< قائمة الدروس

التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

45/08/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: تفسیر القرآن الکریم/ تفسیر سورة البقرة/ آیة المأة و السبع و التسعین

یکون البحث حول آیة المأة و السبع و التسعین من سورة البقرة المبارکة. قال الله- تبارك و تعالی:

﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ[1] فَمَنْ فَرَضَ[2] فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَ لَا فُسُوقَ وَ لَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَ مَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَ اتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾.[3]

المراد من لفظة «الْحَجُّ»:

ما المراد من لفظة «الْحَجُّ»؟ هل المراد الحجّ فقط أو یشمل الحجّ و العمرة معاً؟ قال المفسّرون: المراد من الحجّ هنا الحجّ و العمرة معاً لا الحجّ فقط. لأنّ الحجّ یکون في أیّام ذي‌الحجّة و لکنّ العمرة مستحبّة مؤکّدةً في الشوّال و ذي‌القعدة و ذي‌الحجّة. فالأشهر في قوله- تعالی: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ» جمع للشهر و المراد الحجّ و العمرة في الأشهر المعلومة.

المراد من «أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ»:

المراد منها الشوّال و ذوالقعدة و ذوالحجّة المؤکّد فیها إتیان الحجّ و العمرة.

ثمّ إنّ هناك نکتةً و هي أنّ الله- تعالی- جعل للأیّام دوراً؛ علی سبیل المثال إنّ شهر رمضان شهر خاصّ یتقرّب فیه الإنسان إلی الله- تعالی- فالزمان و المکان مؤثّران؛ مثل الصلاة التي لإتیانها في أوّل الوقت تأثیر و ثواب کثیر و إن أوتي بها أثناء الوقت فقد قلّ تأثیرها و ثوابها. إنّا نری في العبادات أن جُعل للزمان أثر؛ علی سبیل المثال کیف الوقوف في منا؟ أو کیف الوقوف في العرفات؟ کیف أیّام الإحرام؟ یُعلم من القول بأن یُؤتی بالعمل الفلانيّ في أیّام الله، أنّ للزمان و المکان تأثیراً. علی سبیل المثال یقال: إعملوا هذا الفعل في المسجد أو یقال إنّ لإتیان الأعمال في المسجد الحرام أو المدینة ثواباً هکذا. فالمستفاد من الآیات الشریفة أنّ للزمان و المکان تأثیراً.

بعض الواجبات و العبادات قد أکّد علیه في الأزمنة الخاصّة و علی بعض في الأمکنة الخاصّة. مثل أن تقام الصلاة و الاعتکاف في المسجد و الناس مجتمعون معاً و یتعّرف بعضهم لمشاکل البعض الآخر و یساعد بعضهم بعضاً. و بالجملة هناك مصالح في أن یجمعوا في الأزمنة الخاصّة و یتحدّثوا معاً. إن یتفرّق الناس و یذهب کلّ واحد للعبادة في ساعة خاصّة فلن یجتمع الناس في مجمع أبداً. تکون في العبادات مصالح لبعضها حیثيّة اجتماعیّة و للبعض الآخر حیثیّة سیاسیّة و لبعض حیثیّة ثقافیّة. لا یأمر الشارع المقدّس بشيء من دون مصلحة فهناك مصلحة في تعیین الشهر المعیّن لأقامة الحجّ و یجب علی المسلمین أن یأتوا و یجمعوا في مکان خاصّ و یأتوا بعباداتهم.

نعم بعض الأیّام قد نال شرفاً بسبب الاتّفاقات التي قد وقعت فیها. و لا منافاة بینه و بین أن یراعي الشارع المقدّس مصالح لاجتماع المسلمین في یوم خاصّ بحیث إنّهم لم یکونوا متفرّقین في عباداتهم.

قد رأینا خلال سفرنا الأخیر إلی فاتیکان أشیاء، منها أن نری أنّ المسیحیّین کانوا یعبدون في الکنیسة منفردین، نعم لهم عبادات جمعیّة و لکنّ الإسلام قد اهتمّ بالاجتماع اهتماماً کثیراً. قد أوصی الإسلام ببعض الاجتماعات و العبادات لوجود المصالح الموجودة في الجمع؛ مثل صلاة الجمعة و الجماعة و الحجّ و غیرها. قد أکّد في الإسلام بأن یکون الناس مصاحبین مجتمعین متّحدین و عالمین بمشاکلهم.

الفرق بین «الفرض» و «الوجوب»:

إنّ الفرض لا يكون إلّا من الله و الإيجاب يكون منه و من غيره؛ أي الفرض من الله- تعالی- فقط لا من غیره و الوجوب منه و من غیره من الرسول و الأئمّة (علیهم‌السلام).‌

قال الله- تعالی: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَ لَا فُسُوقَ وَ لَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾

أي الآن حیث تکون أیّام الحجّ و قد أحرم الحاجّ فلا رفث؛ أي لا یجوز الجماع في الحجّ و لا فسوق؛ أي لا یجوز أن یرتکب المعصیة و لا جدال؛ أي لا یجوز الجدال و الجعجعة و لا یجوز الغضب و علیه بالهدوء. نعم یجب القول بالحقّ و لکن لا تمسّکوا في أقوالکم بالیمین و المجادلة لئلّا تقعوا في الاختلاف. هذا یکشف عن أن یجب الاحتیاك هناك بالهدوء و الصلح و الصفوة.

ثمّ إنّ في رأینا أنّ هذه القضیّة لا تختصّ بالحجّ و لیس الأمر أن یقال ﴿لَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ و لکن بعد انقضاء مدّة الحجّ فالجدال جائز! لا؛ بل یجب الهدوء علی الجمیع. قد تری أثناء القیادة شخصین قد أرادا السباق و لکنّهما یصرخان و یجادلان. علیکم بالهدوء فإذا رأیتم في الشارع شیخاً أو شیخةً فقفوا السیّارة و انتظروا لحظاتٍ حتّی یعبروا الشارع.

من الأمور الجیّدة التي رأیت هناك أنّهم وضعوا حفظاً لنفوس المشاة أماکن إذا أراد المشاة أن یعبروا الشارع وضعوا أصابعهم علی زرّ المصباح الدلیل حتّی یصیر المصباح أحمر فیعبرون الشار

و معنی قوله- تعالی: ﴿فَلَا رَفَثَ وَ لَا فُسُوق وَ لَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ أن یکون هکذا في جمیع الأمکنة فالمعصیة و الجدال سوء. و ما أصابتنا من مصیبة فبما کسبت أیدینا من المعصیة و أوامره- تعالی- بأیدینا.

یجب علینا أن نعرف قیمة بلدنا، بلدنا ریحانة و جنّة علی الأرض، أجمل من جمیع البلاد و أفضل من جمیع البلاد بلدنا هذا. إن سافرتم إلی جمیع البلاد فلیست أجمل من الجیلان و المازندران. أفضل البلد الخارجيّ لا یبلغ قیمةً إلی بلادنا من رامسر أو نوشهر. إن نعرف زنة بلدنا فإنّ في الحقیقة بلدنا أفضل بلاد الدنیا و لدینا أفضل الحیاة.

إذا کنت تکسب کلّ شهر ثلاث مأة میلیون، لا یمکن لك العیش في البلد الأجنبي إلّا عیشاً محقّراً و ساذجاً، بینا أنّي أعرف في بلدة قم هذه، عائلاتٍ یعیشون بخمسة أو ستّة ملایین. و لکنّ الحیاة هناك صعبة حتّی لا یمکن العیش مع مأتي میلیون أو مأتي و خمسین میلیون. صحیح أنّ رواتبهم الشهريّة أکثر و لکن مشاکلهم أیضاً کثیرة جدّاً. إنّا قد سکنّا في سویسرا في شقّة فیها مدفأة ثمّ رأینا أنّ المدفأة قد طفأت لعدّة ساعات، فإذا اعترضنا و قلنا إنّ الجوّ بارد فلماذا أطفأت المدفأة؟ قالوا إنّ القانون هنا في الساعات التي ینام الناس فیها و یستخدمون البطانیّات و اللحف، أن تطفأ المدفأة لأنّ لدیهم مشاکل في الغا و لکن لدینا في البیوت الماء و الغاز و الکهرباء و جمیع الأشیاء منظّمة و مرتّبة فعلینا أن نعرف قیمة بلدنا.

قال الله- تعالی: ﴿وَ مَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ و یکون معنی قوله، أن اسعوا في أن تعملوا لله- تعالی. و إن لم تعملوا له فلا تظنّوا أنّه لا یعلم. مثل أن أکون ذاکراً و لکن قلبي غیر متوجّه إلی الله. إن قمت بعبادة لیست لله فالله یعلم أنّها لیست له و کانت ریاءاً و لم تکن خالصةً. إن تعملوا خیراً، یعلم الله أنّکم بأيّ نیّة و غرض أتیتم بها.

قال الله- تعالی: ﴿وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَ اتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ إذا أردت أن تسافر، تأخذ حقیبةً و تضع راحلتك و ما تحتاج إلیه فیها. تسمّی هذه اللوازم المحتاج إلیها في السفر، الراحلة. مثل أن تتهیّأ لك مقداراً من الطعام و الماء و المرکب الجیّد نحو السیّارة أو الطیّارة أو غیرهما، فإنّ هذا علامة العقل. یحکم العقل بأن تتهیّأ راحلةً منظّمةً لسفرك؛ فإنّ هناك بعض الأشخاص یقولون قد نسیت أن آخذ الشيء الفلاني. إنّ هذا دلیل علی أنّ الشخص لم ینتبه إلی ما یجب أن یأخذ معه.

یجب علی الإنسان أن یأخذ في الأسفار الدنیويّة حقیبةً قد جعل فیها جمیع ما یحتاج إلیه في سفره. لکن في سفر الحجّ یحتاج الإنسان مضافاً إلی هذه اللوازم إلی أن یأخذ معه شيئاً آخر و هو التقوی؛ أي إذا شرع في سفره یجب أن یکون سفره مع التقوی لا مع المعصیة، بل لیکن سفره مصحوباً بذکر الله. هکذا یکون السفر إلی الآخرة، یجب علی الإنسان أن یأخذ لسفر الآخرة راحلته المعنویّة (التقوی). لا نحسبنّ أنّا نبقي في هذه الدنیا کثیراً.

فإنّ هناك شابّاً قد کنتُ رأیته کلّ یوم في الدر کان یخرج هذا الشابّ من الغرفة التي أمامنا و یسلّم عليّ و یسأل عن حالي و لکن قد مات الأمس و وصل إلی رحمة الله- تعالی. سألتُ هل کان مریضاً؟ قالوا لا. قلتُ هل به کآبة؟ قالوا لا. کان شابّاً له ستّ و ثلاثون سنةً، دخل بیته مع زوجته و ولدیه و جلس عند المائدة حتّی یأکل الطعام فقال لأمّه إنّي أشعر بوجع في قلبي، قالت له أمّه إذهب إلی الطبیب! قال لا شيء إنّه یتحسّن. ثمّ بعد ساعة رأوا أنّه قد مات. لا نحسب أنّ الموت منّا بعید. الآن و قد بلغت من عمري بضعاً و سبعین یمکن أن یحدث لي شيء في کلّ لحظة. نحن جمیعاً هکذا. أکتبوا وصایاکم و نظّموا شؤونکم. و إن کان هناك أحد غیر راضٍ عنك فارضه.

على أيّ حال فصحّح حالك کیفما استطعت، فلا تظنّ أنّك ستعیش عشراً أو عشرين سنةً! لا، ليس الأمر كذلك، يمكننا أن نذهب في لحظة. كلّنا ننام بالليل و لا نعلم هل سنستيقظ في الصباح أم لا! لا تؤجّل عملك بانتظام بأن تقول: إن شاء الله سنؤدّي ديوننا غداً! إن شاء الله سأعطي خمس مالي لاحقاً! إن شاء الله سأتوب لاحقاً! إن شاء الله لاحقاً... قم بعملك على الفور في الأمور المعنويّة و سوّ جمیع أعمالك.

لقد كان هناك كثير من الأکابر کانوا یحاسبون أوّل کلّ شهر خمس الفلوس الشرعیّة التي نقول إنّ الفقهاء قد سمحوا التصرّف فیها سنةً ثم بعد مضيّ السنة وجب علینا تخمیسها. یمکن أن لا أكون حیّاً في الشهر المقبل فلذلك أحاسب بدایة الشهر أنّه كم لديّ من زيادة؟ ثمّ أعطي خمس ما زاد. هناك بعض الناس يحاسبون كلّ يوم و أنّه ما هو المبلغ الزائد الذي لديّ اليوم؟ ثمّ أعطي خمس هذه الزیادة. قد یعطي بعض راتبه الزائد غیر المحتاج إلیه، إلی الآخرین. و علی کلّ حال لا نحسبنّ أنّا سنکون أحیاء دائماً! لا، هذا طریق نسلکه بالأخیر و لا یجوز أن نظنّ أنّنا سنعیش لعدّة سنوات أخری.

 


[1] و هي الشوّال و ذوالقعدة و ذوالحجّة.
[2] أي بالإحرام و شروع المناسك.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo