< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

44/07/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الخَلع.

- هل يجب الخلع على الزوج لو تمّ موضوع الخلع في حال بذات له مقابل الطلاق؟

- الدليل الثالث على عدم الوجوب ظاهر السنّة:"حلّ له ما أخذ منها"؟ وفيه: ان الحلّ متعلق بالفدية لا بالخلع.

- دليل من قال بالاستحباب وهو المحقق الحلّي (ره): الجمع بين اقوال الفقهاء والجمع بين الروايات والادلّة، أي بين ادلة الاباحة ونقل رواية في الوجوب.

الدليل الثالث على عدم الوجوب السنّة: ما في الوسائل:

1 - محمد بن الحسن، [1] عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا قالت المرأة لزوجها جملة لا أطيع لك أمرا مفسرا وغير مفسر حلّ له ما أخذ منها وليس له عليها رجعة.

ورواه الصدوق باسناده عن محمد بن حمران، عن محمد بن مسلم مثله. ورواه الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير مثله. [2]

السند صحيح، والرواية مستفيضة ومشهورة.

ومن حيث الدلالة قال صاحب الجواهر أن: " حل " لا تدلّ على وجوب الأخذ، بل على جوازه، والحلال يجوزة أخذه ويجوز عدم أخذه.

والجواب: ما أن متعلّق الحليّة هو المال وليس وجوب الخلع، أي أنه في مقام بيان حلّية المأخوذ وعدم كونه سحتا، فأين الظهور في عدم وجوب الخلع؟!

انما ذكر ذلك لان الآية التي ذكرناها قال تعالى: ﴿ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً﴾[3] .هناك نهي عن أخذ شيء من المهر، وقد يتوهم أنه يشمل بالعموم وباطلاقه كل مهر حتى المبذول في الخلع، أي الفدية، قد يتوهم الحرمة بسبب هذه الآية. فجاء رفع هذا التوهم بالتخصيص منه تعالى: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾[4] ، أي الا في حالة الخلع أو بحالة أخرى وهي حالة إتيانها بفاحشة ﴿ وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾[5] يعضلها لتتخلى عن المهر وفي غير ذلك فاخذ المهر حرام، فوردت الآية لبيان أن هذا المال ليس سحتا إذا أخذته وانح حلال وهذا المعنى لا علاقة له بوجوب الخلع وعدم وجوبه. وللتقريب مثلا: يحرم عليك ان تأخذ مني ليرة ذهب لكن إذا بعتني كتاب بليرة ذهب جاز لك ذلك وهذا لا يدل على لزوم أن تبيع الكتاب لي.

إذن هذه الادلّة الثلاثة تنفي الدلالة على الوجوب وتم ردّها.

اما دليل من قال بالاستحباب:

ذهب إليه المحقق الأول الحليّ (ره) في الشرائع، حيث يقول صاحب الجواهر في تعليقه على الشرائع: " بل لا دليل في شيء منها (الكتب والسنّة) على استحبابه وإن قال المصنّف وغيره يستحب، إلا انه للتسامح فيه، يمكن أن يكون وجهه الخروج من شبهة الخلاف (بين الوجوب وعدمه)، ولمِا أرسله في المتن من أن فيه راواية في الوجوب، وإن كناّ لم نقف عليها كما إعترف به غيرنا أيضا، إلا أنه لا ينافي ذلك الاستدلال على الندب المتسامح فيه بها ". [6] انتهى كلامه رفع مقامه.

وفيه: أولا: هذا يتمّ على القول بثبوت قاعدة التسامح في أدلّة السنن أي أن روايات " من بلغه عن النبي (ره) ثواب على عمل .. " تدلّ على استحباب للحكم البالغ، وهذا ما لا نقول به، بل نقول بثبوت الثواب فقط، وأما الاستحباب فهو تابع لملاكاته، وتتم الدلالة عليه بادلة أخرى.

وثانيا: الجمع بين الروايات هو ما يمكن أن يستظهر منه احيانا الاستحباب، كما لو ورد رواية في الوجوب ورواية في الاباحة، أما الجمع بين كلمات الفقهاء فلا يدلّ على الاستحباب كما ذكرنا في ان الاستحباب له ملاكاته وادلته.

إلا ان يقال: لقد ذكر المحقق (ره) ان فيه رواية في الوجوب. لكن صاحب الجواهر (ره) لم يجدها، ونقل ذلك عن غيره.

وأقول: اننا وجدنا الرواية وهي رواية جميلة التي نزلت بها آية الخلع فيها ظهور في الوجوب:

عن يحْيَى بْنُ سَعِيدٍ - عَنْ عَمْرَةَ «عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ سُهَيْلٍ؛ قَالَتْ: امْرَأَةٌ كَانَ هَمَّ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَهَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فَتَزَوَّجَهَا وَكَانَ فِي خُلُقِ ثَابِتٍ شِدَّةٌ فَضَرَبَهَا.

فَأَصْبَحَتْ بِالْغَلَسِ عَلَى بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالَتْ حَبِيبَةُ: أَنَا يَا رَسُولُ اللَّهِ لَا أَنَا وَلَا ثَابِتٌ.

قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ أَنْ جَاءَ ثَابِتٌ؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبْتهَا؟ قَالَ نَعَمْ ضَرَبْتهَا.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ (وآله) وَسَلَّمَ خُذْ مِنْهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ عِنْدِي كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ.

فَقَالَ: فَأَخَذَ مِنْهَا وَجَلَسَتْ فِي بَيْتِهَا». [7]

من حيث السند، ضعيف.

ومما رواه الطبرسي في سبب نزول الآية: " فانزل في ثابت بن قيس بن شماس وزوجته جميلة بنت عبد الله بن ابي، وكان يحبها وتبغضه، فقال لها: اترديِّن عليه حديقته؟ قالت نعم وازيده، قال لا حديقته فقط، فردّت عليه حديقته، فقال: يا ثابت، خذ منها ما اعطيتها، وخلّ سبيله، ففعل، فكان أو خلع في الاسلام ". [8]

فالرسول (ص) لم يخيّره ببين الطلاق وعدمه، بل أمره بالخلع، فالرواية ظاهرها في الوجوب. لكن المشكلة في سند الرواية.


[1] الاولى أن يقال بإسناده لان الفرق بينهما كبير، ونحن بحثنا السند في المختصر لمشيخة الطوسي (ره) وقلنا ان هناك ثلاثة طرق في السند الى كتاب الحسين بن سعيد، واحد منهم معتبر، فتكون الرواية معتبرة. ومشهورة ومستفيضة لتعدد السند.
[7] مجموعة الفتاوي، ابن تيميّة، ج1، ص327.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo