< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

44/06/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحث الهلال: بداية الشهر القمري.

     كيف نعالج التنافي بين الروايات باختصار.

     طريقة جمع الحر العاملي في وسائله، والتعليق عليه.

     النتيجة: يصح الجمع بين الروايات وهو من الجمع العرفي المعتبر وليس من الجمع التبرعي.

كان الكلام في مقام الاثبات، ذكرنا عدّة طرق منها القطع، والشياع، ونكمل الكلام في البيّنة التي هي حجّة في الموضوعات، وهي ان يقوم شاهدان عدلان، وذكرنا الروايات الواردة في ذلك، وبداية الشهر موضوع. لكن هناك روايات معارضة ان الاثنين لا يكفيان، فالرواية تقول لو رآه واحد رآه عشرة وإذا رآه عشرة رآه ألف، وفي رواية عشرة آلاف، وروايات واضحة في تكذيب الاثنين، منها ما ذكرناه:

في ح 14: عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: صم للرؤية، وأفطر للرؤية، وليس رؤية الهلال أن يجئ الرجل والرجلان فيقولان رأينا، إنما الرؤية أن يقول القائل: رأيت فيقول القوم: صدق. ([1] )

ومثلا: ح13: قال أبو عبد الله عليه السلام: لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا عدد القسامة، وإنما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر وكان بالمصر علة فأخبرا أنهما رأياه وأخبرا عن قوم صاموا للرؤية وأفطروا للرؤية.

التعارض بين الروايات واضح، روايات تقول بكفاية البيّنة، الشاهدين العادلين، وروايات تقول بعدم الكفاية.

كيف نعالج التنافي بين الروايات باختصار وبيان المراحل بالترتيب:

لحل التعارض قلنا ان هناك تنافيا ولا نذهب إلى باب التعارض إلا إذا استحكم التعارض، فكل دليلين متنافيين اجتمعا ظهورا ينتفي التنافي، مثلا: المطلق والمقيّد متنافيان، لكن عندما يسمعهما السامع الظهور اللغوي يجمع بينهما ويرتفع التنافي، وكذلك في العام والخاص، والحكومة كما في مثال: الطواف صلاة، والصلاة يجب فيها الوضوء ثم أقول الطواف صلاة من باب الحكومة كأني قلت ان الصلاة يجب فيها الوضوء والطواف يجب فيه الوضوء أكون قد وسعت المفهوم ليشمل الطواف. في البداية هناك تناف لكن بلسان توسيع المفهوم شمل الحكم للطواف. وهكذا في الورود، أو في الجمع العرفي مثلا: ثمن العذرة سحت، وفي رواية أخرى ثمن العذرة لا بأس به. أيها العرف ويا أهل المحاورة ويا أهل اللغة عندما تسمع ذلك مباشرة تجمع بانه إذا كان فيه فائدة فهو لا بأس به، وإذا لم يكن فيه فائدة فهو سحت. ومثلا في مزاح المؤمن ذكر انه عبادة وفي رواية أخرى ذم المزاح والضحك، عندما تسمع هاتين الروايتان تسمع تنافيا في بداية الأمر، لكن أهل المحاورة وأهل اللغة عندما يسمعون هذا الكلام مباشرة يقولون ان المراد من المزاح الذي هو عبادة هو المزاح الذي يدخل السرور أما ذاك لعلّه فيه اذية على الآخرين. او غير ذلك لا شعوريا الجمع بينها انك تتصرّف بهذا وبهذا فتقول ان المراد الذي فيه ثواب واجر ما أدخل السرور من دون أذيّة ولا هزال ولا من دون أن يؤخذ من عقله مجّة، ولا أن يؤخذ من كرامته ومكانته، أما الأخر فيه إشكال، مباشرة نجمع وهذا نسميّه جمعا عرفيا.

الجمع العرفي له اصطلاحان أو معنيين: معنى يشمل كل جمع عرفي أي إذا سمعه الناس يجمعون كذلك فيشمل الاطلاق والتقييد، والعام والخاص، والحكومة والورود، والظاهر والاظهر، وغير ذلك مما فيه تنافٍ بين مفهومين نحمل على الاظهر.

وهناك جمع عرفي بالمعنى الأخص الذي يكون قسيما للمطلق والمقيّد، والعام والخاص.

فإذا تناف الدليلان فإما ان يجمع بينهما السامع كأحد افراد العقلاء والعرف العام، وإذا لم يتمكن من الجمع بينهما قالوا: هل الجمع التبرعي حجّة أو لا؟ في الجمع التبرعي لا يوجد ظهور، بل اتبرع وأقول ان هذا محمول على كذا وهذا محمول على كذا واجمع بينهما حملا لا ظهورا. ذهب بعضهم إلى الحجيّة ونقل بعضهم الاجماع على حجيّته كصاحب غوالي اللآلي، ودليلهم ان الخبر الأول حجّة والخبر الثاني حجّة فلماذا أسقط حجيتهما أو دلالتهما اتبرّع من عندي لحل التنافي من باب التصالح فانه خير من التكاذب.

قلنا ان الجمع التبرعي ليس دليلا وليس حجّة لأنك تتصرف بالمدلول من دون دليل، أما مع وجود الظهور، الظهور حجّة. فإذا قلنا ان الجمع التبرعي ليس حجّة وصلنا إلى مرحلة استحكام التعارض، وحينئذ تأتي احكامه، هل يتساقطا أو الترجيح من المرجحات المنصوصة أو غير المنصوصة أو التخيير.

ونحن ذهبنا إلى اننا عند التعارض نذهب إلى المرجحات العقلائيّة التي تشمل المنصوص وغيره، قريب من رأي الشيخ الانصاري (ره) لكن مع قيد بسيط وهو ان المرجح يجب ان يكون مما يتبناه العقلاء في الترجيح، ودليلي على ذلك: عندما اقرّ الله عز وجل حجيّة الخبر، اقرّه بلوازمه. فعندما يستعمل الشارع لفظا أو اقرّ أمرا اقره بلوازمه، وتجريده عن اللوازم يحتاج إلى دليل، ومن جملة اللوازم كيف يتعامل العقلاء مع المتعارضين؟ فاما اتعامل مثلهم. نرى ان المنصوصات على ذلك كما في "خذ بأشهرهما" و "خذ بالأتقى، والاروع، والاصدق" وغير ذلك عند التنافي، وكذلك عند العقلاء يفعلون ذلك بغض النظر عن الشارع في هذا الامر.

ونعود للتنافي بين روايات حجيّة البيّنة وروايات نفيها: نحن سنرى ان هذا الروايات المتعارضة المتباينة، ليس هناك تعارض ولا تنافي، مباشرة السامع يسمع ويحمل الأمور على واقعها.

طريقة جمع الحر العاملي في وسائله: قال: أقول: هذا محمول على حصول الشبهة والتهمة، جمعا، بقرينة ذكر تكذيب الحاضرين لمدعي الرؤية بناء على الغالب من رؤية جميع الحاضرين له مع عدم المانع فالانفراد يوجب التهمة، أو مخصوص بعدم عدالة الشهود ليثبت الشياع بالخمسين إذ لم يذكر العدالة فيها بخلاف شهادة الرجلين قاله بعض الأصحاب، ونهي (عن هكذا الظاهر) شهادة الخمسين محمول على معارضة شهادة أكثر منهم لما مرّ من اشتراط اليقين دون الظن.

أقول أنا الفقير لرحمة الله: لقد أحسن (ره) في طريقتي الجمع.

قد يقال: إن الجمع هنا جمع تبرعي وهو ليس بحجّة.

فإنه يقال: الجمع الثاني (أي ليسا عدلين) قد يكون تبرعيا، لكن الأول (أي الحمل على الشبهة والتهمة) ليس كذلك مع ضميمة ما ذكرناه من أن بداية الشهر القمري هي بوصول القمر إلى مرحلة الهلاليّة وهو أن يراه الناس العاديون بالعين المجرّدة، وكما قلنا إن الرؤية بالعين المجرّدة العادية دخيلة في مفهوم الهلال. ولذا لو لم يره الناس عدا اثنين فهذا مدعاة للتشكيك بصحّة شهادتهما.

النتيجة: انه بناء على ما اخترناه من بداية الشهر القمري يصبح الجمع بين الطائفتين ظاهرا، فهو من الجمع العرفي المعتبر حينئذ وليس من الجمع التبرعي.

وسيلة الاثبات الرابعة شهادة العدل الواحد.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo