< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

44/07/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القطع:

     العلم الاجمالي، مسألة: التناقض بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي:

     عدم التناقض لاختلافهما موضوعا.

     وجوه الفرق بين الشبهة المحصورة والشبهة غير المحصورة.

     الوجه الاول: الكثرة والقلّة، وفيه: انه فرق غير فارق.

     الوجه الثاني: عدم القدرة على الموافقة القطعيّة، أو المخالفة القطعية.

عرجنا على التفريق بين الشبهة المحصورة وغير المحصورة، نلفت ان كلمة شبهة محصورة و شبهة غير محصورة لا توجد في نص كعنوان، الفقهاء او الاصوليين هم اخترعوا هذا العنوان لتنظيم المسائل، فليسا عنوانين موجودين في نص، فلو كانا موجودين في نص كان علينا ان نفهم معناهما، فالشبهة مفهوميّة لغوية ذكرنا حلّها في منهجية الاستنباط.

وعرجنا على قول السيد الخوئي (ره) الذي قال انه لا تنافي بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي في الشبهة البدوية، لا من حيث المبدأ أي الملاكات ولا من حيث المنتهى أي الامتثال، نعم هناك تناف في الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي لاصطدامها بالعلم التفصيلي بالجامع، وقال ان العلم الاجمالي كالعلم التفصيلي علّة تامّة في التجيز.

ثم يقول السيد الخوئي (ره) كما في تقريرات مصباح الأصول للبهسودي (ره):

" واما نحن ففي فسحة من هذا النقض (التناقض بين الشبهة المحصور وغير المحصورة)، لأنا نقول بعدم الفرق بين قلّة الأطراف وكثرتها في حكم العقل بلزوم الامتثال، فكما لا نلتزم بجريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي مع قلتها،...

(لانه يقول بان العلم الاجمالي علّة تامّة في التنجيز، والمخالفة الاحتمالية هي الاخذ بأحد الاطراف برايه وهي غير جائزة لان الحكم قد وصل اما تفصيلا واما اجمالا ولا فرق بين العلم التفصيل والعلم الاجمالي في وصول الحكم فيصير منجزا).

كذا لا نقول بجريانه مع كثرتها، نعم لو كانت الشبهة مما لا يمكن احراز الامتثال فيها أصلا - لعدم قدرة المكلف على الاتيان بجميع الأطراف في الشبهة الوجوبية، ...

(مثلا لو نذرت نذرا ونسيته فإذا كان صدقة مثلا فلا يمكن ان اتصدق على كثيرين لعدم القدرة على امتثال الجميع. المناط الذي يجعله السيد في الشبهة المحصورة هو عدم القدرة والضرر والحرج، وسنرى ان هذا المناط غير سليم).

أو على ترك جميع الأطراف في الشبهة التحريمية، أو كان فيه ضرر أو حرج على المكلف - لا يكون العلم الاجمالي فيها منجزا، إذ لا يكون امتثال الحكم الواقعي حينئذ لازما، لعدم التمكن منه، أو لكونه ضررا أو حرجا، ومع عدم لزوم امتثاله لا مانع من جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي، بلا فرق بين قلتها وكثرتها أيضا. فإذا قلنا إن الشبهة غير المحصورة لا يكون العلم الاجمالي منجزا فيها، كان مرادنا هو هذا المعنى، ولا مناقشة في الاصطلاح. وكم فرق بينها وبين الشبهة المحصورة، بمعنى كون الحكم الواقعي في أطراف أمكن امتثاله بلا لزوم حرج أو ضرر، فإنه يحكم العقل حينئذ بلزوم امتثاله كما عرفت. ومعه لا يمكن جعل الحكم الظاهري فيها كما تقدم". [1]

فالحكم الظاهري موضوعه الشك أو عدم وصول الحكم الواقعي، لكن هو (ره) قال ان الحكم الواقعي قد وصلني سواء كان اجمالا أو تفصيلا، فإذا وصلني الحكم الواقعي لا موضوع حينئذ للحكم الظاهري فاين التنافي؟ لكل حكم موضوعه، من قبيل:"إذا سافرت فقصر، وإذا كنت حاضرا فاتمّ"، فأين التنافي مع اختلاف الموضوعين؟ الحكم الظاهري موضوعه عدم وصول الحكم الواقعي.

ولا بأس في نهاية المطلب في الكلام عن تنجيز العلم الإجمالي بليّ العنان للكلام عنه في الشبهة غير المحصورة.

عدم تنجيز العلم الاجمالي في الشبهة غير المحصورة:

على حد اطلاعي، لا أعلم مخالفا في ذلك، لم اجد احدا يقول أن العلم الاجمالي في الشبهة غير المحصورة منجّز.

لكن الكلام في وجه رفع تنجيز المعلوم بالاجمال رغم وصوله، وجوه بل أقوال:

وقبل ذكرها نعرّج على كلام السيّد الخوئي (ره) لنقول أن كلامه يحتاج إلى التأمّل.

اولا العقل يحكم بعدم الفرق بين الشبهة المحصورة وغير المحصورة، مثلا ذبيحة محرّمة بين ذبيحتين وذبيحة بين ألف؟ العقل يحكم انه لا فرق بينهما بناء على التنجيز. نعم افترقت الأقوال في سعة تنجيزه كما سبق وذكرنا.

الوجه الأوّل في رفع التنجيز: ما ذُكِر من كثرة الأطراف.

وفيه: انه مجرّد قلّة الأطراف وكثرتها لا يوجب عدم التنجيز عقلا.

لا يقال: إن كثرة الأطراف جزء مقوّم لمفهوم غير المحصورة، فلا بد من أثر لذلك وهو رفع التنجيز.

فأن يقال: إن عنوان الشبهة غير المحصورة لا وجود له في النصوص الشرعيّة عن النبي (ص) وأهل بيته (ع).

بل هو من اصطلاحات الفقهاء، نعم وردت إرشادات إلى ذلك في بعض الروايات، مثلا: 5ح – احمد بن ابي عبد الله البرقي في المحاسن، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن أبي الجارود قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجبن فقلت له: أخبرني من رأى أنه يجعل فيه الميتة، فقال: أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم في جميع الأرضين؟! إذا علمت أنه ميتة فلا تأكله وإن لم تعلم فاشتر وبع وكل، والله إني لاعترض السوق فاشترى بها اللحم والسمن والجبن، والله ما أظن كلهم يسمون هذه البربر وهذه السودان. [2]

لكن سنبيّن أن رفع العلم الإجمالي ليس من أجل القلّة والكثرة، بل لأجل عدم الابتلاء لان جعل للاحكام الله عز وجل اخذ فيها المنحى العقلائي، فإذا لم يكن هناك ابتلاء بحكم ما فلا معنى ان يجعل له أحكام وإلا اصبح لغوا لا يصدر من الحكيم مع العلم أنه ليس ممنوعا عقلا لانه يمكن جعل حكم لذلك، فعقلائيا كون المسألة محل ابتلاء شرط اساسي في عقلائية الجعل والانشاء.

الوجه الثاني: عدم التمكّن من إحراز الامتثال بالاتيان بجميع الأطراف في الشبهة الوجوبيّة، أو على ترك جميع الأطراف في الشبهة التحريمّة، وحينئذ يرتفع التنجيز.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo