< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/04/28

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: اثبات النسب.

شهادة النساء في النسب.

عدم ثبوت النسب بالشاهد مع اليمين.

ثبوت النسب بخبر الواحد الثقة عند عدم التداعي.

كان الكلام في ثبوت النسب، وتكلمنا في ابن الزنى، وطء الشبهة، التلقيح الاصطناعي، التكون بالمساحقة، العقد الصحيح. في اثبات النسب ذكرنا مسألة اللبن، والبيّنة وشروطها، ولا نريد ان نسترسل في شروط الشهادة، من العدالة وعدم قبول شهادة المتهم كالأخ لأخيه مع التهمة، كذلك الإبن لأبيه، والشريك لشريكه، والمرأة لزوجها والخصم، وعدم قبول شهادة ولد الزنى، كذلك المحدود إلا بعد توبته، وقبول شهادة المملوك بعكس ابناء العامة، وتفصيل قبول شهادة النساء، والأعمى والأخرس وغير ذلك والقول في التفصيل موكول إلى محلّه.

والكلام في مقام الاثبات في مقام التداعي والتنازع، إذ لدينا مقامان: مقام التداعي ومقام عدم التداعي. في المقام الاول وهو مقام التنازع نحتاج إلى البيّنة وشروط البيّنة وتفاصيل متى يأخذ بشهادة النساء ومتى لا يأخذ وغير ذلك، وهذا بخلاف مقام عدم التداعي كما سترى.

شهادة النساء في النسب:

إذا شهدت امرأتان ثقتان عادلتان هل يثبت النسب بهما، هذا يرجع إلى تفصيل قبول شهادات النساء.

ذكر الفقهاء عدم ثبوت شهادة النساء في النسب اجماعا، وذلك في مقام التنازع، لأنه من حقوق الآدميين، وليس مالا ولا المقصود منه المال، وهذا ما ذكره الشهيد الثاني (ره) في الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، حيث لم يثبت قبول شهادة النساء عند التداعي إلا في أمور وهي:

ما يعسر إطلاع الرجال عليه غالبا كالولادة والاستهلال وهو ولادة الولد حيا ليرث، وعيوب النساء الباطنة، ويكفي فيه شهادة النساء منفردات.

ما كان مالا أو الغرض منه المال مثل: الديون والأموال والجناية الموجبة للدية، فتثبت بشهادة رجل وامرأتين.

تثبت الديون بشهادة امرأتين ويمين، أما مطلق الأموال فمحل خلاف بسبب الروايات التي تدور بين المطلق والمقيّد. والأقرب الثبوت.

ثبوت الزنى بشهادة ثلاثة رجال وامرأتين، أو بشهادة رجلين وأربعة نساء، لكن لا يثبت به الرجم، بل يثبت به الجلد حينئذ وحسب. وتفصيل ذلك والاستدلال عليه مذكور في محلّه.

النتيجة: في مقام التداعي شهادة النساء لا تثبت النسب.

هل يثبت النسب بالشاهد مع اليمين:

لا يثبت النسب فيه ولعلّه اجماعا، لأن الشاهد مع اليمين – يمين صاحب الحق - ورد في خصوص الديون والأموال. هذا كله في التداعي، أي أن البينة مع شروطها، والشاهد مع اليمين وشهادة النساء وغير ذلك هذا كله عند الخلاف والتداعي والقضاء.

ثبوت النسب بخبر الواحد الثقة في غير مقام التداعي:

وهذا في التداعي لا يثبت، أما في غير التداعي كما لو أخبر شخص ثقة أن فلانا هو ابن فلان، فهذا يكفي بناء على ثبوت الموضوعات بخبر الواحد الثقة، ونحن نقول به وتفصيل الأدلة والأخذ والرد فيها موكول إلى علم الاصول.

لا شك اجماعا في ثبوت خبر الواحد في نقل الأحكام أما في الموضوعات فمحل كلام، وللتذكير: المقلَّد يكون تقليده في الاحكام لا في الموضوعات، كما في نجاسة الدم وهل يجوز الصلاة فيه، أو بيعه أو شربه أو لا؟

وهل تثبت حجية خبر الواحد في الموضوعات؟ وبعبارة اخرى: هل يثبت الموضوع أي المصاديق والافراد الخارجية بخبر الواحد أو لا؟

ولكن لا باس ببيان ثبوت حجّیة خبر العادل أو الثقة في الموضوعات مختصرا من وسيلة المتفقهين:

استدل علی حجیة خبر الواحد العادل أو الثقة في الموضوعات، مثل أن هذا السائل الخارجي دم أو نجس أو غیر ذلک بأمور:

- إن من استدل علی حجیة الخبر بسیرة العقلاء یذهب إلی حجیته في الموضوعات، لأن العقلاء یعملون بالخبر سواء کان مضمونه حکماً أم موضوعاً، وهو دلیل علی کفایة خبر الثقة.

- إن من استدل بالنصوص، فإنها کذلک مطلقة، فإن آیة النبأ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [1] هذه الآية استدلوا بها على حجية خبر الواحد ونزلت في موضوع وليس في حكم، فلا معنى للاستدلال بها على حجية خبر الواحد في الأحكام وعدم جريانها في الموضوعات، فقد استدلوا بالآية على حجية الخبر في الأحكام، بأن الآية وإن لم تكن واردة في حكم، بل في موضوع، لكن المورد لا يخصص الوارد. ونقول: أن المورد لا يخصص الوارد، لكنه لا يخرج عن الوارد إلا مجازا كما في تطبيق الموضوع على مقولة بمنطوقها ومفهومها لا تكون لها علاقة بالموضوع.

- استنتاج قاعدة عامة کلیة في حجیة الخبر من أخبار جواز التعویل علی اذان الثقة المروي في المعتبر: محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن جده عن علي ×: المؤذن مؤتمن والامام ضامن. [2]

وثبوت عزل الوکیل بخبر الثقة المروي في الصحيح: الصدوق بإسناده عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ×: "... والوکالة ثابتة حتی یبلغه العزل عن الوکالة بثقة یبلغه ..." [3]

کذلک في الزوال وثبوت استبراء الأمة أو عدم وطئها إذا كان المخبر هو البائع، إلى آخره.

بالنتيجة: تعدد المورد يخرجا عن ان تكون خاصة في بعض الموضوعات، يصبح اختصاصها بالموضوعات موهون، فنستطيع ان نستنبط وحدة المناط وهو حجية خبر الواحد حتى في الموضوعات إلا ما خرج بدليل كالتداعي والتنازع حيث خبر الواحد لا يثبت الموضوعات.

إذن يثبت حجية خبر شخص واحد في النسب إذا لم يكن في مقام التداعي، وهذا يعنى ان خبر المرأة في اثبات النسب ثابت ويجوز وصحيح عند عدم التنازع. طبعا هذا الخبر بالشروط التي ذكرناها في حجية خبر الواحد من كونه ثقة ، أو عدلا على قول، وضابطا، وبالغا، وغير ذلك، وبحث هذه الشروط موكول إلى محلّه.

هل يثبت النسب بالقيافة أو لا؟

القيافة: وهي إثبات النسب بالحدس، بملاحظة الشبه والسمة وغير ذلك. ولا يثبت بها النسب إجماعا.

ويدل على ذلك الإجماع والروايات والأصل.

أما الروايات فمنها:

ما في الخصال الشيخ الصدوق: حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من تكهن أو تكهن له فقد برئ من دين محمد صلى الله عليه وآله. قلت: فالقافة قال: ما أحب أن تأتيهم، وقلَّ ما يقولون شيئا إلا كان قريبا مما يقولون، وقال: القيافة فضلة من النبوة ذهبت في الناس. [4]

والكلام في السند والدلالة:

أما السند: السند معتبر وفيه علي بن ابي حمزة البطائني الواقفي، وقد بحثناه مفصلا، وذهبنا إلى توثيقه، وقلنا إننا نميل إلى أن ابي حمزة وكثير من كبار الواقفة لهم شأن، وان حركتهم حركة شريفة ولها هدفها السامي، ما ارادوا الوقف هم بل ارادوا حفظ نفس الامام (ع). النتيجة ان الوقف ليس مشكلة في التوثيق، وبعض الروايات الواردة في الذمّ كرواية حشو قبره نارا عن الامام الرضا (ع) يمكن تفسيرها بهذا السياق.

وأما الدلالة: فالظاهر ان الامام (ع) لا يريد ان ينفي أصل إثبات القيافة وصحتها، بل يقول بذلك حيث يعبّر عنها أن فضلة من النبوة، لكن ذهبت في الناس، ولعلّ ذهابها للفساد بين الناس حيث يقول تعالى ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [5] . ونظيره ما درسناه في كتاب المكاسب للشيخ الانصاري (ره) قول الامام (ع) في الابراج: " هذا علم كثيره لا يدرك وقليله لا ينفع "[6] وهو علم من مختصات آل محمد (ص). وهذا يعني انه موجود وصحيح لكن الناس لا تدركه. ومع فرض إصابة الواقع فلا ينفع، لأنه إصابة للواقع مع عدم التعيين.

النتيجة: في نفس الوقت لا يثبت الامام (ع) ألنسب بالقيافة، حيث إنها لا تصيب الواقع، فقال: " ذهبت في الناس ".

رغم ان الرواية معتبرة فهي لا تنفعني في اثبات النسب، بل قد يستشم منها واضحا عدم اثبات النسب.

غدا ان شاء الله نذكر الرواية الثانية والثالثة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo