< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/01/21

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: ثبوت النسب، الشهرة الفتوائية، الاستنساخ

نعود لتوضيح الشهرة الفتوائية في مسألة حرمة أو حليّته الاستنساخ، وقلنا: انه في التحريم ما يقال في طفل الانبوب يقال هنا.

ومما يمكن الاستدلال به على التحريم هو الشهرة الفتوائية، وشهرة المتأخرين والمعاصرين أن الاستنساخ محرّم، لأنها مسألة حديثة فليست المسألة مشهورة عند المتقدّمين، والكلام في مدى حجية هذه الشهرة، وهل تشمل المشهور بين المتأخرين؟

ذكرنا أن هذه الشهرة تتبع في حجيتها دليلها، سعة وضيقا. ومما يمكن الاستدلال به على حجية الشهرة الفتوائية اربعة أدلّة:

الدليل الاول: ان الفقهاء الاتقياء القدماء، القريبين لعصر النص، لا يمكن أن يفتوا جزافا. وملخص الكلام انه من باب الثقة العالية جدا بهم نقول أن هذه الفتوى لا بد وأن تكون قد استندت إلى دليل خفي علينا.

وهذا يجاب عليه بأمرين: اولا: من قال انهم إذا افتوا بدليل نحن نفتي فيه لو اطلعنا عليه، إذ قد يكون حجة عندهم، لا عندنا، كما لو استدل برواية مرسلة، وكما استدل صاحب المسالك بروايات لإبناء العامّة ونحن لا نعمل بها وليست عندنا حجّة.

ثانيا: من قال أنهم استندوا إلى دليل واحد وخفي علينا؟ قد يكون هناك شهرة فتوائية لكن كلاً من الفقهاء بفتي بدليل يختلف عن الآخر ولكن بنفس النتيجة، وكمثال على ذلك مسألة طفل الانبوب التي كنا ندرسها عندما قالوا أن الأم هي الحامل، فكان لكل مجتهد دليله الخاص، منهم من قال أن الدليل هو الآية القرآنية كالسيد الخوئي (ره)، ومنهم من قال ان الدليل الصدق العرفي " الوالدة " لا يقال لها والدة إلا مع الانجاب والحمل. هكذا فمسألة الاخذ بالشهرة لأنه لا بد انهم استندوا إلى دليل واحد خفي علينا أين مدركها؟ أين أصل هذه الكبرى الكليّة؟!

ويمكن ان يترجم هذا الدليل الاول ببيان آخر: هو ان هؤلاء المعاصرين القريبين من عصر المعصوم كانوا في جوّ فقهي، وعادة لا ينقلب الجو العام الفقهي من وضع إلى آخر إلا بعناء كبير، بمعجزة ان صحّ التعبير، وهذا اقوى ما يمكن أن يستدل به بان الجو العام الفقهي في زمن قريب من المعصوم يدل على الجو العام الفقهي في زمن المعصوم.

لكنه ليس دليلا لأننا رأينا في تاريخ الفقه كثيرا من الأمور كان الجو العام حلّيتها واصبح الحرمة أو بالعكس، وذلك نتيجة فتوى احد الكبار من المجتهدين، مثلا: قبل العلامة الحلي (ره) كان المشهور نزح البئر وجوبا عند وقوع النجاسة فيه، وما بعد العلامة اشتهر الاستحباب، للشخصية الاثر الكبير في قلب الجو العام الفقهي. وما كان قبل الطوسي (ره) غير ما بعد الطوسي.

وهذا الدليل الأول يلزمه ان الشهرة الفتوائية خصوص المعاصرة والقرب لعصر الائمة (ع).

الدليل الثاني على الشهرة: الروايات التي وردت " خذ ما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر"[1] " فان المشهور لا ريب فيه "، هنا الفاء السببية تبيّن علاقة السبب بالمسبب، بعني ان ما قبلها سبب لما بعدها أو العكس. " فان المشهور لا ريب فيه " الفاء سببية بيان للعلّة. وما درسناه من أن العلّة عامّة وتفيد عموم العلّة أي كلّما وجدت العلّة وجد المعلول، " فان المشهور لا ريب فيه " تعليل وبيان لأنّ المشهور لا ريب فيه خذ به، فصار " كل مشهور لا ريب فيه ".

بناء على ان حجية الشهرة الفتوائية هي هذا النمط من الروايات ينتج: " أن كل مشهور اينما كان هذا المشهور معاصرا أو قريبا أو بعيدا من عصر الائمة (ع).

لكن قلنا ان هذه الروايات خاصّة بتعارض الروايتين، وان المشهور لا ريب فيه هذا تعليل اضافي إذا تعارضت الروايات، وإلا من اين اتي هذا المشهور الذي لا ريب فيه؟ بل العكس تماما رب مشهور لا أصل له، وفي قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [2] ، ثم إن الريب موجود واقعا في المشهورات، فلا بد من كون التعليل هنا بالإضافة إلى خصوص الروايتين وعند التعارض.

الدليل الثالث على حجية الشهرة: ان خبر الواحد حجّة من باب الظن والشهرة تفيد ظنا أقوى من الخبر، فصارت الشهرة حجة من باب الاولويّة، واخذ بهذا الدليل الكثير من الاصوليين.

وهذا الدليل مبني على ان خبر الواحد حجة من باب الظن، وهذا مزل اقدام الاصوليين في مسألة حجية خبر الواحد. فخبر الواحد ليس حجة من باب الظن، فلو كان كذلك لأصبح كل ظن حجّة. بل ان خبر الواحد حجّة من باب ان سيرة العقلاء على ذلك. وتوضيحا لذلك ملخصا: العقلاء عندهم حاجات ويريدون تأديتها ومن جملتها تبادل المعلومات، ولا طريق عندهم ايسر واسهل واقرب للواقع من حجيّة الخبر- خبر الثقة - فجعلوه دليلا ومعتبرا. ليست مسألة ظن ولا غيرها، فأمضى الشارع هذه السيرة، نعم غالبا يلازمه الظن، لكن هذا التلازم ليس بالضرورة، لذلك كانت مسألة في الأصول هل الخبر حجة مع الظن بالخلاف؟

إذن الخبر ليس حجة لانه ادى إلى ظن، وان كان غالبا كذلك، وسميّ طنا معتبرا تسمية للسب باسم المسبب، بل الخبر حجة بدليل وهذا بناء العقلاء وسيرته، والشارع امضى ما عند العقلاء بالأخذ به، ولذلك قلنا انه سيأتي وقت ستكون الاخبار قطعيّة نراها مباشرة ولسنا بحاجة لخبر الواحد. وانا اعتقد انه في ذلك الزمان لن يكون خبر الواحد حجّة لأنه هذه الحاجة ستنتفي عند العقلاء.

وانما كان امضاء الشارع للخبر لسد حاجة عقلائية عن الناس، ضمن خطين: اولا: الأيسريّة. ثانيا: الاقربيّة للواقع. وكلاهما وجدهما العقلاء لتبادل المعلومات في خبر الواحد، لذلك امضوه واعتبروه.

هذا الدليل - الاولوية - فيه اشكالان: الاول اشكالا كبرويا وانه ليس من باب الظن. والثاني اشكالا صغرويا وهو: من يقول بأن الشهرة تؤدي إلى وثاقة أو ظن أقوى من خبر الثقة.

الدليل الرابع على حجية الشهرة الآية القرآنية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [3] . الظاهر من ﴿ تصيبوا قوما بجهالة ﴾ انها واردة في مقام التعليل، ومعنى ﴿ الجهالة ﴾ السفاهة وليس المراد الجهل، اي انتم ستحمَّلوا الناس المسؤولية سفاهة وليس رشدا. الجهالة مقابل الرشد. وهذا التعبير موجود عند العرب كثيرا.

وهذا الدليل مبني على أن قوله تعالى : ﴿ ان تصيبوا قوما بجهالة ﴾ وارد مورد التعليل، فصار علّة، فكلما ثبتت العلّة ثبت المعلول. فكلما كان هناك جهالة كانت هناك منهيا عن الأخذ به، وكلما لم تكن جهالة كان معتبرا.

فقالوا أن العمل بالمشهور لا يعد عرفا سفاهة وجهالة، بل هو أمر عقلائي، أي ان المشهور عند الناس اعمل به، والشارع المقدس قد اعتبر ما ليس سفاهة، فتكون النتيجة ان الشهرة معتبرة.

والجواب: اولا من قال ان ليس كل ما ليس سفاهة صار حجة، نعم هو ليس امرا معيبا على الناس، الاعتبار شيء وان لا يكون مذموما شيء آخر. الاشكال على الدليل: ان الاصل عدم اعتبار شيء وهذا لا يعني انه مجرد عدم كونه مذموما صار معتبرا، الاعتبار يحتاج إلى دليل.

لو تمّ هذا الدليل لكانت الشهرة حجّة حتى لو كان بين الفقهاء المتأخرين، فلو كانت الشهرة معاصرة وليست قريبة من عصر المعصوم لأصبحت حجّة، لانهم قالوا ان الشهرة حجة القريبة من عصر المعصوم فقط. فبناء على هذا الدليل تشمل حتى الشهرة الحالية.

وهناك ادلّة اخرى استدلوا بها على حرمة الاستنساخ منها انها تؤدي لإهانة الانسان، وتغيير خلق الله، والتعدي على حدود الله، هذه التعبيرات من الادلّة الكنسيّة. من قال أن الاستنساخ تعدي على سلطة الله عز وجل التكوينية؟

كل هذه الادلة لا تستحق الوقوف عندها لانها بعيدة عن المنطق.

وأما دليل مسألة الاحتياط في الفروج، قلنا انه ليس دليلا. وكذلك دليل الذوق الفقهي قلنا ان عهدته على مدعيه وهو حجّة عليه.

إذن الاستنساخ ليس محرما.

غدا ان شاء الله نكمل من هو الأب ومن هي الأم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo