< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

32/11/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح \ الزواج المدني \ صحة العقد مع فساد الشرط

كان الكلام عن أن فساد الشرط لا يؤدي إلى فساد العقد، وذكرنا أن الدليلين الرئيسيين:

الدليل الاول: الذي تمسك به الشيخ الطوسي (ره) عمومات " أوفوا بالعقود ".

الدليل الثاني: الاخبار،

وقلنا من باب الفائدة انه بحسب المنهجية الأخبار هي الدليل الأول، والإخبار الكلام فيها كثير، لذلك أخرنا الكلام فيها، وإلا بحسب المنهجية مع الأخبار لا داعي للإطلاقات والعمومات لأننا ذكرنا مرارا، أن العلميات مترتبة، في آخر سلم العلميات تأتي الأصول اللفظية، في مقام الاستدلال مع وجود خبر بعنوان نفسه، ووجود إطلاق الخبر هو الذي يجري.

الخبر السادس: في الوسائل بإسناد الشيخ عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن ابن سنان قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن الشرط في الإماء لا تباع ولا توهب قال: ( يجوز ذلك غير الميراث فإنها تورّث لأن كل شرط خالف الكتاب باطل)[1] .

والاستفادة منها هو نفس الاستفادة من الرواية السابقة.

أما من حيث السند الرواية معتبرة ، وأما من ناحية الدلالة.

أولا: لا خصوصية للإماء بل كل عوضين.

ثانيا: بيان أن الإرث يختلف عن البيع والهبة. إسقاط الإرث باطل، لا يجوز إسقاط الإرث لان الإرث حكم، ولهذا قال تباع وتوهب وتورث. إذا كان بشرط عدم البيع وعدم هبة وعدم إرث. الإمام (ع) فصّل بينها، قال أما عدم الإرث فالشرط باطل، وأما عدم البيع وعدم الهبة فالشرط صحيح، وهذا استفدنا منه أمرين:

الأمر الأول: أن الإرث حكم لا يسقط بالإسقاط حتى ولو اشترطه، فهو شرط فاسد.

الأمر الثاني: نفهم من خلال هذا التفصيل معنى " ما خالف كتاب الله باطل " ومعنى الفقرة التي وقع فيها كلام كثير في الحديث الشريف: " المؤمنون عند شروطهم إلا ما احل حراما أو حرم حلالا ". وقلنا أن هناك مشكلة في " حرم حلالا " لان الشروط عبارة عن قيود، عبارة عن منع من الحلال، فالتحريم ليس بمعنى المنع بل بمعنى إسقاط الحكم. نستفيد من هذه الروايات تفسير هذه الفقرة التي كانت محيرّة في تلك الرواية.

الخبر السابع: أو النصوص المتعددة التي دلت على أن ما خالف كتاب الله فهو باطل، وهذه العبارة وردت بألفاظ مختلفة في نصوص متعددة كالخبرين السابقين.

الاخبار السابقة التي ذكرناها موردها الاماء. سنأتي الآن بخبر " ما خالف كتاب الله فهو ردٌ " بهذا المضمون في الشركة.

رواه الكليني (أعلى الله مقامه) في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي في رجلين اشتركا في مال، فربحا فيه وكان من المال دين وعليهما دين فقال احدهما لصاحبه، أعطني رأس المال ولك الربح وعليك التوى؟ (هلاك المال) فقال: ( لا باس إذا اشترطا، فإذا كان شرط يخالف كتاب الله فهو ردٌ إلى كتاب الله عز وجل ) [2] .

السند معتبر، وفي التقسيم المشهور رواية حسنة.

قلنا أمس أن " رد ٌ" مصدر بمعنى مردود وقد يأتي المصدر بمعنى اسم الفاعل ومعنى اسم المفعول، وإذا ورد الوصف بصيغة المصدر فإنه آكد في حدوث الحدث من قبيل علي عدلٌ وعلي عادل. عادل نسبة هي وصف أما عدلٌ فكأنما هو عدل باعتبار أن المبتدأ والخبر هو هو، هو عين العدل. ولكن هو " ردٌ " تشديد في الرد، لها معنى آخر، أولا مردودٌ تأكيد في الرد، هو باطل غير مقبول، وذكرنا أمس مثالا: هذا ذبح حلال بمعنى مذبوح، فيأتي احيانا المصدر بمعنى اسم المفعول بمعنى مفعول.

هذه الروايات بالنسبة لمقامنا، مسألتنا ما هي؟ هي فساد العقد إذا فسد الشرط؟.

الروايات الأولى التي ذكرناها صريحة في صحة العقد، أما هذه الروايات فلم تصرح بصحة العقد مع فساد الشرط، عندما قال: " ما خالف كتاب الله فهو ردٌ " لم يقل أن العقد يبقى صحيحا، قال الشرط فاسد، بيّن حكم الشرط ولم يبيّن حكم العقد.

نقول: الروايات الأولى بيّنت حكم العقد صريحا، أن البيع صحيح ولذلك كان العتق صحيحا، والعتق لا يكون إلا في ملك، كما في قضية بريرة التي مرّت، العتق لا يكون إلا في ملك والملك لا يكون إلا في صحة البيع. هناك صراحة أو شبه صراحة في صحة العقد مع فساد الشرط. هنا لم يتعرض لصحة العقد. قد يقال أن هذه الروايات أجنبية عن مقامنا، هذه الروايات تبيّن أن هذا الشرط فاسد وهذا الشرط غير فاسد، اشتراط الإرث فاسد واشتراط عدم البيع وعدم الهبة صحيح.

الامر الثاني: في المضامين لا باس بالتذكير به أيضا، إن اشتراط عدم البيع لا يخالف مقتضى العقد بنص الرواية، ليس شرطا فاسدا فلا يكون مخالفا لمقتضى العقد ، لا ينسف مفهوم العقد بل ليس مخالفا لمقتضى العقد أصلا بل ليس شرطا فاسدا. ولهذا نكرر الكلام عندما مثّلنا على ما يخالف مقتضى العقد، " أبيعك هذا الكتاب بشرط أن لا تملكه، ولم نمثِّل بشرط أن لا تبيعه، أو لا تتصرف فيه، لأنه هذه مجرد قيود لا تخالف مقتضى العقد.

هذه الروايات الأخيرة لم تصرح بصحة العقد ولو مع بطلان الشرط وهو محل الكلام، ولكن يمكن استظهار صحة العقد بالسكوت عن حكمه، السائل يسأل الإمام (ع) فكل الروايات، قال هذا الشرط باطل وسكت عن حكم العقد. نستطيع استظهار أن العقد صحيح، طبعا هذا الاستظهار ليس بقوة الاستظهار في الروايات الأولى، لكن لو كان العقد باطلا لوجب عليه أن يبيّن أنه باطل لأنه يسأل عن مسألة بأكملها هذا الإمام المسؤول، يجب عليه أن يبيّن ولكنه لم يبين.

إلى هنا نكون قد انتهينا من مسألة أن فساد الشرط لا يؤدي إلى فساد المشروط، العقد.

المسألة الثانية: في خصوص مقامنا وبحثنا وهو أن فساد الشرط لا يؤدي إلى فساد عقد النكاح.

لا شك ولا ريب في وجوب الوفاء بالشرط في كل العقود، هو أمر فطري حتى أن النص ورد عليه من القرآن الكريم " أوفوا بالعقود "، معاملات الناس على ذلك تكاد لا تحتاج إلى " أوفوا بالعقود " تكاد تكون إرشادية، ونحن فسرنا أن " أوفوا بالعقود " بلزوم الوفاء بالعقد وقلنا إنها لا تدل على اللزوم، أصالة اللزوم لا يستدل عليها بـ " أوفوا بالعقود " وإن استدل بها الكثيرون على أصالة اللزوم.

قلنا إن المراد أنه يجب الوفاء بالعقود بكل شرائطه وأجزائه وشراشيره، فإن كان لازما فلازم، وإن كان جائزا فجائز، هذا ما يقوله الشارع ليس أكثر من ذلك. وقلنا إن هذه المسألة أخذتها من العلامة (قده) هو أشار إلى ذلك، فـ " أوفوا بالعقود " أوفوا بالشرط حتى لو كان عقدا جائزا. مثلا: الهبة عندما أهب قد يكون هناك ضمن الهبة شرط فأقول لك حتى في ضمن العقد الجائز إذا كان هناك شرط فف به كعقد جائز. نعم قد تدل على أصالة الصحة في العقد، أما أصالة اللزوم فلا، وهذا على خلاف الآخرين.

وفي عقد الزواج يجب الوفاء بالشرط أيضا، في " أوفوا بالعقود " لأنه احد العقود، الزواج، وأيضا بالنصوص الخاصة في عقد الزواج سنذكر بعضها وهي كثيرة، إذا أردنا أن نستعرضها، عشرات الروايات وليس رواية واحدة، سنذكر بعضها بحيث تختلف من مورد إلى مورد، من باب تركيز المطلب.

ذكر في الوسائل بإسناده عن الصفار عن حسن بن موسى الخشاب عن غياث بن كلوب عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (ع) أن علي بن أبي طالب (ع) قال: ( من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فإن المسلمين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو احل حراما )[3] .

من جهة السند: الرواية موثقة.

من جهة الدلالة:لا أريد أن أتوسع في الدلالة لوضوحها، العقد صحيح" من شرط لامرأته شرطا فليف لها به ". أولا: هناك صحة العقد حتى مع فساد الشرط، " فليف " ، عبر عنها " لامرأته "، زوجته " إلا شرطا احل حراما أو حرم حلالا ". هذا الشرط فاسد، باطل لا يعني فساد المشروط أبدا.

ثانيا: إن في دلالة الرواية في مضمونها إشارة إلى شيء، وهو انه عبّر بكلمة " إن المسلمين عند شروطهم "، التعبير بجمع المسلمين يتضمن معنى، فهو اسند لزوم الوفاء إلى مجموع المسلمين، يعني طبيعة المجتمع الإسلامي. طبيعة الذهنية الإسلامية أن تفي بالشرط، من شرط لامرأته شرطا، نحن كمسلمين نلتزم بهذا الأمر الفطري الأخلاقي، الوجدان الذي لا يحتاج إلى دليل، هذه أخلاقياتنا، هذه ثقافتنا ذهنيتنا. فلاحظ عندما قلت ذهنيتنا بـ " نا " الجماعة، يعني المسلمين، عندما اسند هذا إلى المسلمين يريد أن يقول: أريد الإسلام مطبقا، ليس فقط الدين كما هو، بل مطبقا على أفراده.

" نحن المسلمين "

أولا: يقول إن الإسلام يوجب الوفاء بالشرط. ثانيا: وكأنه يعبر عن رغبة شديدة في أن يكون المسلمون كذلك. هناك تعبيرات بلاغية لمضامين اللفظ، يريدها الشارع وقد يكون لها اثر في الاستنباطات الفقهية.

فلنلاحظ مثلا: صيغة الأمر اللفظية قد تأتي بصيغة افعل أو بصيغة المضارع أو بالجملة الاسمية فما الفرق بينها؟

الفرق بينها أن الجملة الاسمية أمر ثابت عندما يأتي بالأمر الذي هو أمر تحقيقه مستقبلي بصيغة هي بمعنى الثبوت أو المضي، تكون آكد في الأمر، اشد في الأمر. كأن المولى من شدة رغبته في تحققه أتى بها بصيغة الماضي أو بصيغة الجملة الاسمية. كأنه أنا أملي فيك كبير، أمرتك بصيغة الخبر وليس بصيغة الطلب، الإتيان بصيغة الخبر يكشف عن رغبة عند المولى شديدة جدا في وقوعه، التعبير في الرواية بالمسلمين له جنبتان:

الجنبة الأولى: أن الإسلام كذلك لزوم الوفاء بالشرط.

الجنبة الثانية: الرغبة الشديدة عند الإمام (ع) أن يرى المسلمين بهذه الذهنية وهذا الخلق العالية.

ثم إن كان الشرط صحيحا وجب الوفاء به، وإن كان فاسدا فهو لا يستوجب فساد العقود فإن المرجع هو " أوفوا بالعقود " لكن هناك بخصوص عقد النكاح كما قلنا أخبار وإجماعات، ونقل إجماعات.

سننقل أولا الإجماع، ثم أخبار خاصة في العقود غير هذه الرواية.

أما الإجماع

فقد قال في الجواهر: (أن المعروف بين الأصحاب عدم فساد عقد النكاح بفساد الشرط فيه)[4] ،

وقال ايضا بعد ذكر شروط باطلة اشترطت في عقد الزواج: (بطل الشرط اتفاقا، كما في كشف اللثام وغيره في قوله (ص) " من اشترط شرطا سوى كتاب الله فلا يجوز له ولا عليه)[5]

– يقول صح العقد اتفاقا، نقل اتفاق لكونه ليس معاوضة - التعليل يختلف عن تعليل العقود الأخرى – العقود الأخرى معاوضة لكن النكاح هنا يصح، لان النكاح ليس معاوضة. وهذا كلام صاحب كشف اللثام، وهو ينقل الإجماع.

وأما الأخبار

الرواية الأولى: الحديث الأول ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن أبي نجران عن احمد بن محمد بن أبي نصر عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) ( في الرجل يتزوج المرأة إلى أجل مسمى، فان جاء بصداقها إلى اجل مسمى فهي امرأته، وإن لم يأتي بصداقها إلى الأجل فليس له عليها سبيل، وذلك شرطهم بينهم حين انكحوه، فقضى (ع) للرجل أن بيده بضع امرأته، وأحبط شرطهم )[6] .

هذا نص أولا: واضح أن الشرط فاسد. وثانيا: رغم فساد الشرط صح العقد " أن بيده بضع امرأته "، وذلك رغم فساد الشرط، فهذه الرواية صريحة في صحة عقد النكاح مع بطلان الشرط.

الرواية الثانية: ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن موسى بن بكر عن زرارة قال: ( سأل أبو جعفر (ع) عن المهارية ( الحرة التي لها مهر) يشترط عليها عند عقدة النكاح أن يأتيها متى شاء كل شهر وكل جمعة ومن النفقة كذا وكذا قال: ليس ذلك الشرط بشيء ومن تزوج امرأة فلها ما للمرأة من النفقة والقسمة )[7] .

السند معتبر، والمضمون أن الشرط كان أن يأتيها متى شاء كل شهر وكل جمعة يوما، يعني ليس هناك قسمة، أسقطت حقها في الوطء والمبيت، هذا معناه متى شاء. قال الإمام (ع) هذا حكم. " ومن النفقة كذا وكذا "، قال ليس ذلك الشرط بشيء ومن تزوج امرأة فلها ما للمرأة من النفقة والقسمة.

سنتعرض إن شاء الله، بان النفقة حكم أم حق، وسيأتي أنها حق وليس حكما، وسيأتي أيضا أن القسمة حق. وسنتعرض إلى الحقوق المالية للمرأة ما هي بأكملها: هي أربعة: المهر والنفقة والإرث والمتعة. وسنبين أن كلها أحكام عدا النفقة فهي حق.

 


[1] - الوسائل ج12 ص253.
[2] - الكافي ج5 ص258.
[3] - الوسائل ج15 ص50.
[4] - جواهر الكلام ج31 ص50.
[5] - جواهر الكلام ج31 ص95.
[6] - الكافي ج5 ص402.
[7] - الكافي ج5 ص403.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo