< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

34/11/23

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: النظر واللمس
حكم النظر إلى المسلمة الأجنبية.
بعد تلخيص ما مرّ وذكرنا اننا بدأنا بالآيات تيمنا وإن كان من المفروض بحسب المنهجية أن نبدأ بالإجماع لأنه دليل قطعي أما الآيات وإن كانت قطعية السند ولكنها ظنية الدلالة تحتاج إلى أصالة الظهور فمرتبتها في القطع مرتبة ثانية بعد الإجماع وذلك بعد أن تتم حجية الإجماع.
نكمل الاستدلال بالآية: قلنا أن المراد من ﴿ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ﴾[1] هو قطع النفس عن كل ما افكر فيه من الإستمتاعات، هناك كناية عن الانصراف وخصوصا إذا لاحظنا مورد الآية في أن رجلا من الانصار رأى امرأة من أهل المدينة كانت تلبس الخمار عير متقنعة ودون ان تستر بعض محاسنها فتبعها، فدخلت في زقاق فدخل معها وإذا بوجهه قد جرح بعظم في الحائط، فيذهب إلى رسول الله ويخبره. وكأن المراد من الآية أن المرأة المسلمة الأجنبية اقطع واصرف نظرك عنها عن كل الأمور الاستمتاعية، وقنا ان مسألة البصر من قبيل ﴿ وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ ﴾ [2] والمراد ان تقطع نفسك عنهنّ وليس مجرد النظر.
الوجه الثاني قوله تعالى: ﴿ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا [3].
والاستدلال بها هو بالمفهوم اللازم عرفا، فإن المنطوق هو وجوب ستر الزينة – أي مواقعها كما سيأتي – الذي يلزم منه عدم جواز النظر إلى هذه المواقع.
الثالث: قوله تعالى: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [4]. الخمار هو ما يستتر به، وسمي المسكر خمرا لأنه يغيب عن الواقع فيستتر عنه. والجيب: معناه الفتحة.
فالآية بمنطوقها تأمر بستر فتحات البدن كالصدر والذراعين. وبمفهومها اللازم عرفا عدم جواز النظر إلى ما دون الفتحات أيضا.
وقوله تعالى: ﴿ ولا يبدين زينتهنَّ إلا لبعولتهنّ ﴾ [5] حيث يظهر منها حرمة إبداء الزينة الذي يلزمه عرفا حرمة النظر إليهنّ.
الدليل الثالث: آية القواعد من النساء ﴿ وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [6]. والاستدلال أيضا باللازم فإن الإذن للقواعد بوضع الثياب يظهر منه كونه استثناء من عدم الإذن للآخرين. ويؤيد ما ذكرناه من أن المراد من غضّ البصر هو قطع التفكير في الاستمتاعات وذلك بقوله تعالى: ﴿ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً ﴾ وهذا سينفعنا في بعض مسائل النظر والتخلص من بعض إشكالات مقدار النظر.
الدليل الرابع: من الآيات خطاب الله عز وجل للنبي (ص) ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [7].
بيان بعض الألفاظ في مقام الاستدلال:
" بناتك " أتي بها بصيغة الجمع رغم أن النبي الأكرم (ص) لم يولد له انثى سوى الزهراء (ع)، وذلك لشمول التعبير بالبنت لربيبتيه: رقيّة وأم كلثوم. وقد يقال أنه دليل على أنهنَّ بنات النبي (ص)، نقول: أن هذا التعبير كان متداولا أيضا في الربيبة [8]. وهو من باب التغليب كقولهم " القمرين " تعبيرا عن الشمس والقمر وكقوله تعالى ﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [9] فغلَّب غير العاقل على العاقل.
" الجلباب " عن مجمع البحرين لفخر الدين الطريحي: الجلابيب جمع جلباب، وهو الثوب الواسع أوسع من الخمار ودون الرداء تلويه المرأة على رأسها، وتبقي منه ما ترسله على صدرها. وقيل أن الجلباب هو الملحفة وكل ما يستتر به من كساء أو غيره.
﴿ يدنين ﴾يقول في مجمع البحرين: ومعنى ﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ﴾: أي يرخينها عليهنّ ويغطين بها وجوههنَّ وأعطافهنَّ أي أكتافهنّ.
﴿ ذلك أدنى ﴾ الظاهر أنها واردة مورد التعليل لستر الرأس.
﴿ فلا يؤذين ﴾ الظاهر أن الفاء فاء السببية، ويكون التأذّي معلولا للمعرفة، والحكم يدور مدار العلّة وجودا وعدما في التوسعة والتضييق، فالتأذي يكون معلولا للمعرفة، والمعرفة علّة لأصل الحكم.
﴿ يعرفن﴾ والكلام في معنى المعرفة: هل هو مطلق المعرفة؟! فما معنى التعليل بالتأذي؟! ولو كان كذلك لما وجب الحجاب في مجتمع يؤذي المحجبات كما في بعض المجتمعات الغربية حاليا.
- أو معناها أن تعرف الحرة من الأمة، فإذا كانت حرة لا تأذى بخلاف الأمة. لكن الآية تقول: ﴿ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ وإذا عرفت الأمة تأذى فلماذا خصص بالأزواج والبنات، لعلّ في الآية اسرار.
- أو معناه عدم معرفة محاسنها، لأن الرجل عدواني بطبعه، ينساق إلى رغباته وجموحه الجنسي فيتعدى عليها ويؤذيها إرضاء لرغباته. وهذا المعنى ممكن لا ظهور واضح له.
- أو أن نقول إن الآية خاصة بذلك الزمن أو بالزمن الذي تؤذى به المؤمنة، خصوصا إذا نظرنا أن أعداء الرسول الأكرم (ص) كانوا في ذلك الزمن كُثر، وكذلك أعداء المسلمين، والمسلمون يومئذ قلّة، فكان الله عز وجل يريد أن لا يعرف أحد نساء الرسول (ص) ولا بناته ولا نساء المؤمنين، ولذلك فصّل فذكر الأزواج والبنات ونساء المؤمنين. ويؤيده ما ذكره الطريحي من أن الإدناء هو إرخاء الجلباب بحيث يغطِّي الوجه، ومعلوم أن أكثر ما يعرف به الإنسان هو وجهه، فالمراد من " يعرفن " هو المعرفة الشخصية كي لا يعتدى عليها، لا معرفة محاسنها، خصوصا إذا ضممنا إلى الآية عدم وجوب ستر الوجه. ويؤيده أنه عبر بالمؤمنين وليس بالمسلمين، وذلك لأن المنظور إليهم من قبل أعداء الله هم المؤمنون حقا وقد فرَّق القرآن الكريم بين المسلم والمؤمن:
- ﴿ قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ﴾ [10].
ويؤيد هذا الاحتمال سياق الآيات فإنها في مقام التنديد بمن يؤذون رسول الله (ص)، ففي الآيتين السابقتين ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً ﴾ [11].
ومع كثرة الإحتمالات يبطل الظهور، فلا تكون الآية حجة ودليلا على الحجاب في كل العصور. ولا نستطيع أن نستدل بها على عدم جواز النظر، نعم يمكن أن نستدل بآيات اخر، ومع عدم الظهور نقتصر على القدر المتيقن ومعه ينتفي العموم لكل المسلمات في كل المسلمات في كل العصور.



[8] مداخلة: كما في تعبير آية المباهلة " نساءنا " وأتى النبي (ص) بفاطمة (ع) ليبيِّن أفضلية فاطمة (ع) على كل نساء المسلمين، وأحب أن يكون هناك اهتمام خاص بذكرى المباهلة لان موقعها التاريخي والعقائدي مهم باعتبار انه نص من القرآن الكريم على أفضلية علي (ع) والحسن (ع) والحسين (ع) والزهراء (ع).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo