< قائمة الدروس

التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

45/08/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: تفسیر القرآن الکریم/ تفسیر سورة البقرة/ آیة المأة و الستّ و التسعین

 

﴿وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ[1] فَمَا اسْتَيسَرَ مِنَ الْهَدْي وَ لَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يبْلُغَ الْهَدْي مَحِلَّهُ[2] فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ[3] فَفِدْيةٌ مِنْ صِيام ٍأَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ[4] فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيسَرَ مِنَ الْهَدْي[5] فَمَنْ لَمْ يجِدْ فَصِيامُ ثَلَاثَةِ أَيام ٍفِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ[6] وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.[7]

یکون البحث حول آیة المأة و الستّ و التسعین من سورة البقرة المبارکة و قد ذکر الله- تعالی- فیها أحکاماً للحج.

منها: أنّه بمجرّد بدء الحجّ یجب إتمامه و لا یجوز ترکه في منتصف العمل من دون عذر. یستفاد من هذه الآیة وجوب الحج؛ مضافاً إلی آیات أخر تدلّ علی وجوبه مثل قوله- تعالی: ﴿وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً﴾.[8]

و منها: أنّه یستفاد أیضاً أنّ الحجّ من العبادات التي یجب فیها قصد القربة و هو مستفاد من قوله- تعالی: ﴿وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾.

و منها: أنّه یمکن أن تحصل مشکلة للمکلّف حین إتیان الحجّ، مثل المرض و الخوف من العدوّ و ما شابههما فتوجب هذه المشکلة عدم التمکّن من استدامة الحجّ فقال- تعالی: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيسَرَ مِنَ الْهَدْي﴾؛ أي یجب علیکم الهدي فلیس حینئدٍ أيّ مشکلة في ترك الحجّ و عدم تمامه. و هذا الهدي منوط بقدرة المکلّف فهو إمّا الإبل أو البقر أو الغنم.

و منها: أنّه لا یجوز بمجرّد حصول المشکلة أن یحلقوا رؤوسهم حتّی یبلغ الهدي محلّه أي حتّی یذبح الهدي في مذبحه؛ کما أشار إلیه- تعالی- بقوله: ﴿وَ لَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يبْلُغَ الْهَدْي مَحِلَّهُ﴾.

و منها: أنّه إن کان هناك أحد یکون مریضاً أو متأذّیاً ممّا في رأسه بحیث یلزم علیه حلق رأسه فإمّا أن لا یحلق رأسه أو یحلق و لکن یفدي بأحدی هذه الثلاثة من الصیام أو الصدقة أو ذبح الغنم و قد أشیر إلی هذا الحکم في قوله- تعالی: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾.

ثمّ إنّه قد جاء في الروایات أنّ المراد من الصدقة في هذه الآیة هو «إطعام ستّة مساکین». و «النسك» بمعنی العبادة و المراد منها هنا ذبح الغنم.

ثمّ أمر الله- تعالی- بأنّه إذا ارتفعت المشکلة و حصل الأمن و رجع المکلّف إلی الحجّ فعلیه الهدي بما استیسر له و أشیر إلیه بقوله-تعالی: ﴿فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيسَرَ مِنَ الْهَدْي﴾. و من لم یتمکّن من شراء الهدي أو لم یوجد هناك هدي فلیصم ثلاثة أیّام في الحج؛ کما أشار إلیه بقوله- تعالی: ﴿فَمَنْ لَمْ يجِدْ فَصِيامُ ثَلَاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ﴾ و المراد من هذه الثلاثة الیوم السابع و الیوم الثامن و الیوم التاسع من ذي‌الحجّة و الیوم العاشر هو یوم العید الأضحی و قد حرّم فیه الصیام. ثمّ إذا رجع الحاجّ إلی وطنه فلیصم مضافاً إلی هذه الثلاثة، سبعة أیّام و هو مستفاد من قوله- تعالی: ﴿وَ سَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾.

قال بعض المفسّرین إنّ تلك الأیّام الثلاثة یجب أن تکون متوالیةً فالأیّام السبعة أیضاً یجب أن تکون هکذا. و لکن یمکن أن یقال: إنّ التوالي لا یستفاد من الآیة، نعم یمکن أن یستفاد من الروایات.

ثمّ إنّ المسافرین في الأزمنة السابقة کانوا یسافرون بالدوابّ و یبقون أحیاناً في الطریق أشهراً متعدّدةً فهل یتمکّن الحاجّ حینئذٍ من صیام الأیّام السبعة في الطریق أم یجب الوصول إلی الوطن؟ بالنسبة إلی صوم شهر رمضان فلا یمکن أن یُصام في السفر و لکن أستثني منه صیام الأیّام الثلاثة في الحجّ مع کون الحاجّ مسافراً، فهل یجوز له صیام الأیّام السبعة في السفر أم لا؟ إنّ لفظ «رجعتم» ظاهر في الرجوع إلی الوطن و لیس معلوماً أن یکون مراد الآیة الصوم في السفر عند الرجوع من الحج، مضافاً إلی أنّ الصیام ممنوع في السفر و لقد استثنيت هذه الأیّام الثلاثة في الحجّ و لا نعلم أنّ الأیّام السبعة من المستثنیات أم لا؟ فالظاهر من الآیة أنّ صیام الأیّام السبعة لم یسثتنَ و یجب الصیام بعد وصوله إلی وطنه.

ثمّ إنّ هذه الأحکام مختصّة بمن لم یکن ساکن مکّة؛ کما قال- تعالی: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾. و هذه الأحکام لحصول التقوی؛ کما قال- تعالی: ﴿وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ فإنّ کلّ العبادات منها الصلاة فهي لأجل التقوی.

ثمّ إنّ الحجّ أسّسه إبراهیم (علی‌نبیّناوآله‌وعلیه‌السلام) و أمضاه الإسلام و لم یغیّر إلّا أحکامه.

 


[1] و وُجد هناك مانع من خوف من العدوّ أو المرض و ما شابههما و مُنعتم من الإحرام فادخلوا المسجد الحرام و اذبحوا ما یتیسّر لکم من الهدي ثمّ اخرجوا من الإحرام و ...
[2] أي لیصل الهدي إلی المذبح و یذبح هناك.
[3] و أضطرّ إلی حلق رأسه فـ.
[4] من العدوّ و المرض.
[5] أي: فلیذبح ما یتیسّر له من الهدي.
[6] أي: لم یکن من أهالي مکّة و أطرافها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo