< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

42/05/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الطلاق، تفسير مفردات رواية " خمس يطلقن على كل حال " بيان سن اليأس.

    1. أدلّة القول بالخمسين.

    2. الروايات: المرأة التي قد يئست من المحيض حدّها خمسون سنة. الرواية لا تخلو من اعتبار، ومع جريان الرواية لا تجري الأصول كأصالة عدم الحيض وغيرها مما ذكرناه.

    3. التفصيل بين القرشيّة والنبطيّة وغيرهما، بان يكون سن الحيض الستين فيهما والخمسين في غيرهما.

نكمل الكلام في سن اليأس، كان القول الاول سن الستين الذي اتكل على الاجماع والروايات وعلى قاعدة الامكان، ونأتي إلى القول بالخمسين الذي اتكل على اصول وروايات، والاصول لا تجري مع الروايات، ذكرنا امس الرواية الاولى صحيحة ومعتبرة.

الرواية الثانية: ب- ح 2 – و (الشيخ الطوسي (ره)) عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد (ثقة)، عن الحسن بن ظريف (ثقة)، عن ابن أبي عمير (ثقة)، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلا أن تكون امرأة من قريش. ورواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد مثله[1]

من حيث السند: الرواية مقبولة لقبولنا مرسلات ابن أبي عمير لاننا قلنا ان ابن ابي عمير وصفوان والبزنطي لا يروون إلا عن ثقة، وامثالهم ثبت عندنا منهم زرارة وابو بصير الاسدي ومحمد بن اسماعيل بن بزيع، وغيرهم لم يثبت عندي انهم لا يروون إلا عن ثقة وان كانوا من الاجلاء.

اما من حيث الدلالة: فهي مختصّة بغير القرشيّة، نستطيع ان نستدل بها على الخمسين لكن لا باطلاقها أي المرأة التي بلغت خمسين سنة غير قرشيّة، وهي رواية قوية نستطيع ان نستدل بها على القرشيّة. ثم إن الرواية قالت: " لم تر حمرة " وظاهرها الحمرة الواقعيّة التكوينيّة الخارجيّة، وليس الحيض الاعتباري، لانها إخبار عن واقع.

لا يقال: لكن الواقع على خلافه، إذ بعض النساء يرين الحمرة والدم بعد الخمسين.

فإنه يقال: هذا التعبير هو بنحو الاعمّ الأغلب والاقلّ بحكم العدم اعتبارا، ويمكن ان نلاحظ انه بالنسبة إلى القرشيّة لم تختلط الانساب أو الجينات الوراثيّة في ذلك الزمن. ولذلك سنستعين بها على ما سنذهب إليه من أن المرأة بعد الخمسين إلى الستين إذا رأت الدم بشروط الحيض فهو حيض. أما استثناء القرشية فسيأتي.

ج- ح 3 – و (الشيخ) عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن بعض أصحابنا قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: المرأة التي قد يئست من المحيض حدها خمسون سنة. ورواه المحقق في ( المعتبر ) نقلا من كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر مثله. ورواه الشيخ بإسناده عن سهل بن زياد [2] .

من حيث السند ففيه سهل بن زياد ونحن لا نعتبره ولا نستطيع الاتكال عليه لاثبات احكام شرعية وذكرنا ذلك مرارا وقلنا انه احمق كما وصفه الفضل بن شاذان وليس كذابا ولا ضعيفا. نعم الحديث مقبول من جهة رواية المحقق له من كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر الذي لا يروي إلا عن ثقة، وهذا يعني أن الكتاب كان بين يديه ورواه عن الكتاب مباشرة، فهذا الطرق مقبول ومعتبر.

ومن حيث الدلالة: فمطلقة غير مقيّدة بالقرشيّة، وواضحة في الخمسين. وهذه الرواية على الأقل لا يمكن اغماض النظر عنها.

إذن روايات الخمسين أكثر من الستين وبعضها مقبول بل صحيح قوي لذلك لو تعارضت الخمسين مع الستين نأخذ بالخمسين لانها اقوى عند التعارض، ومذهبنا في التعارض هو ترجيح ما كان بمرجّحات عقلائيّة التي منشؤها عقلائي.

د- الروايات الاخرى في نفس المصدر الوسائل ج2 نجد ان روايات الخمسين أكثر واقوى واوضح، وروايات الستين هناك رواية واحدة معتبرة والباقي مرسلات. فمع المرجحات المنصوصة روايات الخمسين هي المرجّحة.

القول الثالث: التفصيل بين القرشيّة والنبطيّة وغيرها: فيكون سن اليأس ستين سنة فيها، وخمسين في غيرها.

يقول في الجواهر: ( وقيل (يشير إلى تمريض)) كما في الفقيه والمبسوط والمعتبر والوسيلة والجامع والتذكرة والقواعد والإرشاد والذكرى والبيان والدروس وغيرها، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا ( في غير القرشية ) أي المنتسبة إلى النضر بن كنانة بالأبوين أو بالأب وحده لا الأم وحدها وإن احتمل بل مال إليه بعضهم (لعلّه الشريف المرتضى)، لكون المعتبر في الحيض تقارب الأمزجة (بتعبير هذه الايّام الجينات الوراثيّة)، ومن ثم اعتبر العمات والخالات وبناتهن فيما يأتي، لكن الأوجه خلافه لعدم الدليل، نعم لا فرق في ذلك بحسب الظاهر بين النسب الشرعي وغيره (أي الزنا) ولا بين ما يثبت به الأول من الاقرار والشياع والقرعة وغيرها على إشكال في البعض، كما أنه لا فرق في القرشية بين الهاشمية وغيرها ( كالأمويين بناء على أنهم قرشيّون وبني مخزوم وبني عدي وبني تيم وبني سهم، قريش لعلّه اربعة عشر فخذا) وإن كان لا يعرف في هذا الزمان سوى الأول، بل خصوص من انتسب إلى أبي طالب والعباس (لعلّهم في العراق اسمهم السادة الياسريّة وليسوا من ابناء فاطمة (ع) )، نعم لا يبعد إلحاق الحكم على القبيلة المعروفة الآن بقريش. ( و ) ألحق في الوسيلة وما بعدها بل نسبه في جامع المقاصد إلى الأصحاب تارة وإلى الشهرة أخرى ( النبطية ) بل ستسمع ما في المقنعة من نسبتها إلى الرواية، والمراد منها المنتسبة إلى النبط، وهم كما عن مروج الذهب (للمسعودي من المصادر التاريخية الاساسيّة) ولد نبطة بن ماس بن آدم ابن سام بن نوح، وقيل هم قوم كانوا ينزلون سواد العراق كما عن العين والمحيط والديوان والمغرب والتهذيب للأزهري، وفي الصحاح والقاموس وعن النهاية قوم ينزلون البطائح بين العراقين، وفي جامع المقاصد أن الذي كثر في كلام أهل اللغة أنهم جيل كانوا ينزلون البطائح بين الكوفة والبصرة، وفي كشف اللثام قال السبعاني: أنهم قوم من العجم، وقيل من كان أحد أبويه عربيا والآخر عجميا، وقيل عرب استعجموا أو عجم استعربوا، وعن ابن عباس: نحن معاشر قريش حي من النبط، وقال الشعبي في رجل قال لآخر: يا نبطي: لا حد عليه، كلنا نبط، وعن المصباح المنير أنه " قيل إنهم قوم من العرب دخلوا في العجم والروم، واختلطت أنسابهم وفسدت ألسنتهم، وذلك لمعرفتهم بإنباط الماء أي استخراجه لكثرة فلاحتهم " انتهى. وفي الصحاح في كلام أيوب بن القرية أهل عُمان عرب استنبطوا، وأهل البحرين نبط استعربوا، ولعل الأقوى في النظر الثاني، .... [3]

احببت ان اقرأ ما ذكر في الجواهر لان ما اشتهر انهم سكّان البلقاء أو صحراء الاردن لم يثبت. ولما تعددت الاقوال في الأنباط صارت المسألة من باب الشبهة المفهوميّة، وليس فيها قدر متيقّن، بل يدور فيها الأمر بين المتباينات وليس فيها من يعرف، فلو تمّ الحديث أو الرواية يجب أن نحتاط عند الشك، فقد صارت من تطبق: " أكرم العلماء إلا زيدا " وزيد مردد بين المتباينين كما لو تردد بين زيد وبين عمرو وزيد بن بكر، وفي المتباينين لا نتمسّك بالعام، بل يسري إجمال الخاص إلى العام حكما. لكن الذي يهوّن الخطب أن رواية تخصيص النبطية مرسلة، لذلك ليست دليلا والإلحاق بالقرشيّة لا دليل عليه، فتبقى القرشيّة المعلومة انها من انتسبت إلى قريش.

والدليل على هذا التفصيل:

    1. الرواية الصريحة، كالرواية الثانية السابقة المذكورة في القول الثاني، والرواية الخامسة من الوسائل:

ح 5: قال الشيخ في المبسوط: تيأس المرأة إذا بلغت خمسين سنة إلا أن تكون امرأة من قريش، فانه روي أنها ترى دم الحيض إلى ستين سنة [4]

وفي الحديث التاسع من الوسائل: محمد بن محمد بن النعمان المفيد في ( المقنعة ) قال: قد روي أن القرشية من النساء والنبطية تريان الدم إلى ستين سنة [5] .

من حيث السند: فالرواية الثانية مقبولة، أما الاخيرة فمرسلة.

ومن حيث الدلالة: فهذه الروايات صالحة لتخصيص روايات الخمسين وروايات الستين، فتكون وسيلة معتبرة للجمع بين المتعارضات. اصبح عندنا ثلاثة طوائف من الروايات: طائفة اولى تقول بالخمسين، وطائفة ثانية تقول بالستين، وطائفة ثالثة تقول خمسين إلا ان تكون من قريش. هذه الطائفة الثالثة صالحة للجمع بين روايات الخمسين والستين، وبذلك ترتفع التعارض، وذلك بان نقول: أن القرشيّة إلى الستين وغير القرشيّة إلى الخمسين.

إلا أن الإنصاف أنها غير قابلة لذلك لما سنبيّنه من ظهور الروايات في الحمرة الواقعيّة، والجمع إنما يكون في الاعتباريات.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo