< قائمة الدروس

التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

45/06/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: تفسیر القرآن الکریم/ تفسیر سورة البقرة/ آیة المأة و الثلاثة و التسعین

قال الله- تعالی: ﴿وَ قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ[1] وَ يكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا[2] فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾.[3]

إنهاء الفتنة هو هدف القتال

یرجع ضمیر «هم» في «قَاتِلُوهُمْ» إلی مشرکي مکّة الذین قتلوا المسلمین و عذّبوهم و أخرجوهم منها.

و إذا قدر المسلمون و رجعوا إلی مکّة یجب علیهم القتال مع المشرکین الذین یقومون أمامهم. تجب استدامة القتال إلی الهدوء من الفتنة و قطع الفتنة من کلّ أحد فالآن عندما ترجعون فلا تتبعوا الانتقام؛ إذ لیس في الإسلام الانتقام. و إذا عمل المسلم عملاً فلیس عمله للانتقام و فتح البلاد بل إنّما نقاتل في سبیل الله حتّی یبقی دین الله حیّاً و یحیی. ثمّ إذا انقطعت الفتنة فارفعوا أیدیکم عن القتال. نعم یمکن أن یستبشر المؤمنون بعد القتال و الفتح کما قال الله- تعالی: «وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ‌»[4] و لکن لیس هذا للانتقام و لا منافاة بینه و بین أن یکون القتال في سبیل الله.

فإذا استسلم المشركون و لم يحدثوا فتنةً و أصبحت البلاد إسلاميّةً فلا حقّ لنا في القتل.

﴿فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ من ظلم بالفعل فتجب علینا المبارزة معه و لکن إذا استسلم و لم تکن فتنة فلا حرب. إذا قاتلنا فليس من أجل الغنائم و فتح البلاد و لكن حرب المسلمين هي لإقامة دين الله کما أخبر الله- تعالی- عنه بقوله: ﴿وَ يكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾.[5]

ممنوعیّة الحرب الإبتدائي

یجب الالتفات إلی أنّ هذه الآیة خاصّة بمشرکي مکّة و لا تشمل مشرکي سائر البلدان؛ لأنّ سمة مشرکي مکّة أنّهم قتلوا المسلمین و عذّبوهم و أخرجوهم منها. و لذلك لا یجوز شروع الحرب لمشرکي سائر البلاد.

العدالة في التعامل

﴿فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ هل یجوز العدوان و الظلم علی الظالم؟ هناك ظالم قد ظلمك فهل یحلّ لك الآن أن تظلمه بعد أن قدرت علیه؟ لا بل یجب علیك أن تعامل معه بقدر ما ظلمك لا أکثر کما قال- تعالی: ﴿فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُمْ﴾.[6]

یستفاد من هذه الآیة أنّ طریق التوبة مفتوح لجمیع الناس في هذا العالَم فإذا تاب و لم یخطأ بعدها یجب قبول توبته. عندما یحسن ظاهره و ترك الفتنة و استسلم، یجب أن یُطلق و یُترك معه القتال کما قال- تعالی: ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ﴾. لا یجوز استمرار القتال؛ لأنّنا لسنا أهل الانتقام و فتح البلاد و جمع الغنائم، بل نقاتل في سبیل الله و إقامةً لحکومة الله.

قبح القتل

تجب مراعاة قاعدتین هنا:

القتل أقبح القبائح عقلاً و نقلاً.

2- تجب مراعاة الأهمّ و المهم. في بعض الأحيان يتعيّن على الإنسان القيام بأشياء سيّئة لمنع حدوث أشياء أسوأ. إذا لم یقصّ القاتل فسیحدث کثیر من القتل في المجتمع و إذا وقع القصاص فلن یجرؤ الآخرون علی القتل کما قال- تعالی: ﴿وَ لَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.[7]

إذا قاتل المشركون وجب قتلهم و إن كان القتل سيّئاً و إذا أسلموا وجب أن یُكفّ عن قتلهم. في حالة حدوث مشكلة فقد تحلّ المشكلة بالقتل مرّة أو مرّتین فإذا حلّت المشکلة فلا تجوز استدامة القتل.

 


[1] أي: عبادة الأوثان و سلب الحرّيّة.
[2] و رفعوا أیدیهم عن الطریق غیر المستقیم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo