< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

44/03/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القطع: التجري.

     هل يحرم شرب الماء على انه خمر تمردا بالعنوان الثانوي؟

     الوجه الأول: إن القطع بالمفسدة يوجب حدوث المفسدة في المقطوع به.

وجوابه: لان الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد وحينئذ نحكم بحرمته شرعا.

     الوجه الثاني: ان القبح يسري من سوء السريرة إلى نفس الفعل، وحينئذ نحكم بحرمته شرعا لان ما قبح عقلا حرم شرعا، وجوابه.

شرب الماء بعنوانه الأوّلي ليس حراما لكن شربه تمرّدا على انه مقطوع الخمرية بالعنوان الثانوي أدى إلى حدوث مفسدة فيه وحينئذ صار مفسدة ولما كانت الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد إذن صار محرما.

أو ان هذا القبح النفسي هل يفيض بحيث ان يؤدي إلى قبح نفس الفعل؟

هل أصبح الفعل محرما لكن بعنوان ثانوي لا بالعنوان الأوّلي؟

فقد يدّعى حرمة الفعل المتجرّى به بملاك التمرّد على المولى فصار شرب الماء حراما بعنوان آخر، لا بعنوان الأولي، أي لا بعنوان انه ماء، بل بعنوان انه مقطوع الخمريّة.

واستدل له بوجوه:

الوجه الأول: إن تعلّق القطع بانطباق عنوان ذي مصلحة على شيء يوجب حدوث المصلحة في ذلك الشيء، فيكون واجبا لكون الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد.

مثلا يجب قتل الشخص المحارب الذي ظننت انه عدو لكن تبيّن أنه صديق أو صالح، فلا مصلحة بقتل هذا الشخص لكن بعنوان آخر ثانوي وهي اني قطعت بمصلحة قتل هذا الشخص المحارب لانه عدو فتحدث مصلحة في قتله وان كان في الواقع لا مصلحة في قتله.

مثال آخر: شرب الخمر لا مصلحة فيه لكن تصوري وقطعي بانه دواء، فشربته على انه دواء يحدث فيه مصلحة،

وهكذا تعلّق القطع بانطباق عنوان ذي مفسدة على شيء يوجب حدوث المفسدة فيه، فيكون حراما لذلك.

فالفعل المتجرى به وإن كان مباحا بعنوانه الاوّلي، إلا أنه صار واجبا أو حراما بعنوانه الثانوي، أي بعنوان آخر غير عنوانه الأولي وهو كونه مقطوع الوجوب أو مقطوع الحرمة.

وفيه: إن القطع بكون الماء سُمّا لا يجعل له أثر السمّ، ولا يجعله سمّا.

قد يقال: إن القطع قد يؤدي إلى بعض الآثار، وقد ورد في الحديث " ان من اعتقد بحجر كفاه " .

قلنا إن القطع له أثر في النفس كالطمأنينة وراحة الأعصاب التي لها ثمرات ايجابيّة أو سلبية أحيانا، لكن هذا لا يجعل المصلحة في نفس الفعل بل المصلحة في القطع، وهذا لا علاقة له بنفس الفعل.

ومن الواضح أن المصلحة والمفسدة من الآثار التكوينيّة التي لا علاقة للقطع فيها، والقطع لا دخالة له في حدوث الأمر وعدمه.

كذلك يؤدي إلى جعل مصلحة فيكون نوعا من التصويب، حيث قيل إن قيام الأمارة على شيء تؤدي إلى حدوث مصلحة فيه.

وهذا لا دليل عليه، بل بطلانه لا يحتاج إلى دليل، فضلا عن عدم وجود دليل عليه.

إذن ان القطع بوجود مصلحة لا يؤدي إلى حدوثها، وكلامنا في المصلحة الحادثة في نفس الفعل الذي يؤدي إلى تحريم وتحليل. نعم توجد آثار للقطع نفسيّة وغير نفسية، وتوجد له احكام، لأنها ليست من آثار الفعل المقطوع به ولا من آثار الجعل. وقلنا ان الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد إما في متعلقاتها وفي جعلها.

الوجه الثاني لتصور حرمة الفعل بالعنوان الثانوي: إن التجرّي كاشف عن سوء سريرة العبد وخبث باطنه وكونه في مقام الطغيان على المولى، وهذا يوجب قبح الفعل المتجرى به عقلا، فيحكم بحرمته شرعا للملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع.

وفيه: ان كون الفعل كاشفا عن سوء سريرة الفاعل لا يوجب قبح الفعل، فإذا أراد شخص شرب الخمر فتبيّن انه ماء فهو لا يكشف عن قبح شرب الماء فيكون القبح في التجري وليس في نفس الفعل. بعبارة أخرى: القبح الفاعلي السريرة لا تسري إلى نفس الفعل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo