< قائمة الدروس
ضل

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

44/07/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحث الهلال: بداية الشهر القمري.

     شهادة العدل الواحد.

     قد يستدل له بالروايات وكفاية خبر الثقة في الموضوعات.

     تعارض أدلّة كفاية الواحد ومع ادلة عدم الكفاية، وكيفية رفع التعارض.

 

    1. شهادة العدل الواحد:

قد يستدل له بأمرين:

الأول: الروايات نذكر منها:

ح 11: محمد بن الحسن بإسناده (معتبر)، عن الحسين بن سعيد (ثقة)، عن يوسف بن عقيل (ثقة)، عن محمد بن قيس (ثقة)، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا رأيتم الهلال فأفطروا، أو شهد عليه عدل من المسلمين إلى أن قال: وإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا.

ورواه الصدوق بإسناده (معتبر) عن محمد بن قيس (ثقة عين)، مثله. [1]

من حيث السند: اسناد الشيخ الطوسي (ره) إلى الحسين بن سعيد معتبر، واسناد الصدوق (ره) إلى محمد بن قيس أيضا معتبر.

ومن حيث الدلالة: فقد يستدل بكلمة " عدل " أنها للواحد، لكن رأيت بعض اللغوين يقول: إن كلمة عدل قد تأتي للمفرد وتأتي للجمع بمعنى العدول. وبالتالي ليس لها ظهور في الواحد، لكن كلمة "عدل" مصدر وليس وصفا، ولذا يستعمل المصدر للمبالغة، ففرق بين قولنا "زيد عادل" وقولنا" زيد عدل" فان الثانية فيها مبالغة في عدالته، وكأن ليس فيه سوى العدالة. ولذلك صحّ حمل المصدر على المخبر عنه زيد. وبناء على هذا الاستعمال يمكن القول ان الرواية ظاهرة في العدل الواحد، لكنه شديد العدالة. هذا من جهّة.

ومن جهّة اخرى هذه الروايات معارضة بالروايات الكثيرة في اشتراط رجلين عدلين أو أكثر كما في "لو رآه رأه ألف" وغير ذلك، وقد عبّر عن الاشتراط بنحو الحصر، ففي عدّة روايات: " لا يثبت الهلال إلا بشاهدين عدلين، ولم يقل: يثبت الهلال بشاهدين عدلين على نحو الوصف. وبهذا، يقع التعارض بين مفهوم الحصر الذي يؤدّي إلى عدم ثبوته بالواحد، وبين الرواية المذكورة في كفاية الواحد.

قد يقال: لا وجود للتعارض، مثلا: إذا قال: "اتني بخمسين وقال: اتني بواحد" هذان امران لإيجابيان لا تعارض بينهم، فتعدد العدد لا تعارض فيه إلا إذا كان هناك مفهوم للعدد وكان في مقام التحديد، فمجرد بيان العدد والاعداد لا تتنافى فلا مفهوم لها وتكون من باب حمل الزائد على الافضليّة، وهذا موجود كثيرا في الروايات مثلا عدد الرضعات المحرّمة بالعشرة أو الخمس عشر رضعة.

لكن هنا الروايات التي وردت بعدم كفاية الاثنين العدلين نص بانه لا يكفي الواحد ولا الاثنين، فليس لمجرّد العدد بان الخمسين أيضا لا تكفي، لم يرد على نحو الوصف والنعت، بل ورد على نحو الحصر. هناك روايات تقول لا يكفي الواحد وروايات تقول بكفايته، وروايات تقول بعدم كفاية الألف والخمسين، وهناك روايات بنحو الحصر كما في: "لا يثبت الهلال إلا بشهادة عدلين" الحصر له مفهوم وهو من اقوى المفاهيم، بل لشدة ظهوره توهم بعضهم انه من المنطوق، فلو قال: "يثبت الهلال بشهادة عدلين" دون الحصر بـ "الا" وهذا الروايات تقول "يثبت بشهادة واحد" الروايتان ايجابيتان فيكون الشهادة بالعدلين أفضل لان مفهوم أحدهما لا يناقض الآخر إلا على إذا ورد على نحو التحديد. [2]

وهنا لو قال: أن الهلال يثبت بعدل واحد، ثم قال: يثبت الهلال بعدلين، نستطيع أن نقول: أن العدل الواحد كاف والاثنين أفضل. لكن عندما يقول: أن الهلال لا يثبت إلا بعدلين، تم الحصر، فيتنافى القولان ويقع التعارض.

فمع وقوع التعارض نعود للمرجحات العقلائية، والبعض يقول بالتخيير وصاحب الكفاية (ره) ينسبه إلى الأكثر.

ولكن الرواية المذكورة وللخدش والتشكيك بالدلالة عند البعض، لا تقاوم روايات التعدد لكثرتها وقوة أسنادها واشتهار العمل بها وغير ذلك من المرجحات.

الأمر الثاني: الذي يحتمل الاستدلال به على كفاية العدل الواحد هو: حجيّة خبر الثقة الواحد في الموضوعات:

إن القاعدة هي جواز العمل بخبر الواحد الثقة في الموضوعات كما اشتهر ذلك بالأمور التي لم يثبت بها دليل، وثبوت الهلال من الموضوعات فيثبت بالشاهد الواحد.

والجواب: هذا صحيح ويجوز التمسّك به لولا الروايات الدالة على عدم كفاية الشخص الواحد.

اشتراط كون البيّنة من الرجال:

وقد ورد فيها عدّة روايات معتبرة ذكرها الحر العاملي (ره) في الباب 11 من ابواب احكام شهر رمضان، نذكر منها:

ح (13435) - 3 محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم (ثقة)، عن أبيه (ثقة)، عن ابن أبي عمير (ثقة)، عن حماد بن عثمان (ثقة) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لا يجوز شهادة النساء في الهلال ولا يجوز إلا شهادة رجلين عدلين. ورواه الصدوق مرسلا نحوه. [3]

من حيث السند: صحيح.

ومن حيث الدلالة: فهي بالمنطوق والمفهوم نص على عدم قبول شهادة النساء وقبول شهادة رجلين عدلين.

نعم توجد رواية معارضة.

ح 15: محمد بن الحسن بإسناده (حسن)، عن علي بن الحسن بن فضال (ثقة فطحي)، عن محمد بن خالد (مقبول) وعلي بن حديد (المضعّف عن العديد من علماء الفن) ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب (ثقة) والهيثم بن أبي مسروق النهدي (ممدوح) كلهم عن علي بن النعمان (ثقة)، عن داود بن الحصين (ثقة واقفي)، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل قال: لا يجوز شهادة النساء في الفطر الا شهادة رجلين عدلين، ولا بأس في الصوم بشهادة النساء ولو امرأة واحدة. أقول: حمله الشيخ على الاستحباب لما مر. [4]

من حيث السند: معتبر.

وحمل الشيخ في محلّه. أولا: لما ذكره (ره) في الجمع مع الروايات السابقة في اشتراط كون الشاهدين من الرجال.

ثانيا: لأن روايات الاشتراط علّقت الشهادة بثبوت الهلال، وهو يشمل الصوم والإفطار وغيرها، أما هذه الروايات فقد علّقت الشهادة بخصوص الصوم، فهناك عام وخاص، العام ان شهادة النساء غير مقبولة في رؤية الهلال لكل الشهور، وخاص في هلال الصوم، فيقدّم الخاص على العام.


[2] وكمثال للتوضيح: عدّة المتمتع بها، هناك رواية بكفاية الحيضة الواحدة، وهناك رواية بحيضتين. بالجمع يقال ان العدّة هي حيضة واحدة وحمل رواية الاثنين على الافضلية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo