< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/01/24

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: حكم النظر إلى المسلمة الأجنبية المتدينة.
ذكرنا انا كنا في مقام الاستدلال على اصل وهو: كل امرأة اجنبية يحرم النظر اليها الا ما خرج بدليل. فلو شككنا في جواز النظر إلى امرأة ما فالأصل الحرمة. هل يمكن استنباط هكذا أصل؟
بدأنا بالأدلة وقلنا ان الاجماع والتسالم والضرورة والسيرة، هذه جميعا ادلة لبِّية لا لسان لها فلا اطلاق فيها، وعلى ذلك نقتصر فيها على القدر المتيقن.
الدليل الثاني الآيات واكثرها وضوحا في العموم هي آية الغض من البصر، وقلنا ان الاستدلال بها هو بأن حذف المتعلق يفيد العموم، أي عموم الافعال التي من شأن العين التلبس بها وكذلك عموم الأفراد، وهنا حذف متعلق البصر والنظر يفيد العموم، فالنتيجة ان غض البصر عن كل امرأة.
قلنا في مقام التأمل بالآية انها تحتاج إلى ظهور في العموم، والذي يؤدي إلى الاطلاق وظهور في العموم هي مقدمات الحكمة التي لخصناها بثلاث كلمات: المولى في مقام البيان وامكن ان يبين ولم يبين. يجب ان نحرز انه في مقام البيان وليس في مقام اهمال، وذكرنا مثاله في الدرس السابق، وهنا في مقام الاستدلال بآية الغض نحتاج إلى ان نحرز ان يكون الشارع في مقام بيان حرمة النظر وعدم حرمته.
ونقول ان هذه الجهة هي غير محرزة، فإذا قرأنا الآيات نرى:
1-الآية وردت في شاب من الأنصار جاء يشكو نساء الأنصار إلى رسول الله قائلا: « والله لآتين رسول الله (ص) لأخبرنَّه »[1] والمفروض أن تبدأ الآية بنهي النساء لأن الشكوى كانت عليهنَّ، بينما بدأت الآية بنهي الرجال عن النظر الذي هو اوّل خطوات الوصول إلى المرأة. فكانت الغاية من النهي عن النظر هي عدم الوصول إلى المرأة الحرام، فيكون وزانها حينئذ وزان قوله تعالى: ﴿ وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا ﴾ [2].
ويؤيد هذا الوجه أمران:
الاول: الامر بحفظ الفرج الوارد بعد الأمر بغض البصر، وكأنه إرشاد إلى أن الغاية الحفظ من الزنى.
الثاني: نهي النساء أيضا عن النظر، لأن النظر هو أوّل خطوة باتجاه الرجل المحرّم، فيكون مجموع الآية أن أيها الناس من ذكر وانثى لا تفعلوا ما يوصلكم إلى الحرام. فيكون النهي عن النظر والأمر بغض البصر أمر إرشادي إلى ما سيؤول أمركم إليه لو قمتم بهذه الخطوة الأولى وهي النظر وملء العين من الشهوة الحرام، ولا يكون الأمر حينئذ مولويا، ونحن نعلم أن الأمر الارشادي لا يقتضي تكليفيا، فلا يقتضي تحريما وزجرا وعقابا على الترك ولا يقتضي ثوابا وبعثا إلى الفعل. وعليه لا تكون الآية دالة على وجوب غضّ البصر وحرمة النظر.
2-ورود روايات تقول: إن الآية وردت في خصوص الفروج. وهذا يعني وجوب حفظ الفرج من النظر، ولو جعلناه حكما تكليفيا للزم خروج المورد عن الوارد، فإن مورد هذه الآية هي أن الشاب الأنصاري قد نظر إلى المرأة من خلفها وحول اذنيها لا غير ذلك. ونحن نعلم أن المورد وإن كان لا يخصص الوارد، إلا أنه لا يخرج عنه، فلا بد حينئذ من استظهار أن الآية في مقام الأمر الارشادي بغضّ البصر لأنه مقدمة للزنى المحرّم.
3-قوله تعالى في آخر الآية: ﴿ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾ [3] الظاهرة في الأمر بعدم فعل ما يثير الرجل ويشدّه إلى المرأة المحرّمة عليه، بقرينة ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)﴾[4].
هذه الأمور تؤيد عدم كون الآية في مقام إطلاق حرمة النظر، ويكفي عدم الظهور في الإطلاق لنفي أصالة الإطلاق. فإن أصالة الإطلاق أصل عقلائي يحتاج إلى مقدمات الحكمة ومنها أن يكون المتكلم في مقام بيان جهة الإطلاق.
إذا تكون النتيجة: انه إذا احرزنا ان هذه الآية في مقام بيان حكم النظر وعدمه كالحرمة أو الجواز أدت إلى العموم وهو: يحرم النظر إلى كل امرأة الا ما خرج بدليل. وإذا قلنا انها ليس في مقام بيان مسألة النظر ايضا لا تدل على التحريم. وإذا شككنا انها في مقام البيان ام لا، هنا نرجع للأصل، فهل الاصل في الشارع ان يكون في مقام البيان، أو الاصل أن يكون في مقام الاهمال والبيان يحتاج إلى قرائن أخرى، فكلام الشارع كان لبيان اصل المسألة بغض النظر عن التفاصيل؟. المهم ان ننظر إلى لسان الدليل ماذا يفهم السامع من المولى، إذا فهمنا كل التفاصيل حينئذ يجب أن يكون في مقام البيان، بخلاف ما إذا كان في بيان اصل المسألة من الحرمة والحليّة.



BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo