< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

44/08/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الخَلع.

- هل يجب الخلع على الزوج لو تمّ موضوع الخلع في حال بذلت له مقابل الطلاق؟

- دلالة الآية الكريمة على المقدّر وهو الخلع ليس من باب الظهور، بل من باب إحدى الدلالات الثلاث، وهي للاقتضاء أقرب مع ملاحظة بلاغة القرآن.

- الدليل الرابع، تطبيق قاعدة لا ضرر.

قلنا ان المنع عن المعصية على نحوين: تكويني واعتباري. وبتعبير آخر: المنع بارادة تكوينية أو بارادة تشريعية.

قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [1] وهذه الارادة تكوينيّة.

ولكن هناك أمور أراد الله تحقيقها من قبل العبد، فقال له "صلّ" لم يجعله تكوينا يصلّي كما كوّن الملائكة مثلا. هذا في الإيجاد وقس على ذلك في النفي.

هناك ارادة تكوينيّة وإرادة تشريعيّة، بان الله عز وجل يريد عدم المفسدة في الخارج، تارة يمنعها تكوينا وتارة يمنعها تشريعا.

بالنتيجة: لا يبعد دلالة الآية الكريمة بدلالة التنبيه أو الإشارة على وجوب الخلع، وقلنا: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾ انه لا بد من مضمر ومقدّر، فان كان "فليخلعها" وجب الخلع، وان كان "فلو خلعها" كان مخيرا.

لكن قلنا هذا التقدير بذاته للتنبيه وليست بالدلالة الالتزامية بالمعنى الأخص، بل هي بالدلالة الالتزامية بالمعنى الأعم.

وقلنا ان الفرق بين الدلالات الثلاث: دلالة الاقتضاء، والتنبيه، والاشارة. وبين الظهورات كالمفاهيم، وظهور صيغة افعل وظهور صيغة النهي.

ما الفرق بين هذه الدلالات الثلاث والدلالات الأخرى؟

المفاهيم كمفهوم الشرط ومفهوم الغاية ومفهوم اللقب والوصف وغيرها هي دلالات التزامية بالدلالة الالتزامية بالمعنى الاخص أي إذا تصورت الملزوم انتقل مباشرة إلى اللازم.

وهناك دلالات ليست لازمة بالمعنى الاخص كالاقتضاء والتنبيه والاشارة، والفرق بينها:

ان دلالة الاقتضاء يكون المقدّر مقصودا ويتوقف صحّة الكلام عليه، مثلا: "اسأل القرية"، القرية حجارة لا يسأل فنقد "أهلها". هذا التقدير ليس بالدلالة الالتزامية بالمعنى الأخص وإلا كان ظاهرا، بل هو عقلي بالدلالة الالتزامية بالمعنى الأعم، نتصور معنى القرية واتصور معنى السؤال واتصور الملازمة بينهما فلا بد من تقدير عقلي وهو "أهل القرية".

إذن دلالة الاقتضاء فيها أمران: اولا: يتوقف صحّة الكلام على المقدّر، ثانيا: يكون مقصودا للبيان.

اما دلالة التنبيه لا يتوقف صحّة الكلام عليه، نعم يكون مقصودا، ففي أصول المظفّر مثل لذلك: إذا كان عندك موعد في الساعة العاشرة، فاقول لك أصبحت الساعة العاشرة، كلام صحيح لكن التقدير موجود للتنبيه على الموعد، لانبهك على اللازم. وهذا دلالة التزاميّة غير بيّنة بالمعنى الأخص لكن هو المقصود.

اما دلالة الاشارة كما ذكر مرارا كالجمع بين الآيتين الكريمتين: ) وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ( [2] و ) وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ( [3] . وهذا الجمع موجود بين الروايات، كلتا الآيتين ليستا ناظرتين لأقل الحمل وليست مقصودة في الكلام ولا يتوقف صحة الكلام عليها، انما استفدناه من الجمع بين الآيتين.

دلالة الاشارة ليست قاصدا لهذا الجمع وليست في مقام بيان؟

هنا ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [4] ليست من باب الظهورات، فعندما نتأمل ليس هناك دلالة التزامية بينة بالمعنى الأخص، فلا بد من تقدير كلغة: "فليخلعها" أو " لو خلعها". ولعلّ الدلالة حينئذ من باب الاقتضاء إذا لاحظنا بلاغة القائل، فانه لا يكون بليغا إلا نمع التقدير.

الدليل الرابع على وجوب الخلع: ما يمكن ان يستدل به تطبيق قاعدة لا ضر ولا ضرار.

وذلك أن إمساك الرجل للزوجة إضرار لها، وأي ضرر أكبر من الوقوع في المعصية، ورفع الضرر عنها أمر جعلي اعتباري جعله الله بيد الزوج، فيكون طلاقه وخلعه مقدّمة للواجب وهو دفع الضرر، ومقدمة الواجب واجبة.

لكن لا نقول بوجوبها، فتكون النتيجة أن الخلع ليس واجبا علىالزوج كجعل تشريعي، لكن إذا وقعت الزوجة في المعصية يكون إثمها عليه.

إذن مقدمة الواجب ليست واجبة فالخلع ليس واجبا، لكن وجوب الخلع صار من باب المقدمة، لكن إذا وقعت الزوجة في معصية فاثمها عليه.

وهل هي عاصية؟ عندما قال تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾ هي اصبحت تكاد تقع في المعصية لعدم تمكنها من السيطرة على نفسها، ومع عدم السيطرة لا تكون هناك معصية من طرفها، وبالنسبة للزوج هو لم يوقعها في المعصية واوصلها لهذه الحالة.

هل إيصالها لهذه الحالة معصية منه؟ الجواب نعم تعتبر معصية منه بان توصل الزوجة لان تقع في المعصية، فصار الخوف من الوقوع في المعصية عليه أكثر منها ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾ تثنية فيكون هو العاصي أكثر من الزوجة وان لم يكن قاصدا ايقاعها في المعصية لكن امساكها يوقعها في المعصية. فيكون من باب المعونة على الإثم، بل من باب أولى، فإن في المعونة على الاثم يكون الآثم قاصدا مريدا له، وهنا الزوجة ليست مريدة للإثم وتحاول أن تدفع عن نفسها ذلك، ومن أوقعها في ذلك هو الزوج نفسه بإمساكه لها رغم كراهتها الشديدة له.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo