< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

44/05/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحث الهلال: بداية الشهر القمري.

     إمكان الرؤية بالعين المجرّدة وهو المختار.

     المقصد الثاني: في وسائل الاثبات.

     اليقين. وهنا اليقين بوصول القمر إلى مرحلة الهلالية.

     أدلته: اليقين هو الغاية الأساس لكل العناوين سواءً في الموضوعات أم الأحكام أم الفروع أم في الأصول. القرآن يقول: " إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ". كذلك الروايات.

القول السادس إمكان الرؤية بالعين المجرّدة:

وهو المختار: وهو إن بداية الشهر القمري هي من حين وصول القمر بعد خروجه من المحاق إلى مرحلة الهلاليّة، أي يسمّى هلالا عرفا، أي يمكن أن يراه عامة الناس بالعين المجرّدة عند عامّة الناس لولا المانع، سواء تمّت وتحققت رؤيته فعلا أم لا.

بعبارة ثانية: هناك قضيّة شرطية واقعة في جواب سؤال: " متى تكون بداية الشهر؟ بداية الشهر هي أن يصل القمر إلى هذه الموقعيّة أي الهلالية وهي أن يراه عامّة الناس إلا ان يكون هناك مانع.

والدليل عليه يتمّ بعد تمام عدّة أمور:

الأول: إن بداية الشهر هي الهلال، وليس التولّد، وقد بيّنا ذلك في الجواب على القول الأوّل أي التولّد.

الثاني: إن تحقق الرؤية ولها وجهان: طريقي وموضوعي من جهة هي طريق ليس لأثبات بداية الشهر، ومن ناحية أخرى لها موضوعية لأن الموضوع هو الهلال وليس علم المكلّف، يتحقق الهلال سواء علم أم لم يعلم، ولا علاقة للعلم بثبوت بداية الشهر، نعم له دخالة في التنجيز، وقد بيّنا ذلك سابقا، بداية الشهر أمر تكويني فإذا وصل إلى مرحلة الهلاليّة بدأ الشهر.

وتمّ الاستدلال عليه باشتراط اليقين في بعض الروايات، وبوجوب قضاء اليوم الذي لم يرَه أهل البلد ولكنه رؤي في بلد آخر، حيث يدلّ بالملازمة العرفيّة على أن بداية الشهر هو وصول القمر إلى مرحلة الهلاليّة وهو أن يمكن أن يرى بالعين العاديّة المجرّدة. وتصبح الرؤية فعليّة لولا المانع.

النتيجة: إنا نختار هذا القول الأخير وهو أن بداية الشهر القمري هي من حين وصول القمر إلى مرحلة يمكن للعين المجرّدة العاديّة أن تراه، أي وصل مرحلة الهلال ولذلك إذا رأته عين رأته ألف عين وحينئذ يثبت أول الشهر إذا تيقّنا من ذلك سواء تمّت الرؤية الفعليّة أم لم تتم.

هذا بالنسبة للمقصد الأول وهو عالم الثبوت، واقع الأمور، وعالم المفاهيم.

المقصد الثاني: عالم الاثبات، وهو في وسائل الاثبات:

أي كيف يثبت الهلال أو بداية الشهر القمري؟

ونبحث في مسائل:

    1. اليقين بوصول القمر إلى مرحلة الهلاليّة.

    2. الشياع.

    3. البيّنة.

    4. كون البيّنة من الرجال.

    5. شهادة العدل الواحد. شهادة عدلين.

    6. إذا ثبت في الشرق ثبت في الغرب دون العكس.

    7. مسألة وحدة الأفق.

    8. رؤية الهلال مُطوّقا.

    9. رؤية الهلال قبل الزوال أو بعده.

    10. الاشتراك في الليل.

    11. إتمام ثلاثين يوما.

    1. اليقين:

لا شك في أن جميع الموضوعات ثبتت باليقين، فإن اليقين حجته ذاتيّة، وهي الطريق الأول والأساس للإثبات، " ان الظن لا يغني من الحق شيئا " والظن هنا بمعنى ما دون اليقين ودرسنا في الأصول عدم حجيّة الظن. وهذا عام للأحكام والأصول والفروع والموضوعات والعقائد وغير ذلك.

أما الوسائل الأخرى فهي وسائل تنزيليّة واعتباريّة، والتنزيل لمنزلة العلم يحتاج إلى دليل.

ولذا فحصول اليقين كاف في إثبات وصول القمر إلى مرحلة الهلاليّة، هذا أولا.

وثانيا: فإن اليقين لازم للعديد من الروايات الواردة في النهي عن التظنّي، وقد ذكرنا سابقا في مقدمات الردّ على القول الأوّل فلا نعيد. لكن لا باس بذكر إحداها:

ففي وسائل الشيعة: ح 1 محمد بن الحسن بإسناده (قريب الاعتبار) عن محمد بن الحسن الصفار (ثقة وجيه)، عن محمد بن عيسى (ثقة) قال: كتب إليه أبو عُمر أخبرني يا مولاي إنه ربما أشكل علينا هلال شهر رمضان ولا نراه ونرى السماء ليست فيها علة ويفطر الناس (العامّة) ونفطر معهم، ويقول قوم من الحساب قبلنا: إنه يرى في تلك الليلة بعينها بمصر وإفريقية والأندلس، هل يجوز يا مولاي ما قال الحساب في هذا الباب حتى يختلف العرض (الفرض ظ) على أهل الأمصار فيكون صومهم خلاف صومنا، وفطرهم خلاف فطرنا؟ فوقع لا صوم من الشك أفطر لرؤيته وصم لرؤيته.([1] )

من حيث السند: الرواية مضمرة لكن مقبولة.

ومن حيث الدلالة: واضحة في كون اليقين كافيا في الاثبات، و" لا صوم من الشك " ويشير إلى حصول الشك أيضا عندهم قوله: " قوم من الحُسَّاب ".

قد يقال: إن الفلكيين يختلفون في إمكان الرؤية، فلا يحصل اليقين، ولا طرق لنا إليه إلا بالرؤية الفعليّة.

فإنه يقال: إن الحجة هي حصول اليقين وليس قول الفلكيين، فإن قول الفلكي بما هو فلكي ليس بحجّة قطعا، نعم إذا أورث قول الفلكي اليقين فإنه يصبح حجّة لا محالة، ولكن الحجة حينئذ هو اليقين الحاصل من قوله لا نفس قوله. وشأن ثبوت الهلال شأن سائر الموضوعات في الرجوع إلى أهل الخبرة الذي يكون وسيلة لتحقق انكشاف الموضوع.

وقد ذكرنا في مباحث علم الأصول أن الرجوع إلى أهل الخبرة عند العقلاء ليس أمرا تعبديا نصيا، أي لا يؤخذ بما هو هو عندهم، بل لأن من شأنه أنه يورث الاطمئنان، وهو ما يسمى بالعلم العرفي وقد اقرّه الشارع، ولذا يرجع الناس إلى الأطباء وغيرهم، ولا يرجع العقلاء إليهم لمجرّد كونهم أطباء. ولذا، لو شككنا في مهارة الطبيب فاني لا أرجع إليه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo