< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

42/08/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الطلاق، لو طلّق السني زوجته. قاعدة الإلزام.

    1. قاعدة الإلزام.

    2. مدركها: الإجماع، الروايات.

    3. مقتضاها: هي ليست إباحة، ولا تصحيحا، بل مجرّد ترتيب الأثر.

    4. إشكال: إذا كان الطلاق باطلا، فالمرأة باقية على الزوجية من المطلّق، فكيف جاز التزوج بمتزوجة؟

    5. الجواب: العقد الجديد علّة لبطلان الزوجيّة الأولى، والعلّة والمعلول متحدان زمانا مختلفان رتبة.

نكمل الكلام في: لو ان السني طلّق زوجته الشيعية أو السنيّة على خلاف شروط الطلاق في مذهبنا أي على خلاف السنّة فما حكمه؟

قلنا انه يجوز الزواج من زوجته المطلّقة بدليل الروايات، ثانيا: الإجماع، ثالثا: قاعدة الإلزام.

قاعدة الإلزام:

وهي قاعدة مشهورة في فقه الإماميّة، ملخصها مضمون قوله (ع) " ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم " في روايات كثيرة عديدة.

ونبحثها من عدّة جهات لما لها من أثر عملي كبير:

الأولى: في الدليل عليها، الثانية: في معناها وهل هي تصحيح لما يفعلونه أو مجرد ترتيب الأثر؟ الثالثة: في اشتراط حصول الضرر عليهم ومصلحة عندنا. الرابعة: في شمولها للمخالفين فيما بينهم. الخامسة: في شمولها لبقيّة الأديان. السادسة: في شمولها للشيعة بين بعضهم فيما إذا اختلفت الآراء. السابعة: في شمولها لأبواب الفقه غير النكاح والطلاق والإرث والضمان.

الجهة الاولى: في مدركها:

لها دليلان: الاول: الإجماع، وهو مدركي للاحتمال القوي بأن يكون مدركه الروايات التي سنذكرها لاحقا. قالوا: نرجع حينئذ للمدرك، لكن ذكرنا سابقا ان الاجماع إذا كان دليله الكشف عن رأي المعصوم فيصبح في الواقع الاطمئنان هو الحجّة حصل عن مدرك أم لا، وإذا حصل الاطمئنان سواء كان مدركيا أو لا لماذا لا يكون حجّة؟ نعم غالبا إذا حصل الاجماع وكان مدركيا يكون هذا الإجماع سببه المدرك فيتحقق اطمئنان بالمدرك فأعود حينئذ إلى المدرك.

الثاني: الروايات: وهي عديدة نذكر ما في الوسائل ج 15 باب 30 ص 321 من ابواب مقدمات الطلاق.

نذكر منها: ما في الوسائل: ح 5 وح6 وح9 وح10 وح11.

ح 5: محمد بن الحسن بإسناده، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن عبد الله بن جبلة (ثقة)، عن غير واحد، عن علي بن أبي حمزة (ثقة واقفي) أنه سأل أبا الحسن (الكاظم) عن المطلّقة على غير السنة، أيتزوجها الرجل؟ فقال: ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم، وتزوجوهنّ فلا بأس بذلك. [1]

من حيث السند فغير تام فيه ضعف، لأنه " غير واحد " لا ندري من هم؟ ثم إن الحسن بن محمد بن سماعة لم تثبت وثاقته عندنا.

ومن حيث الدلالة: الرواية واضحة في قاعدة الإلزام، وإنها ليست تصحيحا لما يفعلون، بل مجرد ترتيب أثر. والطلاق في المتن مطلق غير مقيّد بالمخالف ويشمل الموافق والمخالف، إلا أن المتن مقيّد بالروايات الكثيرة الصحيحة انه " لا طلاق على غير السنّة " فتختص بالمخالفين.

ح 6 - محمد بن الحسن بإسناده، عن جعفر بن سماعة أنه سئل عن امرأة طلقت على غير السنة ألي أن أتزوجها؟ فقال: نعم، فقلت له: ألست تعلم أن علي بن حنظلة روى: إياكم والمطلقات ثلاثا على غير السنة فإنهن ذوات أزواج؟ فقال: يا بني رواية عليّ بن أبي حمزه أوسع على الناس، روى عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال: ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم وتزوجوهن فلا بأس بذلك. [2]

من حيث السند: ضعيف بالحسن بن محمد بن سماعة.

من حيث الدلالة: فهم علي بن حنظلة أنها من باب التوسعة: "يا بني رواية علي بن أبي حمزه أوسع على الناس".

ح 9 - وبإسناده عن محمد بن أحمد بن يحي، عن أحمد بن محمد، عن جعفر ابن محمد بن " عبيد خ ل " عبد الله العلوي، عن أبيه، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن تزويج المطلقات ثلاثا فقال لي: إن طلاقكم " الثلاث " لا يحل لغيركم، وطلاقهم يحل لكم لأنكم لا ترون الثلاث شيئا وهم يوجبونها. وبإسناده عن علي بن الحسن، عن أحمد بن محمد نحوه، ورواه الصدوق مرسلا وزاد. [3]

ح10 - وقال عليه السلام: من كان يدين بدين قوم لزمته أحكامهم. محمد بن علي بن الحسين في ( عيون الأخبار ) و ( معاني الأخبار ) و ( العلل ) عن محمد بن علي ماجيلويه عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن أبيه عن الرضا عليه السلام مثله. [4]

ح 11 - وعن أبيه، عن الحسين بن أحمد المالكي، عن عبد الله بن طاووس قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: إن لي ابن أخ زوجته ابنتي وهو يشرب الشراب ويكثر ذكر الطلاق، فقال: إن كان من إخوانك فلا شيء عليه، وإن كان من هؤلاء فأَبِنْها منه فإنه عنى الفراق، قال: قلت: أليس قد روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إياكم والمطلقات ثلاثا في مجلس فإنهن ذوات الأزواج فقال: ذلك من إخوانكم لا من هؤلاء، إنه من دان بدين قوم لزمته أحكامهم. ورواه الكشي في كتاب ( الرجال ) عن محمد بن الحسن بن بندار، عن الحسن بن أحمد المالكي. [5]

من ناحية السند: لم يثبت توثيق لا محمد بن الحسن بن بندار ولا الحسن بن احمد المالكي.

وفي الارث التهذيب: ح 9 ما رواه علي بن الحسن بن فضال عن جعفر بن محمد بن حكيم عن جميل بن دراج عن عبد الله بن محرز عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: رجل ترك ابنته وأخته لأبيه وأمه قال: المال كله لابنته، وليس للأخت من الأب والام شيء (أي النصف للبنت بالفرض والنصف الآخر بالرد)، فقلت: انا قد احتجنا إلى هذا والرجل الميت من هؤلاء الناس وأخته مؤمنة عارفة قال: فخذ لها النصف خذوا منهم ما يأخذون منكم في سنتهم وقضائهم وأحكامهم، قال: فذكرت ذلك لزرارة فقال: ان على ما جاء به ابن محرز لنورا، خذهم بحقك في أحكامهم وسنتهم كما يأخذون منكم فيه. [6]

الحق يقال أن مضمون الروايات العديدة لا شبهة فيه نطمئن لصدوره مع الاجماع على ذلك

الجهة الثانية: في مقتضاها:

هل هي تصحيح لما يفعلونه، أو هي مجرد ترتيب أثر، وكيف يكون ذلك.

أما التصحيح فيردّه الروايات العديدة في بطلان الطلاق على غير السنّة، وكلها غير مشروطة أو مقيّدة بخصوص العارف، أي لم يشترط فيها أن يكون المطلّق عارفا معتقدا الحق إماميا، وهذا محل إجماع لدى الفقهاء، ولم يقل أحد بصحته حتى مع عنوان ثانوي له.

ثم إن لسان الإجازة ليس لسانا تصحيحيا بل ترتيب أثر، لاحظ قوله (ع): " ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم، وتزوجوهن فلا بأس بذلك "، فاللسان لسان ترتيب لأثر.

إلا انه وقع الخلاف في كيفيّة ترتيب الأثر، وما هو وضع المرأة المطلّقة من قبل الزوج المخالف، هل هي مباحة لنا، أو هي تبقى على الزوجيّة الاولى، وعلى فرض البقاء على زوجيتها كيف نبرر صحة زواجنا من امرأة متزوجة؟

أما القول بالإباحة لعلّ وجهه ما ورد في بعض الروايات مثل ح 6 السابق: وعنه، عن جعفر بن سماعة أنه سئل عن امرأة طلقت على غير السنة ألي أن أتزوجها؟ فقال: نعم، فقلت له: ألست تعلم أن علي بن حنظلة روى: إياكم والمطلقات ثلاثا على غير السنة فإنهن ذوات أزواج؟ فقال: يا بني رواية علي ابن أبي حمزه أوسع على الناس، روى عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال: ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم وتزوجوهن فلا بأس بذلك. [7]

من ناحية الدلالة: التوسعة ليس معناها التصحيح، من قبيل أصل الطهارة على القول بعدم الحكومة " كل شيء لك طاهر " وقد يكون واقعا نجسا، وحديث " كل شيء لك طاهر " لا يطهره واقعا، بل من باب الحكم الظاهري وحكمته التوسيع على المكلّف. أو في اصالة الاحتياط اناءان أحدهما نجس يجب الاجتناب عنهما، ووجوب الاجتناب ليس معناه انهما صارا واقعا نجسين، في الواقع احدهما نجس لكن يجب اجتنابهما وهذا تضيق على خلاف التوسعة.

فرق بين التصحيح والتوسعة، قالوا ان التوسعة عبارة عن اباحة.

يقول الفقير إلى رحمة ربه والسداد في حل المسألة:

إن الظاهر من روايات الإلزام هو ترتيب الأثر على طلاقهم بما فيه مصلحة لنا وإلزامهم بما التزموا به، وليس تصحيحا وليس إباحة، بل هو يدلّ على بقاء الحالة السابقة وهي الزوجيّة، إلى أن يعقد عليها شخص آخر فتنتهي الزوجيّة، ولا يكون تصحيحا للطلاق ولا إباحة فهو إبطال لأثر العقد فقط وهو رفع الزوجيّة.

فمثلا: لو طلّقها المخالف بدون شهود، لم يصح طلاقها واقعا، وكان للشيعي أن يتزوجها، ويكون زواجه منها انتهاء للعلاقة الزوجيّة السابقة، فهي في فترة ما بين الطلاق والزواج ليست مطلّقة وليست مباحة.

 

ولهذه المسألة ثمرات:

منها: لو طلّق المخالف زوجته على غير السنّة، ومرّ زمن، وقبل أن يتزوجها أحد إستبصر، فإنه يستعيدها بلا عقد جديد، لانها زوجته واقعا، وطلاقه باطل واقعا. فالزواج الجديد يكون له مفعولان: الأول إنهاء العلاقة الزوجيّة الاولى، والثانية بداية نكاح جديد.

إشكال: إذا كانت متزوجة واقعا كيف يباح له الزواج من المتزوجة واقعا؟

كيف جاز له أن يتزوج امرأة متزوجّة؟ أليس الله تعالى يقول: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ [8]

فانه يقال: الزواج الجديد علّة لارتفاع الزوجية السابقة، والعلّة والمعلول متحدان زمانا، مختلفان رتبة، أي العلّة متقدّمة على المعلول رتبة لازمانا، كما في قولنا: كسرته فانكسر، فان الانكسار معلول للكسر، متأخر رتبة لا زمانا وهنا كذلك.

فان العقد الجديد علّة لارتفاع الحالة الزوجيّة السابقة فيجوز العقد عليها، لانها حين العقد قد ارتفعت زوجيتها ووقع الامر على غير المتزوجة. وبهذا يرتفع الاشكال.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo