴾ فقاتلوا مع من یقاتلکم. علی سبیل المثال الآن في حرب الغزّة و الإسرائیل یرد علیهم إشکال بأنّکم لمَ تقتلون الأطفال؟ و لقد قتل أزید من سبعة آلاف ولد، لمَ تقتلون الأطفال؟ طفل لیس له علیکم حرب و لم یفعل شيء علیکم فلمَ تقتلونه؟ هذه الآیة أفضل الآیات التي یمکن بها تعریف حقوق البشر للعالَم. ﴿قاتِلُوا ... الَّذينَ يُقاتِلُونَکُمْ﴾ تستفاد هذه النکتة من هذه الآیة بصورة جیّدة. لم تقصفون المستشفیات و تقتلون النساء و الأطفال و الشیوخ؟ هذا خلاف العقل و حقوق البشر.

معنی «في سبیل الله»:

﴿في‌ سَبيلِ اللَّهِ﴾ یجب أن یکون قصدك هو الله. قد نرید أن ننتقم و نحرب مع أحد لتبرّد فؤادنا و لکن لیس في الإسلام هذه الأشیاء، قال- تعالی: ﴿وَ قاتِلُوا في‌ سَبيلِ اللَّهِ﴾ أي قاتلوا للحقّ و الحرّیّة و الاستقلال و أمام الاستعمار، إن کنتم تریدون القتال للإسلام و أن تصیروا من الشهداء فلیکن قصدکم هو الله؛ أي راعوا شرائط الإسلام تماماً، لا تُهینوا حتّی باللسان و لا تتعرّضوا بالأنفس و لا الأموال. قد سمعتم في قصص أمیر المؤمنین عليّ (علیه‌السلام) أنّه لم یقتل ذلك الشخص إذا غضب (علیه‌السلام) بل صبر حتّی یجد هدوءاً ثمّ قتله في سبیل الله. إن تقاتلوا فاسعوا أن یکون قتالکم في سبیل الله. إن کان القتال في سبیل الله فلن یُقتل الطفل و المرأة و الشیخ و لن تُدمّر البیوت و لن یهین المقاتل بالعدوّ بل یحفظ لسانه. فلهذا یکون المراد من الحرب في الإسلام الدفاع عن الحقّ و العدالة و هذه عبادة و من قتل کان شهیداً و هذه مجاهدة في سبیل الله.

لیس هذا صحیحاً أن یقتل المقاتل الأناسيّ من دون محاسبة و یدمّر مال الناس و یهین، بل تجب علیه رعایة العدالة و أن لا یُهین بالعدو. قد جاء في الروایات في تفسیر ﴿وَ لا تَعْتَدُوا﴾ أي قاتلوا مع من یقاتلکم و و لا تقاتلوا مع من لا یقاتل کالأطفال و النساء. ﴿وَ لا تَعْتَدُوا﴾ لاتتجاوزوا؛ أي لا تعتنوا بشأن من لا یعتني بشأنکم، سواء کان هذا الشخص إمرأةً أو طفلاً أو شیخاً أو شابّاً لا یعتني بشأنکم و لا یحرب معکم فلا تعتنوا بهذه الأفراد بل قاتلوا مع من یقاتلکم فإذا قتلتم أفراداً من دون دلیل فهو خلاف القرآن و هو مستفاد قوله- تعالی: ﴿وَ لا تَعْتَدُوا﴾.

قال المفسّرون في معنی قوله- تعالی: ﴿لا تَعْتَدُوا﴾ الاعتداء إمّا باللسان و إمّا بالفعل و إمّا بالمال؛ الاعتداء اللسانيّ أي لا تسبّوا و لا تهینوا. المسلم من تبع الحقّ مع کمال الأدب و یقول «هذا حقّ و یحب أن یراعی» و لیس في شأن المسلم الفحش و الإهانة. الاعتداء الفعليّ أي إذا أخذتم منهم أسیراً فلا یجوز لکم أن تهینوه أو تضربوه، بل یجب علیکم أن تحبسوه مع احترام و أن تحفظوا نفسه و ماله و عرضه. الاعتداء الماليّ أي ماله محترم فلا تخربوا بیته. من قاتلکم فقاتلوا معه و لکن یجب أن یکون نفسه و ماله و عرضه محفوظةً. یجب مراعاة هذه کلّها في الکلام أیضاً و لا تظلموا. یجب علیکم أن تعلّموا الناس و لیتعلّم الناس منکم کیف یحتاکون بالأسری لأنّ للاحتیاك مع العدوّ قانوناً و قد أمر الله في احتیاك العدوّ أن تحتاکوا بهذه الصورة و مع هذه الخصوصیّات و قاتلوا مع من یقاتل معکم فقط و قاتلوا في سبیل الله مع القربة و بیّنوا الحقائق للعدو.

المدافعون لحقوق البشر:

یکون المدافعون لحقوق البشر، الأنبیاء و الأولیاء. ترون الآن حقّ اعتراض الأمریکا، تمام الدول العالميّة مع خبثهم یقولون اقبلوا الهدنة فإنّه یقتل الأناسيّ المعصومون! ثمّ إنّ أمریکا هو الذي ینقض. انظروا کیف یذهب بماء وجهه، هذا حقوق البشر للغرب. تجب معرفة العدوّ. أن یقول القائد المعظمّ «البصیرة» فإنّ من أنواع البصیرة أن یعرف الإنسان عدوّه. هناك عدوّ له مروّة و مراعاة بعض الأشیاء و لکن قد لا یتخّد العدوّ بأيّ أصل من الأصول. قد یري أمریکا نفسه بأنّه لا یتمسّك بأيّ أصل من الأصول، یدمّرون المستشفی و یقتلون الأطفال و النساء، لا یعتني و یحامي عن الطرف الآخر فالأمریکا لیس حامیاً للنساء؛ لأنّهم في صراخهم بـ « المرأة و الحیاة و الحرّيّة» کاذبین. إنّهم إن کانوا حامین للنساء فلمَ یسکتون أمام قتل النساء و یحامون عن القاتلین؟

حقوق البشر یکون للأنبیاء و الأولیاء و العلماء الصادقین. مع الأسف ترون أنّ المقتدرین في العالم یتبعون منافعهم مع الحقوق البشر الفعليّ و یذهبون بماء وجهم مع جنایاتهم.

انواع الحیاة:

للحیاة أنواع ثلاثة: الحیاة النباتيّة و الحیوانيّة و الإنسانیّة. للحیاة الإنسانيّة لوازم و قد یکون الشخص إنساناً و لکن حیاته حیوانيّة؛ أي یعیش مثل الحیوان و احتیاکه مع الناس شبیه الحیوان و قد یکون أیضاً للشخص حیاة إنسانيّة و یعیش مثل الإنسان. قال الله- تعالی: ﴿وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ﴾[2] صحیح أنّکم تقصّون واحداً و لکن یوجب ذلك حیاة المجتمع حتّی لا یتجرّأ أحد في القتل. فالقصاص هو الحیاة الإنسانيّة فإنّ القاتل قد قتل أکثر من واحد ثمّ یقتل و في قتله حیاة المجتمع. قال- تعالی- أیضاً: ﴿یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اسْتَجِیبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاکُمْ لِما یُحْیِیکُمْ﴾[3] لا تظنوّا أنّنا حیث نمشي فنحن الأناسيّ بل هذه الحیاة حیاة حیوانيّة. أن یتبع الإنسان الشهوة و الغضب و الظلم فلیست هي الحیاة الإنسانیّة بل یشبه الحیوان علی أنّ الحیوان قد یکون أفضل من الإنسان. للدیك غیرة فإنّه إذا رأي دجاجته قد تُعرّض بها، هجم علی المتعرّض و حفظ عرضه فمن وُجد في المجمتع لیست له غیرة فهو أضلّ من الحیوانات.

إن کنتم تریدون الحیاة فیجب أن تکون لکم حیاة إنسانيّة و هي قوله- تعالی: ﴿اسْتَجِیبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاکُمْ لِما یُحْیِیکُمْ﴾. لیست للأمریکا و الأروبا حیاة إنسانيّة بل هم سباع في صورة الإنسان. قد یُرون أنفسهم في قصّة غزّة حیث قتل کثیر من الأطفال و النساء و دمّرت البیوت و أموال الناس و هم لا یرفعون أیدیهم بعدُ من حمایة القاتلین بل یقولون قد قتلوا عدّة نفرات منّا فإذاً یجب أن یدمّروا جمیعاً. هذا منطق الأمریکا و الأروبا.

هنا شرطان للقتال:

أن یکون قتالکم لرضا الله و لا یکون لتصرّف الماء و الأرض و التراب؛ أي لیکن لإجراء العدالة و الحقّ. القتال یجب أن یکون مع من یقاتلکم کما قال الله- تعالی: ﴿وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدينَ﴾ وفّقنا الله لفهم الأحکام و المعارف الإلهيّة من دون التشدّد و الإفراط و التفریط.

أمر التبلیغ:

التبلیغ و حرکة الطلّاب لتبیین الحقائق هو من أکبر مصادیق الجهاد في سبیل الله و هذه الأیّام أیّام التبلیغ فقولوا في هذه الأیّام عن فاطمة الزهراء (سلام‌الله‌علیها) و اسعوا أن تستفیدوا من الروایات و الکتب المعتبرة.

قال رسول الله (صلّی‌الله‌علیه‌وآله): «اإنّما فاطِمَةُ بَضعَةٌ مِنّي»[4] البضعة أي القطعة من اللحم و قال أیضاً: «فاطِمَةُ بَضعَةٌ مِنّي مَن آذاها فَقَد آذاني وَ مَن آذاني فَقَد آذى الله»[5] قد ورد هذا في روایة جابر و هذه الروایات متواترة و قد جاء في صحیح البخاريّ أیضاً و قد نقلت هذه الروایة في کثیر من کتب العامّة. تکلّموا مع الناس في شخصیّة فاطمة الزهراء (سلام‌الله‌علیها) و بجانبه یجب تبیین ظلم الظالمین و خیانة الخائنین و جنایة الجانین. ما هذا المقام الذي یکون حبّه یوجب بؤس الإنسان!

یجب علیکم في أیّام التبلیغ کونکم شعبیّین حتّی یری الناس الخلق الحسن منکم و هذا مهمّ جدّاً؛ إذ الناس قد سمعوا کلماتٍ کثیرةً في الفضاء المجازيّ و إذا رأوکم و نظروا إلیکم بالدقّة وجدوکم أنّکم من جملة الذين تکلّموا فقط أم أهل العمل؟ هل أنتم تتبعون منافعکم المادّيّة أم تتبعون نشر معارف أهل البیت (علیهم‌السلام)؟ فإنّهم إذا التفوا إلی شخص روحانيّ یتبع المنافع المادّيّة صار هذا الشخص عندهم عدیم القیمة. لا تدخلوا في المسائل المادّیّة و اسعوا أن تراعوا الأخلاق الإسلاميّة حتّی یری الناس الواقعیّة و حقیقة الإسلام فیکم و احملوا معكم القرآن و المفاتیح و رسالة توضیح المسائل. اقرؤا القرآن بعض الأوقات و اقرؤا الأدعیة و اقرؤها أمام الناس و لیس هذا ریاءً بل هو تبلیغ و الناس یتعلّمون منکم و افعلوا الخیر و اقفوا إثر الناس و اسعوا أن تمهّدوا لهم البصیرة و ترفعوا عنهم الجهالة فإنّ الفضاء المجازيّ قد سبّب أن یقع الناس في جهالة و تکون وظیفتنا أن نبصّر الناس؛ أي یجب أن یجد الناس البصیرة الإسلاميّة و الثوريّة. یجب أن تبیّن هذه الموارد للناس لا سیّما الشباب. قوموا بانعقاد مجالس للأطفال و المراهقین و الشباب خاصّةً مع ما جلستم مع سائر الناس فإنّ الفضاء المجازيّ یقودهم إلی الفساد و الضلالة و علینا أن نسدّ أمام الإنحراف و الفساد.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo