التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

الموضوع: تفسیر القرآن الکریم/ تفسیر سورة البقرة/ آیة المأة و الخمس و التسعین

﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لَا تُلْقُوا بِأَيدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.[1]

لزوم الإنفاق للجهاد

یکون البحث في سورة البقرة حول آیة المأة و الخمس و التسعین التي وقعت بعد آیات الجهاد. معنی الإنفاق في سبیل الله واضح و لا إبهام فیه و لعلّ ذکر هذه الآیة بعد آیات الجهاد إشارة إلی أنّ الجهاد في سبیل الله یحتاج إلی الإنفاق أیضاً؛ أي المسائل الإقتصادیّة حول الجهاد ذات أهمّيّة جدّاً. للجهاد مصروف باهظ یجب تأمینه علی المؤمنین. و إذا لم ینفق المؤمنون للجهاد فقد ألقوا أنفسهم في الهلاك؛ إذ العدوّ سینجح.

ضابط الإنفاق

الإنفاق في سبیل الله الذي هو من أمور الخیر، له ضابط و یجب أن یُفعل بالدقّة. قال الله- تعالی- لرسوله: ﴿وَ لَا تَجْعَلْ يدَكَ مَغْلُولَةً[2] إِلَى عُنُقِكَ وَ لَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً﴾.[3]

لا یکون بعض الناس أهل الإنفاق و ینفق بعض کلّ ما بأیدیهم؛ کلاهما غیر صحیح و نوعان من الإفراط و التفریط. یجب علی الإنسان أن یجعل مقداراً متعارفاً من ماله لنفسه ثمّ ینفق المزید منه في سبیل الله- تعالی.

ثمّ إنّه فرق هنا بین الإیثار و الإنفاق. علی سبیل المثال کان هناك شخص لدیه مقدار طعام و أتی إلیه فقیر و هو ینفق طعامه له مع احتیاجه إلیه؛ فإنّ في هذا الفرض لا یموت و لا یهلك المؤثّر بإیثاره فلذا قال- تعالی: ﴿وَ أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لَا تُلْقُوا بِأَيدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾.[4] أنفقوا و لکن بمقدار لا یوجب ذهاب ماء وجهکم و الضیقَ و الشدّة للزوجة و أولادکم. یمکن للإنسان أن یؤثر الآخرین علی نفسه و لکن لا یمکن له أن یؤثر من حقّ الزوجة و أولاده. یمکن أن تکون النیّات خیراً و لکن لیس معلوماً أنّ العمل صحیح أیضاً. قد ینفق أحد مقداراً تهلك معه زوجته و أولاده.

النهي عن الهلاك في کلّ مکان

﴿وَ لَا تُلْقُوا بِأَيدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ یمکن أن یکون حکماً کلّیّاً في کلّ مکان؛ أي راقبوا أن لا تلقوا بأیدیکم في کلّ الموارد أنفسکم في الهلاك.

معنی الهلاك

لیس الهلاك، القتل فقط، بل یقال للوقوع في معرض الآفة و الذهاب إلی مکان ذي خطر، الالتقاء في التهلکة. في الماضي حیث کانت الطرق غیر آمنة و أراد شخص الحجّ و قد علم أنّ سفره ذو خطر، کان سفره حراماً. معنی الهلاك عرفاً لیس القتل فقط بل إن کسرت ساقه أو صار مریضاً، یقال إنّه قد ألقی نفسه في الهلاك. إنّ احتمال الضرر في الأحکام الشرعیّة رافع للتکلیف فإذا کانت الصلاة من قیام تضرّك فقد رفع التکلیف عنك و إذا کان الصوم فیه احتمال الضرر علیك فالصوم حرام علیك.

المنع من هلاك الکل

لیس معنی «بأیدیکم» أن لا تلقوا بأیدکم أنفسکم فقط إلی التهلکة بل لا یجوز أیضاً إلقاء الآخرین في الهلاك. هذا الخطر یشمل الخطر الماليّ و النفسيّ و العرضي. إذا کان دخولك في مکان یوجب ذهاب ماء وجهك، فلا یجوز لك الدخول فیه.

الهلاك الظاهريّ و المعنوي

الهلاك یشمل الهلاك الظاهريّ و المعنوي. من کان متدیّناً و أهل التهجّد ثمّ وقع في مستنقع المعصیة فهو هالك. من صلّی استحبابیّاً و دعا و لکن لم یعمل بوظیفته عند دفع الخمس و الزکاة فهو هالك معنویّاً و من لم ینفق فیما علیه أن ینفق فهو ألقی بیدیه نفسه إلی التهلکة.

مصادیق الإنفاق

لیس الإنفاق في سبیل الله بالمال فقط بل یشمل العلم و التبلیغ للانتخابات و المساعدة للقضایا الثوريّة و الإسلاميّة و جهاد التبیین و نحوها. عدم إعطاء الجبایة و تضعیف النظام فهما من مصادیق الهلاك. إن لم ینفق المستکبرون و ذووا الثروات من أموالهم فازداد المستضعفون فإنّ المستضعفین سیأخذون بطوق المستکبرین و ذوي الثروات و یهلکوهم فعلیهم أن ینفقوا لاستنقاذ أنفسهم لو لا ینفقون في سبیل الله.