< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

44/07/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحث الهلال: بداية الشهر القمري.

     إذا ثبت في الشرق ثبت في الغرب.

     وحدة الأفق.

     ذكر أقوال العلماء الاعلام.

     استدل السيد الخوئي (ره) بأمرين: تكويني ونقلي.

     الاستدلال التكويني على وحدة الأفق، والجواب عليه.

 

    1. إذا ثبت في الشرق ثبت في الغرب.

لما كان وصول القمر إلى مرحلة الهلاليّة أمرا كونيا تكوينيّا لا علاقة له لا بالشرع ولا بالاعتبار، فإن القمر إذا وصل مرحلة الهلاليّة في منطقة ما فإنه يصبح أكبر عمرا في المنطقة التي تليها غربا، وبهذا نقطع بإمكان رؤيته بالعين المجرّدة، والقطع حجته ذاتيّة لا تحتاج إلى اعتبار معتبر، فيثبت الهلال في الغرب وإن لم يُرَ فعلا، دون العكس، أي إذا ثبت في الغرب لا يثبت في الشرق على نحو الجزم، لأنه يكون أصغر عمرا، نحتاج في الشرق إلى أدلّة أخرى.

وبعبارة أدق المراد من كلمة " الغرب ": إذا ثبت الهلال في منطقة ما فإنه يثبت في كل منطقة أخرى يكون الهلال أكبر عمرا. وإنما عبّرت بالغرب لأنه غالبا يكون كذلك.

    2. وحدة الأفق:

إذا رؤي في مكان فهل يثبت في كل أنحاء العالم؟

هذه المسألة اشتهرت بمسألة وحدة الأفق وتعدد الأفق.

ومعنى وحدة الأفق أن العالم أفق واحد، فإذا ثبت الشهر في مكان ثبت في كل الأرض.

ومعنى تعدد الأفق أن العالم آفاق متعددة فإذا ثبت الشهر في مكان فإنه لا يثبت إلا في خصوص البلدان المتفقة أو المشتركة معه في الأفق دون غيرها، والأفق الواحد هو الذي يرى فيه الهلال في كل المنطقة، مثلا صور وبيروت وبعلبك تعتبر أفقا واحدا.

والثاني - أي القول بتعدد الأفق واعتبار الإتحاد في الأفق ليتلازم مبدأ الشهر - هو المشهور.

نعم، ذهب إلى القول الأول – أي وحدة الأفق وكفاية الرؤية في بلد ما لثبوت الشهر في بلد آخر ولو مع اختلاف افقهما – بعض الاساطين، منهم السيد ابو القاسم الخوئي (ره) الذي نقل ذلك عن العلامة في " المنتهى "، وذكر نقل العلامة لهذا القول عن بعض علمائنا، واحتمله الشهيد الأول في الدروس، واختاره صريحا المحدّث الكاشاني في الوافي، وصاحب الحدائق في حدائقه، ومال إليه صاحب الجواهر في جواهره، والنراقي في المستند، والسيد ابو تراب الخنساري في شرح نجاة العباد، والسيد محسن الحكيم في مستمسك العروة الوثقى في الجملة وسيأتي كلامه.

وقد استدل السيد الخوئي (ره) على ذلك في " منهاج الصالحين " [1] بأمرين: أحدهما تكويني، والآخر النصوص.

الأمر الأول التكويني: يقول (ره): أن الشهور القمرية إنما تبدأ على أساس وضع سير القمر واتخاذه موضعا خاصا من الشمس في دورته الطبيعية، وفي نهاية الدورة يدخل تحت شعاع الشمس، وفي هذه الحالة (حالة المحاق) لا يمكن رؤيته في أية بقعة من بقاع الأرض، وبعد خروجه عن حالة المحاق والتمكن من رؤيته ينتهي شهر قمري ويبدأ شهر قمري جديد.

ومن الواضح، أن خروج القمر من هذا الوضع هو بداية شهر قمري جديد لجميع بقاع الأرض على اختلاف مشارقها ومغاربها، لا لبقعة دون أخرى، وإن كان القمر مرئيا في بعضها دون الآخر، وذلك لمانع خارجي كشعاع الشمس، أو حيلولة بقاع الأرض أو ما شاكل ذلك، فإنه لا يرتبط بعدم خروجه من المحاق، ضرورة أنه ليس لخروجه منه أفراد عديدة بل هو فرد واحد متحقق في الكون لا يعقل تعدده بتعدد البقاع، وهذا بخلاف طلوع الشمس فإنه يتعدد بتعدد البقاع المختلفة فيكون لكل بقعة طلوع خاص بها.

وعلى ضوء هذا البيان فقد اتضح أن قياس هذه الظاهرة الكونية بمسألة طلوع الشمس وغروبها قياس مع الفارق، وذلك لأن الأرض بمقتضى كرويتها يكون - بطبيعة الحال - لكل بقعة منها مشرق خاص ومغرب كذلك، فلا يمكن أن يكون للأرض كلها مشرق واحد ولا مغرب كذلك، وهذا بخلاف هذه الظاهرة الكونية - أي خروج القمر عن منطقة شعاع الشمفإنه لعدم ارتباطه ببقاع الأرض وعدم صلته بها لا يمكن أن يتعدد بتعددها.

ونتيجة ذلك: أن رؤية الهلال في بلد ما أمارة قطعية على خروج القمر عن الوضع المذكور الذي يتخذه من الشمس في نهاية دورته وأنه بداية لشهر قمري جديد لأهل الأرض جميعا لا لخصوص البلد الذي يرى فيه وما يتفق معه في الأفق.

 

ومن هنا يظهر: أن ذهاب المشهور إلى اعتبار اتحاد البلدان في الأفق مبني على تخيل أن ارتباط خروج القمر عن تحت الشعاع ببقاع الأرض كارتباط طلوع الشمس وغروبها بها إلا أنه لا صلة - كما عرفت – لخروج القمر عنه ببقعة معينة دون أخرى فإن حاله مع وجود الكرة الأرضية وعدمها سواء. [2] انتهى كلامه رفع مقامه.

وفيه: إن ما ذكره صحيح ومسّلم، وقياس حركة القمر على شروق الشمس قياس غير سليم، خصوصا ما ذكره في مبدأ الشهر القمري حيث يقول: " وبعد خروجه عن حالة المحاق والتمكن من رؤيته ينتهي شهر قمري ويبدأ شهر قمري جديد "، نص منه (ره) على ما يسمّى من امكان الرؤية.

وهذا مسلّم وهو ما اخترناه من أن بداية الشهر هو وصول القمر إلى مرحلة الهلاليّة أي التمكن من رؤيته بالعين المجرّدة.

لكن، ما رتبه عليه من ثبوته في أنحاء الأرض غير لازم، بل اللازم حينئذ بداية الشهر من المكان الذي أمكن رؤيته فيه إلى غرب الأرض.

نكمل البحث غدا الدراسي ان شاء الله.

 


[1] توضيح: رغم ان كتاب منهاج الصالحين كتاب فتوى فقط لكن في خصوص هذه المسألة ثبوت الهلال ووحدة الافق اطال البحث بعدّدة صفحات استدلالا على ما ذهب أليه. ولعلّ ذلك باعتبار ان هذه المسألة خلاف المشهور، ومهّمة جدا وموقع ابتلاء، وذكر الادلّة على ما ذهب اليه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo