< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/04/24

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: النظر إلى الاجنبية

الباب الثالث: في المواقع التي يجوز النظر إليها والتي لا يجوز: الوجه والكفين.
بعد التذكير بما مرّ والبحث في الرواية من ناحية السند، نكمل البحث من ناحية الدلالة.
الرواية الثانية: الوسائل: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد، عن القاسم بن عروة، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، عن أبي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل: إلا ما ظهر منها؟ قال: الزينة الظاهرة: الكحل والخاتم. [1]
في مقام السند قلنا ان هذا الحديث معتبر لاعتبارنا القاسم بن عروة.
وأما من جهة الدلالة: فقد أشكل على الحديث بأمرين:
الأول: إن جواز النظر إلى الكحل والخاتم ولو إلى موضعهما، هو أعم من النظر إلى الوجه والكفين. فهذا لا يعنى جواز النظر إلى الوجه والكفين.
نقول: هذا صحيح، بل إن ظاهر الكحل والخاتم هو الاقتصار عليهما، ولا دلالة فيه على جواز إبداء الوجه ولا الكفين، بل لا دلالة فيه – بما هو وبغض النظر عن الروايات الأخرى – على جواز النظر إلى موضعهما.
الثاني: إن الحديث في مقام بيان ما يجوز للمرأة إظهاره، وهو أعم من جواز النظر. وقد بيّنا الجواب في الرواية السابقة من حيث التلازم عرفا بين جواز الإبداء وجواز النظر.
وملخصا نقول: أن الابداء هو تعمد الاظهار بلحاظ الناظر، وهو يختلف عن الكشف الذي هو من دون لحاظ الناظر. فإذا التفتنا إلى هذه النكتة نرى ان هناك تلازما عرفيا بين جواز الابداء وجواز النظر. مع ان الابداء وجواز النظر يختلفان مفهوما، ولا تنافر ولا تلازم بينهما لا عقلا ولا شرعا، ولا مانع من أن يكونا محكومين بحكمين مختلفين. كما ذكرنا.
الرواية الثالثة: الوسائل: وعن الحسين بن محمد عن أحمد بن إسحاق عن سعد بن مسلم – الظاهر سعدان بن مسلم - عن ابي بصير، قال: سألته عن قول الله عز وجل: " ولا يبدين زينتهن " إلا ما ظهر منها: قال: الخاتم والمسكة وهي القُلب (وهي السوار). [2]
من ناحية السند: نفس الإيرادين ونفس الجوابين ويزيد عليهم أنه مختص باليد، فلا يشمل الوجه. كذلك هناك اشكال آخر فانه - لو قيل بأن المراد من الزينة موضعها - يدل على جواز النظر إلى مكان السوار لو اريد من الخاتم والمسكة مكانهما، لوجود الاجماع على تحريم النظر إلى مكان السوار [3].
وتأتي هنا أيضا فائدة أصولية. في الرواية الثانية فسر الآية بالخاتم والمسكة. وهي تحصر الزينة الظاهرة بالخاتم والمسكة، أما في الرواية الأولى فقد ذكر الخاتم والكحل. اليس هناك تعارض بين الروايتين؟ ليس هناك للحصر الإضافي مفهوم؟ إذن هما متعارضان مفهوما. قد يقال ان الوصف واللقب لا مفهوم لهما إلا مع قرينة. هنا يقال: ان هناك قرينة وهي قرينة التحديد بالسؤال عن ما هي؟ فالتعريف والتحديد قرينة على المفهوم. فهاتان الروايتان بقرينة التحديد تدل على المفهوم وهما متعارضتان، الرواية الأولى ذكرت الخاتم والكحل ولم تذكر السوار، أي نفت عنوان الزينة الظاهرة ما عدا الخاتم والكحل، والرواية الثانية نفت العنوان عن كل ما عدا الخاتم والسوار. إذن الرواية الأولى تقول بعدم جواز النظر إلى السوار والرواية الثانية تقول بجواز النظر إلى السوار. فصار مفهوم احداهما متعارض مع منطوق الأخرى. هنا مع وجود التعارض ذكر في الأصول أنه لا بد من الجمع إما على نحو " الواو " أو على نحو " أو " ويجمع بينهما إما برفع اليد عن المنطوق وإما عن المفهوم. ولا شك بان المنطوق اقوى ظهورا فنرفع اليد عن المفهوم، فيصبح منطوق الأولى هو المقدم أي الخاتم والكحل زينة، ومنطوق الثانية الخاتم والمسكة. فتكون الزينة هي الخاتم والحكل والسوار.
الرواية الرابعة: الوسائل: عبد الله بن جعفر في قرب الإسناد، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد قال: سمعت جعفرا وسئل عما تظهر المرأة من زينتها؟ قال: الوجه والكفين. [4]
من ناحية السند: الرواية معتبرة والظاهر أن مسعدة بن زياد هو مسعدة بن صدقة.
وفيها: الإيرادان المذكوران على الرواية الأولى من كون جواز الإبداء أعم من جواز النظر، ولا تلازم بينهما، ومن كونها عقدا إيجابيا.
والجواب الجواب من التلازم العرفي بين الحكمين والقضيتين. وهذه الرواية أوضح من ناحية النص على الوجه والكفين.
الرواية الخامسة: الوسائل: محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد بن عيسى، عن مروك (ثقة) بن عبيد، عن بعض اصحابنا، عن ابي عبد الله (ع) قال: قلت له: ما يحلّ للرجل ان يرى من المرأة إذا لم يكن محرما؟ قال: الوجه والكفان والقدمان. ورواه الصدوق في الخصال عن محمد بن الحسن، عن الصفار، عن أحمد بن محمد مثله. [5]
من حيث الدلالة الرواية واضحة في جواز النظر وليس الإبداء، فما ورد من الإشكالات غير وارد هنا، وهي واضحة الدلالة في جواز النظر إلى الوجه والكفين والقدمين.
إلا أن الكلام في السند، وقد اعتبر الحديث من المرسل باعتبار أن مروك بن عبيد وهو من الثقات الثقات روى عن " بعض اصحابنا " فالمروي عنه مجهول إلا أننا ذكرنا أكثر من مرّة أن الرواية يمكن اعتبارها من الحسن لا من المرسل باعتبار توصيف المروي عنه بأنه من أصحابنا، وهو صفة مدح، فيخرج عن الارسال وإن لم يعيّن [6]. إلا أن يقال: عن لفظ " صاحب " لا يعني ثوثيقا، إذ كم من الأصحاب ورد فيهم ذمّ وقدح، فيحتمل ان يكون من هؤلاء، ولا يوجد عندنا أصالة معتبرة تنفي القدح والذمّ، أي اصالة عدم ورود قدح وذم، فإنها ترجع إلى اصالة عدالة الأصحاب وهي غير ثابتة.
ونكمل غدا إن شاء الله.



[3] أتمنى منكم في هكذا روايات ان نترك كل الخلفيات ولا نحاول ان نفرض على الدليل أي خلفية. فهذه الرواية تدل على جواز النظر إلى نفس الزينة الملبوسة فقط. .
[4] المصدر السابق ح 5. .
[6] فائدة: هناك مدرستان في الحديث: مدرسة تهتم بالكتب وهي مدرسة الاخباريين بشكل عام بان هذه الكتب صحيحة. ومدرسة ثانية تلاحظ الاسناد تنظر إلى الأشخاص. فإذا روى عن " بعض اصحابنا " يصبح الحديث مرسلا باعتبار انه صار مجهولا ويصبح ضعيفا مهما كان الكتاب المأخوذ منه الحديث. ولكن قلنا إن كلمة " بعض اصحابنا " تختلف عن القول عن " رجل " لان رجل مجهول كليا، بخلاف القول عن " بعض اصحابنا " لأن فيها توصيف مدحي بانه من " الاصحاب " وهذا أيضا يختلف عن تعبير " عدة من اصحابنا " الذين هم من المعروفين الكبار الثقات. فهل يمكن مع تعبير " بعض اصحابنا " ان نخرج الحديث من المرسل إلى الحسن؟
العلامة (ره) في تقسيمه للحديث قال: الحديث: صحيح وحسن والموثق والضعيف. الصحيح ما كان من الامامي الثقة أي نقل العدل عن العدل. الحسن: وهو الامامي الممدوح دون ان يكون موثقا. الموثق: من ثقة عن ثقة من دون ان يكون إماميا مستقيم العقيدة. والضعيف: المرسل والمقطوع والمجهول وغيرها. .
هل يمكن " بعض اصحابنا " ان تنقل الحديث من الضعيف إلى الحسن؟ هناك اشكالان: الأول: ان " بعض اصحابنا " قد يكون عاميا ممدوحا أو واقفيا أو فطحيا. ثانيا: قد يكون هناك ذمّ لو عرفناه. فحينئذ ترجع المسألة للقاعدة العامة في الاصحاب.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo