< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

42/10/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الطلاق، أقسام الطلاق البائن، طلاق العدّة.

    1. الطلاق الذي تحرم المرأة معه في التاسعة: هو إذا كان الرجوع أثناء العدّة، ودليله: الإجماع، وهو مدركي، والروايات كروايات ابي بصير.

    2. دليل من قال بالشمول لكل طلاق تاسع هو عموم الروايات.

    3. هل التعارض بين الروايات هو بتقديم روايات الانحصار على العموم، لانها من باب تقديم المفهوم على العموم إذا كان المفهوم أخص.

    4. حكمة لطيفة في هذا التشريع.

نكمل الكلام في طلاق العدّة وانه محرم مؤبدا في الطلاق التاسع بشرط ان يكون الرجوع في اثناء العدّة.

محل النزاع: فلو فرض انه رجع الى نكاحها في ما بعد العدّة أي على غير النحو الاول فهل تحرم عليه مؤبدا أو لا؟ بعبارة اخرى: هل ينحصر الطلاق المحرِّم مؤبدا في النحو الاول وهو ان يرجع اليها في اثناء عدتها أو لا؟ فإذا اخذنا بالنحو الاول وهو انه لو رجع اليها بعقد جديد ولو عشر مرّات لا تحرم عليه مؤبدا، أي ليس كل طلاق التاسع محرما.

أدلّة من قال بانحصار التحريم المؤبد بالرجوع في اثناء العدّة: وهما الإجماع والأخبار:

يقول صاحب الجواهر: " ( وأما طلاق العدة ) - الذي هو قسم مركب من البائن والرجعي بناء على أنه مجموع الثلاث، ولذلك جعله المصنف كما عن التحرير قسيما لهما لا قسما من أحدهما ( ف‌ ) يقال: ( هو أن يطلق على الشرائط، ثم يراجعها قبل خروجها من عدتها ويواقعها ) قبلا أو دبرا ( ثم يطلقها في ) طهر آخر ( غير طهر المواقعة، ثم يراجعها ويواقعها، ثم يطلقها في طهر آخر، فإنها تحرم عليه حتى تنكح زوجا ) آخر ( غيره ) بلا خلاف ولا إشكال، وقد سمعت تفسيره بذلك في صحيح زرارة السابق [1] : الوسائل باب 2 - باب كيفية طلاق العدة وجملة من احكامه .ح 1 - محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: وأما طلاق العدّة الذي قال الله عز وجل: " فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة " (اللام لام العاقبة) فإذا أراد الرجل منكم أن يطلق امرأته طلاق العدّة فلينتظر بها حتى تحيض وتخرج من حيضها ثم يطلقها تطليقة من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين ويراجعها من يومه ذلك إن أحب أو بعد ذلك بأيام قبل أن تحيض ويشهد على رجعتها ويواقعها حتى تحيض، فإذا حاضت وخرجت من حيضها طلقها تطليقة أخرى من غير جماع يشهد على ذلك ثم يراجعها أيضا متى شاء قبل أن تحيض ويشهد على رجعتها ويواقعها وتكون معه إلى أن تحيض الحيضة الثالثة، فإذا خرجت من حيضتها الثالثة طلقها التطليقة الثالثة بغير جماع ويشهد على ذلك، فإذا فعل ذلك فقد بانت منه ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. قيل له: وإن كانت ممن لا تحيض؟ فقال: مثل هذه تطلق طلاق السنة. [2]

من حيث السند: للرواية ثلاثة طرق، محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى، ومحمد بن يعقوب عن عدّة من اصحابنا، ومحمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم، " جميعا " يعني عن سهل بن زياد وعن ابراهيم بن هاشم وعن احمد بن محمد الثلاثة جميعا عن زرارة، الطريق الاول فيه سهل بن زياد نحن نتوقف في توثيقه، لكن الطريقين الآخرين معتبران من اعلى الاعتبار، إذن الرواية صحيحة معتبرة جدا.

إذن هذا أحد معاني الطلاق العدّي، الذي هو الطلاق الاول ثلاثة مرّات والرجوع في اثناء العدّة.

اما الطلاق العدّي بالمعنى الأخص الذي يحرّم في الطلاق التاسع، يكمل صاحب الجواهر:

" فإن نكحت وخلت ثم تزوجها، فاعتمد ما اعتمده أولا، حرمت في الثالثة حتى تنكح زوجا غيره، فإن نكحت ثم حلت فنكحها، ثم فعل كالأول حرمت في التاسعة تحريما مؤبدا بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه (المحصّل والمنقول)، الدليل الاول على انحصار الطلاق المحرّم تسعة أولا الاجماع الذي نقله صاحب الجواهر، وفيه انه اجماع مدركي.

الدليل الثاني الروايات: كخبر ابي بصير الموثق بعلي بن ابي حمزة البطائني: خبر ابي بصير: محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى (ثقة)، عن أحمد بن محمد (ثقة)، عن علي بن الحكم (ثقة)، عن علي بن أبي حمزة (اوثقة وان كان واقفيا)، عن أبي بصير [3] ، عن أبي عبد الله () في حديث قال: سألته عن الذي يطلّق ثم يراجع ثم يطلّق ثم يراجع ثم يطلّق؟ قال: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، فيتزوجها رجل آخر فيطلقها على السنة ثم ترجع إلى زوجها الأول فيطلقها ثلاث مرات وتنكح زوجا غيره فيطلقها ثلاث مرات على السنة ثم تنكح فتلك التي لا تحل له أبدا، والملاعنة لا تحلّ له أبدا ".[4]

والمراد من السنة في الحديث السنة بالمعنى الاخص أي يراجع في اثناء العدّة، والطلاق السني بالمعنى الأعم مقابل البدعة أي ما كان على الشروط الشرعية حتى لو راجع بعد العدّة يشمل هذا وغيره.

قد يقال ان الرواية تحرّم مؤبدا، لكن الرواية لا تدل على ان غيرها لا يحرّم مؤبدا، إذن ما الدليل على الانحصار؟

نقول: دليلها قوله (ع): " فتلك التي لا تحل له أبدا "، في ادوات الحصر " إلا " " غير " سوى " ومن جملة ادوات الحصر قالوا تعريف المسند والمسند اليه مثلا: " زيد المنطلق، زيد الشاعر " القصر الاضافي مع تعريف السند والمسند إليه يدل على الانحصار والاستثناء، قال: " فتلك التي لا تحل له أبدا "، " فتلك " الاضافة إلى مفهوم الحصر الناشيء من تعريف المسند والمسند اليه في قوله (ع) " فتلك التي لا تحل له أبدا " نستدل على ان الرواية تدل على حصر الطلاق المحرّم التاسع بان يرجع اليها في اثناء عدتها.

وخبر جميل بن دراج: الوسائل ح 2 - محمد بن الحسن (الطوسي) بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا طلق الرجل المرأة فتزوجت ثم طلقها فتزوجها الأول ثم طلقها فتزوجت رجلا ثم طلقها فإذا طلقها على هذا ثلاثا لم تحل له أبدا. ورواه الكليني عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، وعن علي بن إبراهيم عن أبيه جميعا، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله عليه السلام: وعن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام. [5]

من حيث السند: معتبر. والطرق ايضا معتبرة. عدا الطريق الذي فيه سهل بن زياد.

ومن حيث الدلالة: نقول: الرواية تبيّن الطلاق السني الذي تحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره وغير ناظرة إلى الطلاق الذي تحرم معه أبدا.

وح 4 – محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن المثنى (مردد بين أكثر من واحد، الحنّاط وابن الوليد، ونحن ذهبنا إلى ان البزنطي لا يروي إلا عن ثقة، فالمثنى هو الثقة)، عن زرارة بن أعين وداود بن سرحان، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: والذي يطلق الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات وتزوج ثلاث مرات لا تحل له أبدا. [6]

من حيث السند صحيح.

ملخّص أدلة من قال بانحصار التحريم المؤبد بالدخول أثناء العدّة:

إذن من قال بالانحصار التحريم المؤبد بالدخول اثناء العدّة دليله: الاجماع، ثانيا: خبر ابي بصير.

والمحقق في الشرائع يقول: إذا طلقها فخرجت من العدّة ثم نكحها مستانفا ثم طلّقها وتركها حتى قضت العدّة ثم استانف نكاحها، ثم طلّقها ثالثة، حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره، فإذا فارقها واعتدت جاز له مراجعتها، ولا تحرم هذه في التاسعة. [7]

ملخص دليل من قال بالشمول:

خبر جميل بن دراج عن ابي عبد الله (ع) وخبر ابراهيم بن عبد الحميد المتقدّم الذكر وذكرناهم لقوة دلالتهما ولصحة سندهما وكذا خبر زرارة وداوود بن سرحان المتقدّم الذكر: " قال: والذي يطلق الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات وتزوج ثلاث مرات لا تحل له أبدا ". وهذا يعني ان الذي يطلّق الطلاق الذي لا تحل له سواء رجع إلى النكاح بأثناء العدّة أو بعد العدّة. الرواية عمومها واضح وسندها متين، لذلك نقول:

تعارض الادلّة: والانصاف أن أدلّة الشمول اقوى من أدلة الانحصار، لكن بينهما تعارض.

قد يقال: هنا تفصيل: العام يخصص بالمفهوم، وهذا من تطبيقات تقديم المفهوم على العام أو العام على المفهوم عند تعارضهما. في الرواية عموم " كل من يطلق الطلاق الثلاث الذي لا تحل له ابدا " وبخبر ابي بصير: " فتلك التي لا تحل له أبدا "، مفهومها مفهوم الحصر" غيرها لا يحرم ابدا " فصار مفهوم الاولى يعارض عموم الثانية، لكن الاولى تعارض لا بالمنطوق بل بالمفهوم. بلا شك نقدم المفهوم على العموم من باب تقديم الخاص على العام أو كما قلنا في درس الاصول: إذا كان المخصص خاصا نقدّم الخاص على العام حتى لو كان مفهوما على العموم، اما إذا كان عموم وخصوص من وجه ليس هناك دليل على التقديم لان كل منهما أخص من وجه. وهنا في مسألتنا هل هناك عموم وخصوص من وجه أو عموم وخصوص مطلق؟ الظاهر انه عموم وخصوص مطلق فيقدم المفهوم على العام ولعلّ هذا هو سرّ الاجماع.

بعبارة اخرى للتوضيح: عندنا رواية صحيحة معتبرة، بمفهومها تدل على الانحصار، وعندي عمومات بروايات معتبرة بعمومها تشمل الرجوع اثناء العدّة وما بعدها، فتعارض المفهوم مع العموم، هنا فلنرجع إلى المسألة الاصولية وقلنا هناك إذا كان بينهما عموم وخصوص من وجه يقع التعارض ونحتاج إلى قرائن، ونرجع إلى علامات التعارض، وإذا كان بينهما عموم وخصوص مطلق فان تقديم الخاص على العام أقوى ظهورا من أي مرجحات اخرى، وتصوري لعلّ هذا هو منشأ الاجماع وان لم يشر اليه أحد، والجمع بين الروايات يساعد على تقديم الخاص.

النتيجة: نحن نذهب إلى الانحصار كما هو الإجماع فطلاق العدّة هو الذي يطلقها ويود اليها في اثناء العدّة ثم يطلقها ويعود اليها اثناء العدّة ثم يطلقها فتحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره، فإذا فعل ذلك ثلاثة مرّات على نفس الصورة حرمت عليه مؤبدا، وإلا إذا اختلت الصورة بصور اخرى كما لو عاد اليها بعقد جديد فلا تحرم ابدا بل حتى ولو بعد مئة تطليقة تبقى حلالا عليه.

حكمة هذا في التشريع: وقلنا ان هذا الحكم فيه حكمة جميلة فإن من يرجع اثناء العدّة مستخف بالطلاق أو للإهانة لزوجته لذلك ورد في مكاتبة محمد بن سنان، الوسائل: 8 - وبأسانيده الآتية، عن محمد بن سنان، عن الرضا عليه السلام فيما كتب إليه في العلل: وعلة الطلاق ثلاثا لما فيه من المهلة فيما بين الواحدة إلى الثلاث لرغبة تحدث أو سكون غضبه إن كان ويكون ذلك تخويفا وتأديبا للنساء وزجرا لهن عن معصية أزواجهن فاستحقت المرأة الفرقة والمباينة لدخوله فيما لا ينبغي من معصية زوجها، وعلّة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات فلا تحل له أبدا عقوبة لئلا يتلاعب بالطلاق فلا يستضعف المرأة ويكون ناظرا في أموره متيقظا معتبرا وليكون ذلك مؤيسا لهما عن الاجتماع بعد تسع تطليقات . ورواه في ( الفقيه ) بإسناده عن القاسم ابن الربيع ، عن محمد بن سنان مثله . [8]

استضعاف المرأة يكون إذا كان الرجوع بيده اثناء العدّة أما إذا كان بعد العدّة، فلا استضعاف لأن رجوعها بإرادتها بعقد جديد.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo