< قائمة الدروس

التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

45/06/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: تفسیر القرآن الکریم/ تفسیر سورة البقرة/ آیة 192

﴿وَ اقْتُلُوهُمْ[1] حَيثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيثُ أَخْرَجُوكُمْ[2] وَ الْفِتْنَةُ[3] أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَ لَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ[4] حَتَّى يقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾.[5]

﴿فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.[6]

یکون البحث حول آیة المأة و الإثنتین و التسعین من سورة البقرة المبارکة التي هي تتمّة للآیة السابقة.

المغفرة الإلهيّة

قام المشركون بقتل المسلمين و تعذيبهم و إخراجهم من مكّة فلمّـا غلب المسلمون أمر الله المسلمين أن يرجعوا إلى مكّة فيقتلوهم و يخرجوهم منها و لکن وجب علیهم أن يحترموا المسجد الحرام و لا يقاتلوا فيه إلّا أن يقاتلوا و ذلك جزاء الكافرين.

ثمّ قال الله- تعالی- في الآية التالية: فإذا أعلن المشركون و الكافرون هدنةً و استسلموا غفر الله لهم فإذن لا تقتلوهم و لا تخرجوهم.

الغفران مشروط بالتوبة

یمکن أن یکون أحد معاني کلمة «انْتَهَوْا» هو أن یتوب الكفّار و یتوقّفوا عن ارتكاب الجرائم و یصبحوا مسلمين. و الشاهد علی هذا المعنی ما جاء في استدامة الآیة من قوله- تعالی: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ و معناه أنّه صحيح أنّهم ارتكبوا جنایةً و لكنّهم إذا تابوا فسيغفر الله لهم.

و معنى آخر هو قبول إعلانهم الهدنة و هذا المعنی لا يوافق مع ما جاء في تكملة الآية؛ لأنّ رحمة الله و مغفرته لا تکونان للمشركين بل لمن تاب و أسلم. و هذه الهدنة ليست للحرب بالسلاح فقط، بل تشمل حرب الإيمان أيضاً.

إنّ قبول الهدنة هو الدرس السياسيّ للإسلام. فإن قتلوكم أو أخرجوكم فردّوا بالمثل و إن أعلنوا الهدنة و التزموا بها فاقبلوا منهم.

حقّ القصاص

هل يغفر الله لمن قتل المسلمين بإعلان الهدنة؟ إن كانوا مشركين و تابوا غفر لهم شركهم و لكن هل يغفر لهم القتل الذي ارتكبوه؟ کان حقّ الله و حقّ الناس على عاتق المشركين و الله يغفر حقّ الله بالتوبة و لكن ماذا سيحدث لحقّ الناس من قتل المسلمين و دماءهم؟ الظاهر أنّ حقّ القصاص محفوظ لأولیاء الدم فإن قُتلوا فليس لدينهم بل بما ارتكبوا من القتل. لأولیاء الدم اختیار قصاص القاتل أو العفو عنه؛ لأنّ القصاص ليس واجباً، بل هو حقّ يمكنهم التجاوز عن حقّهم و العفو عنه.

ممهّد المغفرة

یستفاد من الآية أنّه يجب على الإنسان أن يسعی نفسه و يمهّد طريق رحمة الله و مغفرته فإن أعلنوا هدنةً فإنّ الله كان رحيماً غفوراً کما قال- تعالی: ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.[7]

نطاق طلب الهدنة

بناءً على الآية السابقة التي تمنع القتال في المسجد الحرام إلّا أن يقاتل المشركون فيه، قد قال بعض في تفسير هذه الآية: إنّ «فَإِنِ انْتَهَوْا» أيضاً مربوط إلى المسجد الحرام. هناك تيّاران: على المسلمين بعد الوصول إلى السلطة قتل المشركين و إخراجهم من مكّة؛ إذا لجأوا إلى المسجد الحرام فلا تقاتلوا حتّى يقاتلوا و إذا أعلن اللاجئون في المسجد الهدنة فاقبلوها.

تفسير آخر للآية هو أنّ المشركين سواء أعلنوا الهدنة في المسجد الحرام أو في غيره فاقبلوها. و في رأينا أنّ هذا الرأي الثاني هو الأولی. لا وجه لاقتصار الهدنة في المسجد الحرام، بل الأمر بقبول الهدنة مطلق.


[1] أي الوثنیّین الذین لا یأبون من أيّ جنایة.
[2] أي من مکّة.
[3] و عبادة الأوثان.
[4] المراد منه «الحرم».

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo