< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/02/01

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: حكم النظر إلى المسلمة الأجنبية المتدينة.
نكمل الكلام في الروايات التي استدلوا بها على الحرمة.
الرواية الثالثة: وعنهم ( أي محمد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا [1])عن أحمد بن محمد البرقي، عن رجل، عن محمد بن المثنى، عن أبيه، عن عثمان بن يزيد، عن جابر، عن أبي جعفر (ع) قال: " لعن رسول الله (ص) رجلا ينظر إلى فرج امرأة لا تحل له، ورجلا خان أخاه في امرأته، ورجلا يحتاج الناس إلى نفعه فيسألهم الرشوة " وعنهم عن بن أبي عبد الله، عن بعض العراقيين، عن محمد بن المثنى مثله. [2]
من حيث السند: الرواية ضعيفة. وذكرنا أن هناك فرق بين ان يقول عن " رجل " الواضحة في مجهولية المروي عنه، وبين " عن بعض اصحابنا " وهناك فرق بين " كتبت إلى رجل ان يسأل لي الامام (ع)" كما في بعض الأسناد أن محمد بن اسماعيل بن بزيع كتب إلى رجل أن يسأل الامام (ع) ولا أظن أن رجلا من امثال محمد بن اسماعيل ابن بزيع بهذه الجلالة والفضل والصحبة ان يرسل إلى شخص عادي، فيكون هذا توثيقا من ابن بزيع للشخص الرسول. هذا في السند الاول، وفي السند الثاني ذكر انه نقل عن بعض العراقيين.
ومن حيث الدلالة: فان موضوعها هو النظر إلى الفرج. ومن جهة اللعن فهو غالبا، وانما قلنا غالبا لأن اللعن قد يكون على المكروه مثلا: لعن الله النائم وحده. وغالبا ما يكون اللعن ظاهرا في التحريم، ثم إن فيها أمرا تربويا يهمني أن اسلط الضوء عليه، وهو مسألة ابتزاز الناس حيث جعله الرسول (ص) بمنزلة الزنى وخيانة الأخ. فلنلاحظ هذا القرن وانه من الكبائر الكبيرة، وللأسف في مجتمعاتنا انتشر هذا الابتزاز، مع ان المسلم إذا طلبت منه ان تخرج زوجته سافرة لا يفعل وهو أمر محرَّم وجزاه الله خيرا على منعه للمنك، لكن التعدي على النظام العام وحقوق الناس اصبح متعارفا، ان رسول الله (ص) كان يهتم ببناء الوضع الداخلي عند المسلمين كما هو يهتم بالأمور الخارجية كالصراع مع اعداء الاسلام، كان همه ان يكون هناك نسيج اجتماعي متماسك، فمن حقي عليك ان تنفعني فإذا بك تطلب مني رشوة بل ابتزاز، منع هذه الامور له اهمية في نظر رسول الله (ص) والاسلام، فالإسلام ليس مجرد مظهر. واحب ان انبه ان كل طالب وخصوصا طالب العلم والعلماء والفضلاء الذين تضع الملائكة اجنحتها لهم رضا بما يصنعون، كل واحد منا يجب ان يعتبر نفسه كالنبي فهو رسول، العلماء ورثة الانبياء وتلبس بعض الانبياء بالسلطة كسليمان وداوود (ع) ليس الا مجرد وسيلة لإنشاء المجتمع الصالح واكثرهم لم تكن لديه السلطة بل كان مستضعفا، فعلى طالب العلم ان يراعي كل آداب الرسل والانبياء كأنك صاحب الرسالة وتريد ان توصلها لأهلها، فانت مسؤول حتى في الحركة والتصرف، ليست الرسالة في حفظ الاحكام فقط، بل هي في احداث الأثر الحسن الجميل.
الرواية الرابعة: «محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن سعد الإسكاف، عن أبي جعفر عليه السلام قال: استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة وكان النساء يتقنعن خلف آذانهن، فنظر إليها وهي مقبلة، فلما جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سماه ببني فلان فجعل ينظر خلفها واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشق وجهه، فلما مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على ثوبه وصدره، فقال: والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وآله ولأخبرنه فأتاه. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ما هذا: فأخبره فهبط جبرئيل عليه السلام بهذه الآية: ﴿قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهن ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم ان الله خبير بما يصنعون﴾[3]».[4]
من حيث السند: معتبرة.
ومن حيث الدلالة: قد بينا دلالتها بما لا مزيد عليه.
الرواية الخامسة:«محمد بن علي بن الحسين (الصدوق) بإسناده عن هشام بن سالم، عن عقبة قال: قال أبو عبد الله (ع): النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، من تركها لله عز وجل لا لغيره أعقبه الله [5] أمنا وإيمانا يجد طعمه.» [6]
من حيث السند: فهي معتبرة.
ومن حيث الدلالة: فهي كالأولى لا دلالة فيها على الحرمة المولوية، بل هي إرشادية إلى كون النظر هو السهم الأول والخطوة الأولى نحو المعصية، كما أن في الرواية وعظا وتربية والفاتا إلى لذة الطاعة التي هي من اللذات الروحية التي لا تقل اثرا عن لذائذ الدنيا، والتي تورث الطمأنينة في النفس.
الرواية السادسة: «وبإسناده (أي محمد بن علي بن الحسين) عن ابن ابي عمير عن الكاهلي قال: قال أبو عبد الله (ع): النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة. ورواه البرقي في المحاسن عن يحيى بن المغيرة، عن زافر رفعه قال: قال عيسى (ع) وذكر الحديث ونحوه». [7]
من حيث السند: معتبر في الاول.
ومن حيث الدلالة: فظاهرة في كونها إرشادا إلى تأثير النظرة في زرع الشهوة وتأجيجها التي تؤدي إلى فتنة.
الرواية السابعة: «وبإسناده (محمد بن علي بن الحسين) عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه (ع) قال: لا بأس أن ینظر الرجل إلى شعر أمّه أو أخته أو بنته.»[8]
من حيث السند: الرواية موثقة [9].
من حيث الدلالة: دلالتها على حرمة النظر باللازم العرفي، قد يقال انها لا تدل على حرمة النظر إلا بمفهوم اللقب، ومفهوم اللقب ليس حجة، الا ان يكون هناك ظهور في المفهوم، فإن رفع البأس عن النظر إلى الشعر يعني أن الحرمة كانت عامة لكل شعور النساء ثم استثنى. لو كان هناك استثناء صريح لكان من اقوى المفاهيم وكذلك مفهوم الحصر سواء كان اضافيا أو حقيقيا. وبعبارة أخرى: إذا قصرنا النظر على الرواية فانها لا تدل على حرمة النظر إلى جميع النساء عدا الأم والاخت والبنت، أن استلزام التحريم هو في باب مفهوم اللقب الذي لا نقول به. نعم بملاحظة ادلة التحريم الأخرى يمكن أن نستظهر اللازم الذي ذكرناه.
الرواية الثامنة: «قال (محمد بن علي بن الحسين): وقال رسول الله (ع) أول نظرة لك والثانية عليك ولا لك والثالثة فيها الهلاك.» [10]
من حيث السند: هذه رواية مرفوعة. للصدوق (ره) تعبيرين: تارة يقول: روي عن رسول الله (ص) واخرى يقول: قال رسول الله (ص). هل هناك فرق بين التعبيرين؟، وهل هو قاصد لهذا الفرق؟ ففي قوله قال: رسول الله (ص) فانه يرفعها إلى رسول الله (ص) وكانه يتحمل المسؤولية أو نقول انها تعبير عن اعتباره هو لها فتكون كالمرسلة. نقول ان نفس الشيخ الصدوق إذا وثق شخصا يكون احد الموثقين، وعندما يأخذ برواية، تكون هذه الرواية هو يعمل بها. لذلك نقول ان مرفوعات الشيخ الصدوق (ره) حجة في حقه أما عند الآخرين فتحتاج إلى بحث، لكن الاشكال في كونها تختلف عن ما لو قال: " رويت "، فإذا جعلنا مع هذه الرواية مقويا سنديا آخر ومؤيدا تصبح هذه الرواية معتبرة.
ومن حيث الدلالة: إذا قلنا ان النظرة الثانية عليك محرمة شرعا فما الفرق بينها وبين الهلاك فكلاهما معصية، فهل الثانية معصيتها أقل من الثالثة؟ ولذا لو تأملنا نجد أن الرواية ظاهرة في الارشاد فكثرة تكرار النظر يؤدي إلى زرع الشهوة والفتنة الذي يؤدي إلى المعصية بقرينة انه «قال (ص): الثانية عليك ولا لك.» كانه يتدرج بأن الاولى لك والثانية عليك ولا لك وفي الثالثة إذا استمريت ففيها الهلاك، أي انها ليس لمصلحتك، والظاهر ان هذه الروايات وزان روايات «النظرة بعد النظرة » وهي ارشاد وليست دليلا على الحرمة المولوية.
غدا ان شاء الله نكمل الروايات.









[1] رحم الله الحر العاملي كان يصدر الرواية باسم صاحب الكتاب ثم يذكر السند. .
[5] هنا المقصود من " اعقبه الله " المشيئة لا الارادة. في المشيئة هناك قانون طبيعي الذي يسير فيه يصل إلى الإيمان ومن قبيل " يؤتي الملك من يشاء " هناك قانون تصل به إلى السلطة، وهذا بخلاف الارادة التي هي مسألة فعلية.
[9] روايات السكوني عملت بها الطائفة رغم انه من ابناء العامة فهو ثقة، والسيد الخوئي (ره) كان من أهل الاحتياط الشديد في الرجال فلم يعمل به. لكن من النصوص والروايات والتوثيقات تشير إلى ان الجو العام هو التوثيق وليس التضعيف والسكوني عملت الطائفة برواياته، وحتى النوفلي انا اعمل برواياته لان الطائفة إذا عملت بروايات السكوني ومعظم روايات السكوني رواها النوفلي فهذا يعني العمل بروايات النوفلي، هؤلاء اجلاء وأعتقد أنهم يملكون الايمان الداخلي ولكنهم يتقون.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo