< قائمة الدروس

التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

45/07/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: تفسیر القرآن الکریم/ تفسیر سورة البقرة/ آیة 191

﴿وَاقْتُلُوهُمْ[1] حَيثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيثُ أَخْرَجُوكُمْ[2] وَ الْفِتْنَةُ[3] أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَ لَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ[4] حَتَّى يقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾.[5]

 

ردّ بالمثل

قام المشركون بقتل المسلمين و تعذيبهم و إخراجهم من مكّة. و لمـّا قدر المسلمون علیهم نزلت هذه الآية بأن يرجع المسلمون إلى مكّة فليقتلوا و يخرجوا من مكّة الذين أجرموا و أخرجوهم و یقاتلونهم. و ضمیر «هم» في «وَاقْتُلُوهُمْ» یرجع إلی المشركين و الوثنيّين الذين کانوا یعذّبون المسلمين و یقتلونهم و أخرجوهم.

و قصّة فلسطين الآن تشبه إلى حدّما هذه الآية. قد أخرج اليهود المسلمين من أرضهم و قتلوهم و عذّبوهم و الآن بعد أن سلّط المسلمون ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾. و هذه الآیة أمر بردّ بالمثل، أقتلوهم لأنّهم قتلوا و أخرجوهم لأنّهم أخرجوا.

الفتنة أسوء من القتل

﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ كانت من فتنتهم تعذیباتهم. قد يكون التعذيب أسوأ من القتل؛ بالقتل ينتهي عذاب الجسد، لكن عذاب التعذيب و التهجير قد يستمر.

إنّ الفضاء المجازيّ الذي يقود الشباب إلى الفساد و يفكّك الأسر و يؤدّي المجتمع إلی السخونة. و أن تجد المرأة قد ترتبط مع الأجانب من طریق الحرام فهو من مصادیق الفتنة و الفتنة أشدّ من القتل. و لكن يجب أن يمیّز الأهمّ و المهمّ بالنسبة إلی کون الفضاء المجازيّ مفتوحاً أم لا؟ من الضروريّ الآن أن يكون موقع الويب الخاصّ بك و الإنترنت و الهاتف المحمول أداةً لهدایة الأشخاص. يجب أن تكون نشيطاً لإرشاد الناس و تقديم المساعدة العلميّة و الثقافيّة للمجتم و علی الظاهر أنّه لا يمكن إيقاف الإنترنت بعد الآن. و الآن بعد أن لم يكن من الممكن وقف هذه الفتنة الكبرى فیلزم علی کلّ مسلم أن يعمل في هذا الفضاء لیبیّن و یبصّر للناس و ربّما يكون ذلك واجباً شرعیّاً. یجب و یلزم علی الدولة الإسلامیّة سدّ مواقع مروجّة للفساد الاعتقاديّ و الأخلاقيّ و الاقتصاديّ و غیرها.

حرمة مسجد الحرام

﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾ و إن ألجأوا إلی المسجد الحرام فلا تتعرّضوا لهم و احفظوا حرمة المسجد إلّا أن یریدوا قتلکم في الحرم و لا یحفظوا حرمة الحرم؛ فعلیکم عند ذلك أن تقابلوا معهم.

إن أرادوا أن یریقوا دماء المسلمین عند المسجد فیجري حینئذٍ قانون الأهمّ و المهم؛ أي تجب حرمة المسجد و دم المسلم و لکن دم المسلم أهمّ من حرمة المسجد.

المقاومة أمام العدو

یستفاد من الآیة أنّه لا یجوز التهاون أمام المشرکین و الوثنیّین. یجب علی المسلم أن لا یقتل أحداً في البدایة و لا یهجم علی أحد و لکن إذا أرادت طائفة أن یقتلوا المسلمین و یعذّبوهم و یخرجوهم من دیارهم فلا یکون عندئذٍ موضع للسکوت و الرحمة و الشفقة، بل یجب أن یحتاك بهم. هذا قانون الإسلام أنّه لا تهجموا إبتداءاً و لکن إذا قتلوا منکم و صرتم مظلومین فلا محیص في أن تقاتلوهم فقوموا مع الشدّة و لا تهاونوا.

و لکن بعض الناس یستفید من هذه الآیة أنّ المقصود منها قتل الکافر حیث وُجد بینما أنّها في مورد الکفّار الذین قتلوا المسلمین و عذّبوهم و أخرجوهم من دیارهم. لم یأمر الإسلام بالشراسة الإبتدائيّة بل الشراسة أمام الشراسة.

قیمة الوطن

یستفاد من الآیة أنّه من مرأی الإسلام کون الوطن ذا قیمة و یجب علی کلّ أحد أن یحفظ وطنه. إن أخرجوکم من وطنکم فلکم أن تعنفوا و تدافعوا عن وطنکم. علی الإنسان بناءاً علی أساس جمیع الأدیان أن یحبّ وطنه کما قیل: «حبّ الوطن من الإيمان».[6]

معنی «ثَقِفْتُمُوهُمْ»

قال بعض أنّ «ثَقِفْتُمُوهُمْ» بمعنی «وجدتموهم» مع تفاوت أنّ «الثقف» هو الوجدان مع الغلبة. إنّ الإنسان إذا وجد أحداً تکون قدرته أشدّ من قدرة الواجد فیقال «وجده» مثلاً؛ أي وجده و لکنّ الغالب هو الذي وُجد. و لکن إذا کان الواجد غالباً في القدرة علی من وُجد فیقال «ثقفه» مثلاً.

 


[1] أي الوثنیّین الذین لا یأبون من أيّ جنایة.
[2] أي من مکّة.
[3] المراد بها هنا الشرك باللّه.
[4] المراد منه «الحرم».

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo