< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

44/05/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحث الهلال: بداية الشهر القمري.

     المقصد الثاني: في وسائل الاثبات.

     الاثبات الأوّل هو اليقين أيا كان منشؤه لأنه حجّة ذاتيّة.

     الوسيلة الثانية: الشياع إذا أفاد الاطمئنان، فيكون الاطمئنان هو الحجّة.

     الوسيلة الثالثة، البيّنة.

     الروايات في كفاية البيّنة متعارضة.

     بعض الروايات الواردة في كفاية البيّنة: كيفية الجمع بين روايتين معتبرتين سندا، حيث ورد في الأولى عنوان " شاهدان مرضيان " وفي الثانية " عدلان " هذا من باب العام والخاص الايجابيين، فيبقى العام على عمومه، أي تكفي الوثاقة، واما العدالة فهي أكمل الافراد.

نكمل الكلام في مسألة وحدة الأفق وسنتعرض لها في مقام الإشارة وقلنا في الدرس السابق أن هذه الروايات بغض النظر عن سندها وذكرنا رواية ابي بصير الضرير الضعيف غير الثقة التي ورد فيها: " فقال: لا تقضه إلا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة " ، وقلنا لعلّ هذا المضمون مقيّد بخصوص الأماكن التي يمكن أن يرى فيها الهلال، وذكرنا بعض الأمثلة على ذلك.

ومن هنا يظهر الإشكال فيما ذكره بعض الاعاظم كالسيّد محسن الحكيم في كتابه القيّم " مستمسك العروة الوثقى "، حيث لم يستبعد ظهور هذه الرواية في العموم، ودلالتها على وحدة الأفق، وأن كان هو (ره) قد ذهب إلى عدم تعدد الأفق.

وجوابنا أننا قلنا أن العموم مقيّد لبيّنا بأن المراد من جميع أهل الصلاة في ما أمكن أن يروه. ونحن لما قلنا أن العموم والأطلاق أمران وجوديان وليسا وجوديا وعدميا، فالأطلاق يحتاج إلى ظهور وليس مجرد احتمال عدم القرينة الذي يؤدي إلى التقييد، أي يجب ان يتحقق ظهور في الاطلاق.

نعم، يمكن أن يكون ذلك على نحو الحكومة، أي أن بداية الشهر تبدأ من حين إمكان رؤيته، ثم جاء دليل آخر حاكم وسّع مفهوم بداية الشهر لما يشمل البلاد التي لا يمكن أن يرى الهلال فيها، أي ببركة دليل " شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة " أو باليقين والاطمئنان أو الرؤية الشخصية أو البيّنة أو الشياع وغير ذلك، ليوسع دائرة المفهوم اثباتا أو نفيا لحكم بداية الشهر لكل بلد في الدنيا بشروط يذكرها.

بتعبير آخر: في الحكومة كأني قلت: " رؤية غيرك من جميع أهل الصلاة رؤيتك " ولا مانع من ذلك، كما الحديث:

"الطواف صلاة ".

والانصاف أن هذا ممكن لكن الحكومة تكلّف يحتاج إلى دليل وهو مفقود عندنا.

وسنعود للكلام عن هذه المسألة عند التكلّم في وحدة الأفق.

النتيجة: الاثبات الأوّل هو اليقين بوصول القمر إلى مرحلة الهلاليّة، وهو كافٍ لإثبات بداية الشهر القمري مهما كان منشأ اليقين، لان القطع حجته ذاتيّة أيا كان منشؤه سواء كان القرآن أو السنّة أو العقل أو العقلاء وغير ذلك من الأمور الخارجيّة كما بحثنا ذلك في علم الأصول.

لفت نظر: إذا تحقق اليقين فلا مانع حينئذ من إثبات أول الشهر ولو قبل زمنه بأيام أو أسابيع أو أشهر، ولا يشترط الانتظار إلى ليلة الأول من الشهر.

ومن وسائل الاثبات:

    1. الشيَاع:

إذا شاع بين الناس رؤية الهلال، بغض النظر عن عدالتهم وعدمها، فهو حجّة بشرط أن يورث الاطمئنان، وبالتالي فالاطمئنان هو الحجة، وهو ما يسمّى بالعلم العرفي. أما إذا لم يورث اطمئنانا فلا حجة فيه.

    2. البيّنة:

الروايات الواردة في حجيّها لاثبات بداية الشهر متعارضة، حيث يدل بعضها على كفاية الشاهدين وبعضها ينفي ذلك.

مما يدّل على كفاية البيّنة، منها:

ما في وسائل الشيعة: ح 8: محمد بن الحسن (الطوسي) بإسناده (ثلاثة طرق أحدها صحيح) عن الحسين بن سعيد (ثقة)، عن الحسن (الظاهر انه أخ الحسين بن سعيد)، عن صفوان (ثقة عين)، عن منصور بن حازم (ثقة)، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: صم لرؤية الهلال، وأفطر لرؤيته، وإن شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه. ورواه المفيد في (المقنعة) عن صفوان بن يحيى مثله. ([1] )

من حيث السند: معتبر صحيح.

ومن حيث الدلالة: كفاية البيّنة، وهي الشاهدان العادلان.

نعم قد يستفاد عدم اشتراط العدالة، بل تكفي الوثاقة من حيث دلالة " مرضيان " ذلك أن لفظ "مرضيان" ظاهر انه من حيث النقل فقط وليس من ناحية السيرة والسلوك الشخصي، كما هو المهم في الإثبات، أي من حيث الوثاقة، وذلك لمناسبة الحكم للموضوع نكتفي بالوثاقة. [2]

ومنها: ح 28 وعن ابن أبي نجران (ثقة)، عن عبد الله بن سنان (ثقة)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يصم إلا للرؤية أو يشهد شاهدا عدل. ([3] )

من حيث السند: معتبر.

ومن حيث الدلالة: اعتبار العدالة في الشاهدين.

مع التعارض بين الروايتين، التعارض بين ايجابيين عام وخاص، فالوثاقة أعم من العدالة، والقدر المتيقن العدالة، فهل نحمل العام على الخاص فيكون المطلوب هو خصوص العدالة في الشاهدين، وتكون الرواية الثانية مفسّرة للأولى، أم يبقى المطلق والعام على إطلاقه وعمومه، فيكون المطلوب هو الوثاقة في الشاهدين، أما العدالة فهي الفرد الأكمل أو غير ذلك من المبررات التي ذكرناها في مباحث علم الأصول، وهو المختار.

غدا نكمل الروايات.


[2] رد إشكال أحد الطلبة الافاضل: جاءت الآية الكريمة تقول: ﴿ان جاءكم فاسق ... فتبينوا﴾ وهذا المرضي وهو فاسق فلا يؤخذ بقوله. الجواب: إذا قلنا بان دليل حجيّة خبر الواحد هو الآية فقط، اما إذا قلنا ان الآية ليست إلا ارشاد إلى العقلاء، والعقلاء يعملون بمطلق الثقة. واما الآية فقد نزلت في حق شخص بعينه، مما يجعل إرادة المعنى اللغوي من الفاسق أمرا محتملا، بل هو الأقرب، والقدر المتيقن منه هو الكذاب، ولا ظهور للفاسق بالمعنى الاصطلاحي الخاص من فعل الواجبات وترك المرمات . وفي مسالتنا هنا بمناسبة الحكم للموضوع نحتاج للوثاقة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo