< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

44/04/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الخَلع.

     إذا أتت بفاحشة جاز عضلها لتفتدي نفسها.

     دليله الآية الكريمة: ﴿ولا تعضلهن﴾ ... وقيل إنها منسوخة بآية الحد، ولم يثبت.

     معنى العضل: التضييق والشدة.

     إعراب "كرها" الأقوى انه نصب على التمييز لا على الحاليّة كما ذكر الطبرسي في مجمع البيان.

نعود لمسألة: إذا أتت بفاحشة جاز عضلها لتفتدي نفسها:

ففي قوله تعالى: ﴿وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾. [1]

والكلام في معني الفاظ الآية الكريمة، وفي احكام العضل. فهل إذا عضلها وضيّق عليها حتى تتنازل عن مهرها، فتنازلت عن مهرها.

هنا ما هو حكم هذا الطلاق؟

هل يقع الطلاق؟ وإذا وقع هل يقع بائنا أم رجعيا؟ وإذا كان رجعيا ورجعت هل يعود لها المهر؟

المهم في المسألة انه هل يقع بائنا أو رجعيا إذا أتت بفاحشة جاز عضلها لتفدي نفسها؟

طبعا الأصل عدم جواز أخذ شيء من المهر حتى لو كان قنطارا فلا يجوز الإخذ منه، فالأخذ يحتاج إلى دليل.

ودليله هنا قول الآية المباركة: ﴿وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾. [2]

نعم وقع الكلام في أمور:

الأول: قيل انها منسوخة بآية الحد: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [3]

فنقول: أولا: وهذا القول بأن الآية منسوخة هو عند أبناء العامّة، وليس عند فقهائنا.

ثانيا: ان النسخ يحتاج إلى دليل، لم يثبت النسخ فالأصل عدمه. والمدار للبحث عن النسخ هو ما يتوهّم من تعارض المفاهيم أو او المضمونين.

ونقول: انه لا يوجد تعارض بين المضمونين، فلا مشكلة ان يقام عليها الحد، وان يعضلها لتتنازل عن مهرها أو شيء منه لتفتدي نفسها فيخلعها. سابقا كانت يد الحاكم الشرعي مبسوطة فبمجرّد ان زنت كان يقام عليها الحد، اما في أيامنا مع عدم بسط يد الحاكم الشرعي لو زنت ألف مرّة لا تحد فيحق له حينئذ ان يعضلها، وبد ذلك ويقام عليها الحد أو امكن. فلا وجود للتعارض ليكون مبررا لدعوى النسخ.

الثاني: أما من جهة الالفاظ: الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾ [4]

لا بأس أولا بالنظر إلى الشطر الأول من الآية: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً "، لهذه الآية قراءتان.

واختلف في معنى: ﴿ترثوا النساء﴾ ، بعضهم قال: الاصل الحقيقة أي ان المراد: ترثوا النساء، وقال آخرون المراد ان ترثوا اموال النساء.

هل هناك محذوف مقدّر، هل هناك مجاز بالاسناد، أو مجاز بالمفرد، أو الحقيقة وهي ان ترث نفس المرأة؟

بعضهم قال: انه ترث نفس المرأة كرها منها، لانه كان في الجاهلية إذا تزوج احدهم امرأة وكان لديه اولاد من غيرها ومات، كان يحق لابنه أن يرثها كما قيل، أو يرث نكاحها بمعنى ان يملك اكاحها، ويقول: أرثها كما أرث أبي. اي يكون نكاحها بيده بكونه أصبح وليا لها، حتى انه يستطيع ان ينكحها هو او يزوجها.

فهذا وجه لمورد الآية، فلا يكون من باب المجاز في الاسناد ولا المجاز في المفرد، بل في الحقيقة إذا كان المراد نفس النساء، ومجازه في الاسناد: " إذا اراد نكاحهن ".

أما إذا قلنا بالمجاز في الاسناد وقلنا أن المراد أن ترثوا أموال النساء كرها، يعني يعضلها فلا يزوجها حتى يرث الاموال. صار معنى النساء أعم من الزوجة وتشمل الاخت والبت وكل من كان تحت ولايته.

وقوله تعالى: ﴿وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ ، اللغة في تفسير مجمع البيان للطبرسي (ره): العضل: التضييق بالمنع من التزويج.

وفيه نظر، فاصل العضل التضييق والشدّة، والمنع من التزويج موضوع الآية وليس مطلقا، تطبيقه على المنع من التزويج في الآية.

ويكمل في مجمع البيان: وأصله الامتناع. ومنه الداء العضال الذي لا يبرأ، والفاحشة: مصدر كالعاقبة والعافية. الفاحشة: الشنار. والفحش: القبيح.

وفي الآية: ﴿أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً﴾ ، اعربت " كَرْهاً " مصدر وضع موضع الحال من النساء والعامل في الحال "ترثوا ". وكونهن كارهات.

ونقول: أن الحال لا يأتي إلا مشتقا وهنا كرها أتت مصدرا فيجب إلى تأويلها.

والانسب في اعرابها ان تكون تمييز نسبة، أي النصب على التمييز، لان التمييز بيان ما ابهم من الأفراد والنسب، والحال بيان ما بهم من الهيئات. وهنا المراد: لا يحلّ لكم ان ترثوا النساء من جهة إكراههن بحسب الظاهر. ثم إن الحال يحتاج إلى تأويل المصدر " كرها " بوصف " كارهات " أو " مكرهات " والأصل عدم التأويل.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo