< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

44/05/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحث الهلال: بداية الشهر القمري.

     المقصد الثاني: في وسائل الاثبات.

     لو اختلف علماء الفلك فلا شك حينئذ بعدم حصول اليقين، فلا يمكن الاعتماد عليهم، لأنه لا يورث أكثر من الظن.

     مبحث سندي: في سند الرواية الدالة على وحدة الأفق: أبو بصير يدور بين المرادي والاسدي الثقات، والاعمى الضعيف. ينقل الكاظمي ان من يروي عنه شعيب العقرقوفي هو الاعمى الضعيف.

 

قلنا انه في عالم الاثبات نثبت الهلاليّة باليقين، ولا شك في أن جميع الموضوعات يجب اثباتها بدوا باليقين، فإن اليقين حجته ذاتيّة، وهي الطريق الأول والأساس للإثبات، " ان الظن لا يغني من الحق شيئا " والظن هنا بمعنى ما دون اليقين ودرسنا في الأصول عدم حجيّة الظن. وهذا عام للأحكام والأصول والفروع والموضوعات والعقائد وغير ذلك.

أما الوسائل الأخرى غير يقينيّة فهي وسائل تنزيليّة واعتباريّة، والتنزيل لمنزلة العلم يحتاج إلى دليل. [1]

ولذا فحصول اليقين كاف في إثبات وصول القمر إلى مرحلة الهلاليّة، هذا أولا.

نكمل وفي مسألتنا: لو اختلف علماء الفلك [2] فلا شك حينئذ بعدم حصول اليقين، (لأنه حاليا يختلفون كثيرا في وصول القمر إلى حالة الهلاليّة) فلا يمكن الاعتماد عليهم، لأنه لا يورث أكثر من الظن، والعمل به منهي عنه عموما، أو خصوصا كما في مسألتنا، حيث ورد جواز العمل بقولهم.

عند عدم حصول اليقين لاختلاف الفلكيين في المفهوم والمصداق، أو لغير ذلك، فماذا نفعل:

نقول: توجد مساحتان على وجه الارض:

المساحة الأولى: التي نتيقن فيها وصول القمر إلى مرحلة الهلاليّة، وحينئذ يجب الجري على هذا اليقين، واعتبار ذلك بداية الشهر.

المساحة الثانيّة: نشك فيها بالوصول إلى مرحلة الهلاليّة وحينئذ فالأصل عدم حدوث حالة الهلاليّة، واستصحب الحالة الماضية وهي عدم الهلالية.

ولكن قد يقال بإمكان إثبات بداية الشهر بالروايات التي استدل بها على وحدة الأفق، كما ذهب إليه بعض الأعاظم نذكر منها:

في الوسائل: ح 1- محمد بن الحسن (الطوسي (ره)) بإسناده (صحيح) عن الحسين بن سعيد (ثقة)، عن حماد (ثقة)، عن شعيب (ثقة، والظاهر أنه العقرقوفي)، عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن اليوم يقضى من شهر رمضان؟ فقال: لا تقضه إلا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر، وقال: لا تصم ذلك اليوم الذي يقضى إلا أن يقضي أهل الأمصار، فان فعلوا فصمه. ([3] )

غيرها من الروايات التي سنذكرها في مسألة وحدة الأفاق فانتظر قليلا.

وها هنا مبحث روائي سندي:

الرواية من حيث السند: أبو بصير مشترك بين الثقة وغيره فالثقة هو المرادي والاسدي والضعيف أبو بصير الاعمى، وأكثر الروايات هي عن الثقة ليث بن البختري والاسدي. لكن الكاظمي يقول في مشتركاته " هداية المحدثين "، ص273: " وقيل إذا وردت رواية عن ابي بصير عن ابي عبد الله (ع) أو عن ابي جعفر (ع) أو في وسط السند، فإن كان الراوي عنه علي بن ابي حمزة البطائني، أو شعيب العقرقوفي، فهو الأعمى الضعيف، وإن كان غيرهما فهو مشترك بينه وبين ليث المرادي، واحتمال غيرهما بعيد، لعدم وروده في الأخبار... وليس هذا ببعيد ". انتهى.

إذن الرواية بنقل الكاظمي، ان ابا بصير إذا روى عن شعيب، فقد يكون هو الاعمى الضعيف، وهذا كاف في اسقاط الرواية، فمع الشك بانه الضعيف أو الثقة، فمع الاحتمال لا أستطيع العمل بالرواية إذ لا بد ان اثبت الوثاقة.

ومن حيث الدلالة: الشاهد في الرواية قوله (ع): من جميع أهل الصلاة، وأهل الامصار، التي تدل على العموم.

وهذا العموم استدل به من قال بوحدة الآفق، فإذا شهد شاهدان من كل أنحاء الأرض كفى ذلك في ثبوت الهلال في كل أنحاء الأرض.

ولكن يقال: إننا مع التأمل [4] ، نقول: إن هذا العموم مقيّد بخصوص من أمكن أن يرى عنده، وكأنه قال: " إذا شهد شاهدان في جميع أهل الصلاة ثبت الشهر في كل مصر أمكنت فيه الرؤية، أما ما لم يمكن فيه الرؤية فهو خارج تخصصا وموضوعا.

ولتقريب ذلك نعطي هذا المثال: لو قلت لك: " أعط السلاح لكل بني فلان ليدافع عن نفسه ". العموم هنا " بني فلان " جميعهم، ولكن هذا العموم مخصص بالقرينة اللبيّة وهي بخصوص من هو قادر على استعماله، أما من لا إمكانيّة فيه كالأطفال والمجانين فلا يشمله هذا الحكم.

ومثال آخر: إذا شككنا في غصبيّة عين ما، فأنا لا أستطيع أن أصحح بيعها بعموم ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾[5] ، فإن هذا العموم لا يتمّ إلا بعد تمام شروط العوضين. فلا أستطيع اثبات حليّة البيع بالعموم ولا اثبات صحة العوضين، وهل أستطيع بعنوان آخر اثبات قابليّة العين للبيع؟

الجواب: قطعا لا، وإن ذهب بعضهم إلى صحته. مثلا: في حليّة الشطرنج لا أستطيع إثبات حليّته بانه يدخل السرور على قلب الآخر، فاستحباب ادخال السرور، هل يصبح الشطرنج حلالا، لذلك قال الشيخ الانصاري (ره) بانه لا يمكن إثبات حكم الموضوع بتطبيق حكم لعنوان عام عليه، انه لا يكون ذلك بإدخال السرور بنحو الزنا وغيره.

المسألة إذن: هل أستطيع اثبات احكام الموضوعات بأحكام عناوين عامة أخرى.


[1] الاساس هو القطع لذلك قالوا: هل ان الامارات تقوم مقام العلم أو لا؟ لان حجيّة البيّنة والخبر الواحد تحتاج إلى دليل. لذلك اثبات الموضوعات يحتاج إلى دليل، واثبات الاحكام كذلك. ولذلك قلنا في تقسيم الشبهات، في الشبهة الحكميّة والمفهوميّة والموضوعيّة نبحث عن: علم (قطع ويقين) فعلمي، فاصل لفظي، فاصل عملي. نحتاج إلى هذه التراتبيّة في اثبات المفاهيم والاحكام والموضوعات في رفع كل الشبهات.
[2] هنا الاخذ بكلام الفلكي ليس لانه عالم فلكي، بل هو وسيلة لاثبات الموضوع فإذا اورث اطمئنان اخذنا به، بعبارة اخرى العلم والاطمئنان والقطع واليقين هو الحجّة، فيكون الاطمئنان هو الحجّة عليّ وليس قول الفلكي، ومع عدم الاطمئنان لا قيمة له ولا يكون حجّة. ملاحظة: ليس هناك أي مبحث في الأصول يبيّن اسباب العلم أو اسباب الشبهة الموضوعيّة، او اسباب الشبهة المصداقيّة. الشيخ الانصاري (ره) في الرسائل قسم الشبهات إلى قسمين: حكميّة وموضوعيّة، وبحث في اسباب الشبهة الحكميّة: وهي أما عدم النص، أو إجمال النص، أو تعارض النصين. أما في الشبهة الموضوعيّة فلم يذكر الاسباب أصلا، لأنها غالبا مسائل خارجيّة، والمسائل الخارجية لها الكثير من المناشئ ولا يمكن حصرها. ولذلك في الظهور ولانه أمر خارجي قالوا ان علامته الحلف بالعباس كما قال الشيخ حسين الحليّ (ره)، لانه قد يكون الظهور اللفظي في معنى اشارة الاصبع أو اشارة العين أو نبرة الصوت كما في الاستفهام بـ " هل "، التي يكون فيها الاستفاهم للتقرير أو الإنكار أو الإخباري، أو التوبيخي أو الحقيقي وغير ذلك. فهنا القرينة الحالية تدل على اللفظ وهذه القرائن خارجيّة لا يمكن حصرها.
[4] 1 لان هناك احكام مرتبطة بالنصوص فالمكلف العادي لا يسأل، بل السؤال يكون لأهل العلم وأهل الخبرة، اما إذا كانت الأمور عقلائيّة عاديّة منشأها العقلاء يسأل عن رأيه وكيف يتصرّف.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo