< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

42/08/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الطلاق، الإشهاد. وجه حمل العدالة على الظاهرية.

    1. دليل حمل العدالة على الظاهرية: الروايات، وعدم وجوب إعادة الصلاة لو تبيّن أن الإمام فاسقا.

    2. لو أجرى الطلاق أمام شاهدين ظاهرهما الفسق فتبيّن عدالتهما صح.

    3. المختار: هو اشتراط العدالة الواقعيّة، لأنها هي الموضوع له الألفاظ.

    4. نفصّل في مقام الإثبات بين كون الاعتبار ناشئا من الشارع فنحكم بصحة الطلاق لو تنيّن فسق الشاهد، وبين كونه ناشئا من نفس المطلّق فلا نحكم بالصحّة

الكلام في الشهود على الطلاق واشتراط العدالة في الشاهدين، والكلام في: هل يشترط العدالة الواقعيّة او الظاهرية؟ وقلنا ثمرتها كبيرة، لأنه إذا طلقت امام شاهدين عادلين فبان بعد ذلك فسقهما هل يبقى الطلاق صحيحا؟ أو العكس طلّقت امام فاسقين ظاهرا فتبيّن عدالتهما بعد ذلك فهل كان الطلاق صحيحا؟

هل المأخوذ هو العدالة الظاهريّة او العدالة الواقعيّة؟

قلنا ان من قال ان العدالة الواقعية هي الشرط استدل بان الالفاظ موضوعة للوقع والاكتفاء بالظاهر يحتاج إلى اثبات.

ومن اشترط العدالة الظاهريّة استدل بالروايات التي ذكرناها: " بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال: أن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار... " [1] ، ورواية: " فإذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته ولا يسأل عن باطنه ". [2]

وايّدوا هذا الاستدلال بصحة صلاة المأموم جماعة خلف امام ظاهره العدالة كما ذكرنا وقلنا ان سبب الصحة يحتمل ان المأموم لم يترك إلا القراءة فحكم بالصحة، ومع الاحتمال يبطل الاستدلال.

وذهبنا نحن إلى اشتراط العدالة الواقعيّة.

والتحقيق: ان الظاهر من الادلّة هو اشتراط العدالة الواقعيّة في عالم الثبوت لا في عالم الاثبات لان الالفاظ موضوعة للواقع، والظاهر يحتاج إلى اثبات كبقيّة الاحكام والموضوعات، لكن إثبات هذا الواقع تارة يكون باعتبار من المولى كخبر عدل أو ثقة بعدالة الشاهد، وتارة يكون من حدس نفس المكلّف.

وقد ذكرنا في بحث علم الأصول في بحث الإجزاء، أن الأمارات وإن اشتهر عدم الإجزاء عند ظهور الخلاف، إلا أننا فصلنا بين ما يكون اعتبار من نفس المكلّف فلا يجزي، أو من نفس الشارع فيجزي.

توضيح وتذكير مختصر عما بيّناه في الأصول: قالوا لا اجزاء في الأمارات والأصول، لان الامارة كاشف عن واقع وقد أخطأت، فالواقع يبقى على ما هو عليه، فيبقى المكلّف مكلّفا. وصاحب الكفاية (ره) فصّل بين الاصول وبين الامارات، قال بعدم الاجزاء في الامارات، وكذا في الأصول العمليّة الحكميّة اما في الاصول يمكن القول بالإجزاء لان الاصول العمليّة حاكمة توسّع موضوع الاحكام، فمثلا عندما قال: " كل شيء لك طاهر " وسّع موضوع الطهارة، فالطهارة المشروطة للصلاة تشمل الطهارة الواقعيّة والطهارة الظاهريّة. فببركة الاصل أثبتنا الطهارة المشروطة الشاملة للواقعيّة والمشكوكة، وبعد انكشاف الجهة قالوا بالإجزاء، وهكذا " كل شيء لك حلال ".

نحن ذهبنا إلى رأي يفصّل ويحتاج إلى حسن تطبيق وهو التالي: ان الاعتبار في الامارات إن كان من المولى فالمولى هو المسؤول تحقق الغرض أم لم يتحقق، أما إذا كان الاعتبار من المكلّف نفسه وبحدسه فهو مسؤول عن نفسه، واعطيت مثالا على ذلك: " إذا قامت الدولة وارسلت الجابي لأخذ الضريبة، وسرق هذا الجابي الاموال، هل ترون من الانصاف ان الدولة تقول ان الضريبة مازالت مفروضة ويجب دفعها؟ نقول ان هذا ظلم برأي العقلاء، ولذلك قلنا في الزكاة أو الخمس إذا دفعتها في موضعها بدليل شرعي كإثبات فقر الفقير بخبر الثقة الذي قال الشارع بالأخذ به فلا نحتاج لإعادة الزكاة او الخمس مرّة ثانية. ممكن ان لا نقول بالإجزاء بالحقيقي لان الملاك ما زال موجودا لم يتحقق وتكليف المولى لم يتحقق، لكن لنعبّر بسقوط التكليف بالإعادة مرّة اخرى ولم اعد مسؤولا عن الاعادة والقضاء. كذلك في القصر والتمام مع اخبار الثقة بانه وصلنا إلى حد الترخص، فإذا بان انه لم أصل إلى حد الترخص لست مسؤولا عن اعادة الصلاة مرّة ثانية.

فإذا كان الاعتبار واثبات الموضوع من الشارع عز وجل نفسه حين إذن نقول بالإجزاء، بمعنى عدم وجوب الامتثال مرّة أخرى.

اما إذا كان الاعتبار من نفس المكلّف، مثلا إذا حدست من نفسي ان هذا الشخص هو الجابي المكلّف بالجباية وسلّمته اموال الضريبة، هنا لا دخل للدولة إذا سرق هذا الشخص المال لأنه غير معيّن من قبلها فتجب اعادة دفع المال [3] .

ونطبق مسألتنا هنا: إذا ثبتت العدالة بشهادة ثقة، أو بحسب الظاهر بين الناس، بالبيّنة الشرعيّة، وهما أمارتان معتبرتان عند الشارع، فالمفروض الحكم بتأثير الأعمال السابقة الناتجة عن اعتقاد عدالة الشاهدين، ومنها الشهادة في الطلاق.

وإذا ثبتت من حدس المكلّف نفسه أي من المطلّق نفسه بعشرتهما مثلا، فلا يجزي، ونحكم ببطلان الطلاق حينئذ.

ولذا لو أن رجلا طلّق أمام شاهدين عدلين، وتمّت توثيقهما بخبر ثقة، أو بحسن الظاهر، ثم بعد فترة تبيّن فسقهما، فإننا نحكم بصحّة الطلاق، لا لأن الشرط هو العدالة الظاهريّة، بل الشرط عندنا هو العدالة الواقعيّة، لكن العدالة الواقعيّة لا تعرف إلا بالمثبتات، فإذا كان المثبت للعدالة هو الشارع فمعناه أن يتحمّل هو مسؤولية ذلك، أي أنه يرى المصلحة في اعتبار هذا المثبت حتى مع احتمال الخطأ، وبذا نستطيع الحكم بصحّة الطلاق.

ولو أن رجلا طلّق زوجته أمام شاهدين عادلين واقعا وفاسقين ظاهرا، ثم ثبتت عدالتهما، فالطلاق يقع صحيحا لثبوت شرطه وهو الشاهدين العادلين واقعا.

لا يقال: إن الحكمة من الإشهاد هي الاثبات عند التداعي، وهي تنتفي مع ظهور فسقهما، فلا بد من القول باشتراط العدالة الواقعيّة.

فإنه يقال: لا تختص الحكمة بذلك، بل قد تكون للموعظة من أحد الشاهدين للمطلّق أو المطلّقة كما قد تشير إليه الآية الكريمة: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً﴾ [4] ، أو من باب تسهيل النكاح، أو غير ذلك.

 


[3] سؤال هنا الإجزاء وعدم الاعادة يشبه التصويب: الجواب: التصويب هو انشاء واقع او انشاء مصلحة جديدة أو لا حكم إلا ما حكم به المجتهد، وعدم الاعادة لا تعني تصويبا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo