< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

44/08/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحث الهلال: بداية الشهر القمري.

     وحدة الأفق، ادلة السيد الخوئي (ره).

     الدليل الثاني النصوص، والمختار فيها.

     اطلاقات هذه النصوص لا تتم إلا على نحو الحكومة. والحكومة لا دليل عليها هنا.

     الحكومة تدخل في المفهوم، وجميع هذه الروايات تدخل في الاثبات.

     النصوص مقيّدة لبيّا بخصوص البلاد التي يمكن فيها الرؤية.

 

الرد على الدليل الثاني الروايات والمختار فيها:

أقول انا الفقير إلى رحمة الله والسداد: إن هذه الروايات جميعها وهي صحيحة ومعتبرة وبغض النظر عن مورد السؤال في كونه خصوص البلد الغائم [1] ، أو في كون المثبت للشهر هو شهادة أهل الأمصار، أو كفاية أهل مصر واحد، أو البلد القريب كما فسّره الحر العاملي (ره) وهو من باب التفسير التبرّعي، ودعوى الانصراف عهدتها على مدّعيها.

إن هذه الروايات لا تدل على أن العالم واحد أفقا، وذلك لخروج البلد التي لا يمكن فيها رؤية الهلال موضوعا وتخصصا. بل ظاهرها أن شهادة أهل الأمصار تثبت الهلال في خصوص البلد الذي يمكن رؤية الهلال فيه دون غيره عند الالتفات إلى بعض القرائن، أي أن هذه الروايات والاخبار مقيّدة لبيّا بخصوص البلاد التي يمكن رؤية الهلال فيها بعد أن ثبتنا ان بداية الشهر هي وصول القمر إلى مرحلة الهلاليّة التي يمكن ان يراه عموم الناس لولا المانع من غيم وشبهه.

بيانه: بعدما بيّنا أن بداية الشهر إنما تكون بوصول القمر مرحلة الهلاليّة، وأن الشهر القمري يبدأ في أول بقعة من الكرة الأرضيّة يثبت فيها ذلك وما والاها من جهة الغرب، أما شرقها فلا يكون إلا على نحو الحكومة، أي توسعة المفهوم، بأن تدل على توسيع موضوع بداية الشهر، ولكن هذه الحكومة تحتاج إلى دليل. وهذه الروايات لم يثبت كونها في هذا الوارد وغير ناظرة للتوسعة، بل هي في مقام إثبات بداية الشهر.

بيان الحكومة: الحكومة هي ان يتدخل دليل في مفهوم توسعة أو تضيقا، مثلا: "الطواف صلاة"، أو "المؤمن عالم"، بعد صدور الأمر: "أكرم العالم". فان الشارع تدخل في المفهوم.

اما إذا تدخل في الاثبات، أي في إثبات المفهوم فهذا ليس من باب الحكومة.

وبعبارة أخرى مختصرة: الحكومة هي تدخل دليل في مفهوم توسعة أو تضيقا، وليس في إثباته.

وهذه الروايات ليست ناظرة إلى مفهوم بداية الشهر، بل إلى كيفية الاثبات، أي هي أجنبيّة تماما عن الحكومة.

دليل من قال بوحدة الأفق إطلاق الروايات، جوابنا إن الرواية ليس لها إطلاق أو عموم يشمل كل من في الأرض، بل هي مقيّدة لبيّا، فهي لا تشمل سوى من يمكن عنده الرؤية، أما البلاد التي لا يمكن فيها الرؤية فلا تشملها.

ولتقريب الفكرة نقول: إن وزان هذه الروايات وزان قوله تعالى: ﴿الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [2] وفي آية أخرى: ﴿الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ﴾[3] .

إذ قد يقال: لا شك في كون القرآن هدى للناس جميعا، فلماذا قيّد بالمتقين؟

فانه يقال: ورد في القرآن الكريم تعبيرات: " هدى للناس وهدى للمتقين ".

اما هُدًى لِلْمُتَّقِينَ فهو بلحاظ فعليّة وتحقق الهدى، حيث إن الهداية لا تكون إلا ممن عنده القابليّة لذلك فيهتدي بالكتاب، فإننا نعلم ان كثيرا من الناس لم يهتدوا بهدى القرآن، وهذا ليس عيبا فيه، بل هو عيب فيهم، فإنهم مرضى.

واما هُدًى لِلْناس فهو قابلية الهدى لمن أرسل إليهم، فلو أراد فعليّة الهدى فلا داعي لان يقول: هدى للناس إلا الفاسقين والجاحدين فانه خارج تخصصا.

وكما لو قلت: أعط من مالك فإن العطاء يدخل السرور على المعطى والعاطي. فلو فرضنا أن بعضهم لم يدخل السرور عليه كالبخيل مثلا الذي لا يأنس بالبذل، فإنه خارج عن تحت العموم، ولا داعي لاستثنائه لفظا لوجود المخصص اللبي ولا أكون كاذبا إذا قلت ان العطاء يدخل السرور على كل من المعطى والعاطي.

وكما لو ورد عموم الوفاء بالنذر " يوفون بالنذر" فنذرت أن أصلي صلاة مؤلّفة من خمس ركعات، فتقول: هذا النذر باطل لأنه يشترط في موضوع النذر أن يكون متعلّق النذر مشروعا وليس بدعة كما في نذري خمس ركعات، ويبطل النذر في معصية، وهذا البطلان يخصص العموم إلا أنه مخصص لبيّ.

فهذه الروايات جميعها من هذا القبيل مخصصة لبيّا بقابلية الرؤية في البلد.

ولتقريب الفكرة أكثر: متى يبدأ اليوم المتداول في أيامنا هذه؟ إنه يبدأ في الساعة الثانية عشر ليلا في هذا البلد، لكن قبله بعشرة كيلومترات هل يبدأ اليوم أيضا في الساعة الثانية عشر ليلا؟ فشرق البلد لا يبدأ فيه اليوم في نفس الزمن.

وتطبيقا لما ذكرناه على ما نحن فيه من مسألة الهلال، إنما يثبت الهلال بنظري القاصر: إثبات شهادة إثنين من جميع أهل الصلاة للهلال هو في حال كون البلد الذي لم يٌرَ فيه الهلال وأريد إثبات بداية الشهر فيه قابلا لرؤية الهلال، أما مع عدم هذه القابليّة أو القطع بعدم هذه القابلية فالإطلاق لا يشمله. ولذا لو رؤي الهلال في اقصى الغرب في واشنطن مثلا، هذا الاطلاق لا يشمل من كان في غرب آسيا حيث لا توجد قابلية ولادة للهلال فيه.

ولذا، لو رؤي الهلال في أقصى الغرب في القارّة الأمريكيّة مثلا، فان هذا الإطلاق لا يشمل من كان في غرب آسيا كبيروت مثلا، حيث إنه لا يثبت قابليّة بيروت لرؤية الهلال.

 


[1] السؤال أحيانا يقيّد وأحيانا لا يقيّد كما لو قلت لك " كل الرمان لأنه حامض" بالعموم يعني ان كل حامض كله، لان العلّة تعمم، وعموم العلّة عرفي، وهذا يحتاج أيضا لقرائن لأنه أحيانا لا يقيّد عموم العلّة بحسب القرائن. فإذا ثبت انه علّة الأصل عموم العلّة، ومع الشك بانه علّة عامّة الأصل عدم العموم فالأطلاق والعموم يحتاج إلى دليل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo