< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

33/02/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح/ الزواج المدني/ زواج المسار و الزواج العرفي

قبل إكمال مسألة المسيار والزواج العرفي نعود إلى مسألة خيار الفسخ في عقد النكاح عند تخلف الشرط أو عند فساده.

قلنا أن إطلاق الآية الكريمة " أوفوا بالعقود " التي تدل على وجوب الالتزام بالعقد والوفاء به كما هو، ومنه الالتزام بالعقد وما شرَّعه الناس، ما جعلوا له قوانين في العقود عند عدم الالتزام بالشرط، من ثبوت خيار الفسخ للمشروط له وها هنا أمران:

الأول: أن من المشرع عند الناس المعلوم هو خصوص الشرط المعلوم الملتفت إليه ولو إجمالا فيتم الالتزام بالعقد على أساس هذا الشرط، فإن لم يتم الالتزام بالشرط فالعرف العام يثبت خيار الفسخ للمشروط له سواء كان في عقد النكاح أو غيره، هذا في نظر العرف.

وأما مع عدم العلم بالشرط، أو عدم العلم بفساد الشرط، مثلا: بشرط أن لا تتزوج عليَّ. هي لا تعلم بفساد هذا الشرط، واشترطته عليه، فدعوى عدم ثبوت خيار الفسخ ليس ببعيدة، إذا لم يكن ملتفت هو للشرط لا يعلم به لا تفصلا ولا إجمالا، فدعوى عدم الثبوت ليست بعيدة، لعدم وقوع العقد على أساسه، ومع الشك بالعرف ولما كان العرف عبارة عن سيرة وهو دليل لبيُّ فنقتصر حينئذ فيه على القدر المتيقن وهو خصوص الشرط المعلوم وهو المشمول للآية " أوفوا بالعقود ".

الأمر الثاني: قد ينكر البعض ثبوت خيار الفسخ عرفا عند التخلف بل يُثبت للمشروط له رفع أمره إلى الحاكم الشرعي، المشروط له يقول: إن الطرف الآخر لم ينفذ الشرط، والحاكم الشرعي هو الذي يجبر الطرفين على الالتزام بما التزما به. هذا وجه.

ويرد عليه: أن هذه الدعوى غير ثابتة فاني لا أرى الأمر في العرف كذلك نعم يمكن القول: يحق للمشروط له أن يرفع أمره إلى الحاكم، ولما كان الطرف الآخر ملزم بتنفيذ الشرط تكليفا، ويحق للحاكم حينئذ إلزامه واخذ التدابير التي تؤدي إلى ذلك من باب الأمر بالمعروف.

إلى هنا نكون قد انتهينا من الزواج المدني وشروطه الفاسدة والصحيحة وما ينبغي الالتزام به وما لا ينبغي. وقبل العودة إلى زواج المسيار والزواج العرفي نشير إلى أخطاء وردت في الكتاب الذي أخذنا منه وفي الكثير من الكتب التي فرقت بين الزواج المدني والعرفي والمتعة، حيث قالوا: إن عقد المتعة ليس فيه عدّة ولا ولي، وهو أمر ضروري البطلان في مذهب الإمامية على تفصيل في العدة والولي ومن هو، إلى آخره.

نعود إلى الناحية الفقهية وهي أحكام الزواجين المسيار والعرفي على مذهبنا.

زواج المسيار

عرفوا المسيار أنه زواج مكتمل الأركان لكن تسقط فيه النفقة والسكنى والقسم.

فنقول: المسيار زواج صحيح لتمامية أركانه، فقد تم عقد الزواج، وأما جواز إسقاط النفقة والسكن والقسم، وأحكام هذا الإسقاط فسنبحثها إن شاء الله مفصلا عند بحث النفقات والقسم.

الزواج العرفي

أما الزواج العرفي فهو أيضا زواج صحيح بحسب التعريف الذي ذكروه، قالوا: إن الزواج العرفي باطل أو البعض أبطله، لاشتراط الشهادة والإعلان والولي.

فنقول: إن هذا الزواج صحيح لعدم اشتراط الإشهاد عندنا وإن كان مستحبا والشهود ليسوا شرطا في صحة العقد، وعدم اشتراط الإعلان أيضا وإقامة المأدبة تشير للاستحباب، وأما الولي فهو مثله مثل غيره من العقود الأخرى على التفصيل الذي يقال.

وأما ما ذكروه من انه لا يسجل في الدوائر المختصة. قلنا: مرارا إن الأدوات والأوراق والتسجيل في الدوائر هي مجرد وسائل إثبات لا دخل لها في أصل العقد ولا صحته ولا في مفهومه ولا استمراره ولا لزومه وأحكامه، نعم لها دخل في إثباته، هي مجرد وسائل إثبات.

المساكنة

في نهاية المطاف بعد أن بينا هذه الأنواع الزواج المدني والمسيار والعرفي لا باس بالتعريج سريعا على المساكنة التي أصبحت نوعا من العقود الاجتماعية في الغرب والتي بدأ حتى عندنا نوع من الابتلاء بها، عقدا اجتماعيا معترفا به قانونيا ورسميا وشعبيا. والمساكنة هي علاقة تبيح العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة ولها أحكام من قبيل الإرث والنفقات وغير ذلك.

نقول: العلاقات الجنسية عندهم على أربعة أنواع: الزواج المساكنة المصاحبة، الزنا. ولكل منها مفهوم يختلف عن الآخر، ولذلك عقد المساكنة يختلف عن الزواج فلا تشمله " لكل قوم نكاح " " ولكل قوم زواج يحتجزون به عن الزنا " ، فإطلاق هذه الرواية لا يشمل المساكنة.

لا شك ولا ريب في صحة الزواج عندهم او في الذي اعتبروه، وبطلان الزنا وحرمته، والمصاحبة أيضا باطلة باعتبار أنها ليست من العقود.

أما المساكنة فقد يقال: أنه بين امرأة ورجل له أحكامه اعترف به رسميا وشعبيا فهل يشمله " أوفوا بالعقود " وهو عقد هل تشمله الآية القرآنية فنقول: هذا ممكن الشمول لولا قوله تعالى: " والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم " هذه الآية بمفهوم الحصر، وهو أقوى المفاهيم تدل على حرمة العلاقة الجنسية خارج هذين الإطارين، الزواج وملك اليمين، يعني وإن كان هذا عقدا لكنها لا تبيح العلاقة بينهما، وإلا لامكن القول بصحة المساكنة.

إلى هنا نكون قد انتهينا من أحكام الصيغة ولواحقها، وإنما توسعنا في بحث الصيغة وأمور كثيرة قد تكون تبحث للمرة الأولى فقهيا، كالزواج المدني وغيره، إنما بحثناها لكونها أصبحت أمرا واقعا عالميا ومحل ابتلاء حتى بالنسبة للمسلمين اللذين يسجلون زواجا مدنيا خارج البلاد الإسلامية أو هنا في الداخل.

شمل البحث عدة قواعد عامة تشمل النكاح وغيره من العقود وذلك إنما بحثنا هذه القواعد بحيث نجعلها قاعدة عامة، أصلا نرجع إليه عند الشك في أي عقد، ثم إن هذه القواعد الكثيرة سواء كانت في الأصول أو الفقه أو الرجال ستوفر علينا كثيرا عند البحث في الأبواب الأخرى.

 

والحمد لله رب العالمين .

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo