< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

44/08/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحث الهلال: بداية الشهر القمري.

     وحدة الأفق، أدلّة السيد الخوئي (ره).

     النصوص التي استدل بها السيّد الخوئي (ره) منها: "أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا"، والمراد شخص اليوم لا عنوانه.

     الآية القرآنية في سورة القدر: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾

     والجواب: انه لا يدلّ أبدا على ما ذهب إليه من أنه إذا ثبت في الغرب فقد ثبت في الشرق، بل شخص اليوم، حينئذ من أول نقطة في الأرض ثبت فيها كونه هلالا ثم يلتف غربا ليصل نفس النقطة من جهة الشرق.

 

ومن النصوص التي استدل بها السيد الخوئي (ره) على وحدة الأفق:

ما ورد في عدّة روايات في كيفيّة صلاة عيدي الفطر والأضحى، وما يقال من قوله (ع) في جملة تلك التكبيرات: " .... أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا "، أي يوم واحد للمسلمين جميعا، ومعناه أن العالم أفق واحد، فإذا ثبت في مكان ثبت في كل الأمكنة، وإذا رؤي من شخص واحد ثبت عنده فيثبت للجميع.

يقول السيّد أبو القاسم الخوئي (ره): " فإن الظاهر أن المشار إليه في قوله (ع) في هذا اليوم هو يوم معين خاص جعله الله تعالى عيدا للمسلمين (وليس مجرّد أنه عنوان العيد، بل هو شخص اليوم، وهذا لا يتم إلا بناء على وحدة الافق).

لا أنه كل يوم ينطبق عليه أنه يوم فطر أو أضحى على اختلاف الأمصار في رؤية الهلال باختلاف آفاقها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أنه تعالى جعل هذا اليوم عيدا للمسلمين كلهم لا لخصوص أهل بلد تقام فيه صلاة العيد ". [1]

أي ان ما جعل للمسلمين عيدا ليس العنوان، ليقال: إن كل بداية شهر شوال هو عيد، بل شخص اليوم.

أقول أنا الفقير لرحمة الله والسداد: ما ذكره سليم من ناحية التشخيص، ويمكن أن نذهب إليه.

ولكن، فإن يوم العيد يبدأ من أول نقطة على سطح الأرض يرى فيها الهلال وليس من ما قبله، ليدور غربا على الكرة الأرضيّة ويعود إلى نفس النقطة بعد أربع وعشرين ساعة، وهذا ظاهر وواضح، وهو يوم كامل ومشخّص، لكنّه لا يدلّ أبدا على ما ذهب إليه من أنه إذا ثبت يوم بداية الشهر في الغرب فقد ثبت في الشرق. [2]

ومن النصوص التي استدل بها:

ما ورد في سورة القدر: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ والاستدلال نفس الاستدلال بالدعاء السابق من أن ليلة القدر واحدة شخصيّة لجميع أهل الأرض على اختلاف بلدانهم في آفاقهم، ضرورة أن القرآن نزل في ليلة واحدة، وهذه الليلة الواحدة هي ليلة القدر، وهي خير من ألف شهر، وفيها يفرق كل أمر حكيم، ومن المعلوم أن تفريق كل أمر حكيم فيها لا يخص بقعة معيّنة من بقاع الأرض، بل يعمّ العالم أجمع.

أقول انا الفقير إلى رحمة الله والسداد: هذا مسلّم ويأتي فيه ما ذكرناه في الجواب عن الاستدلال بالدعاء، من أن الليلة واحدة تبدأ من النقطة التي تمّت فيها ثم تلتف غربا لينتهي اليوم بنفس النقطة من الجهة الخلفية من الشرق.

أما المساحة المشكوكة:

ذكرنا سابقا أن روايات الرؤية مقيّدة لبيا بما إذا كانت الرؤية في المصر ممكنة، أما مع عدم إمكانها فهي خارجة تخصصا. نعم في المساحة المشكوكة يمكن العمل بإطلاقها.

من جهة إمكان رؤية الهلال فأصقاع الأرض لا تخلو من إحدى ثلاث حالات:

الحالة الأولى: ما نقطع بوصول القمر فيها إلى مرتبة يمكن أن يراه عموم الناس، أي حالة الهلاليّة، فهذه يثبت فيها أول الشهر.

الحالة الثانية: ما نقطع بعدم وصول القمر إلى هذه المرتبة وهي عدم امكان الرؤية، ففي هذه الحالة نقطع بعدم بداية الشهر، حتى لو رؤي في بلد آخر.

الحالة الثالثة: ما نشك في وصول القمر إلى هذه المرتبة وهي الهلالية وإمكان الرؤية، فإنه وإن كان لا يمكن إثبات بداية الشهر حينئذ لعدم إحراز وصول القمر إلى مرتبة الهلاليّة، ولكنه ببركة إطلاق هذه الرواية وامثالها هل يمكن إثبات ذلك أي شمولها للمشكوك، بعد اقتصار المخصص اللبّي على القدر المتيقّن، وهو الحالة الثانية.

فقد يقال: إن إطلاق الروايات في قوله (ع): شاهدان عادلان من جميع أهل الصلاة " يشمل المساحات المشكوكة، وبالتالي يثبت الهلال فيها، وقد مال إلى ذلك السيد محسن الحكيم (ره) في مستمسك العروة الوثقى.

لكن الظاهر عدم شمول الإطلاق، وذلك: لأن موضوع الروايات كما ذكرنا هو خصوص المناطق التي يمكن فيها مشاهدة الهلال، فلا تشمل المشكوك، لأن وصول القمر إلى مرحلة الهلاليّة أمر وجودي يحتاج إلى إثبات.

ومع الشك نستصحب العدم أي عدم الموضوع. كذلك قلنا سابقا إن المخصص لهذه الإطلاقات لبيّ يقتصر فيه على القدر المتيقّن فيبقى المشكوك خارج الإطلاقات. فالرواية لا تثبت موضوعها ولا الحكم يثبت موضوعه، فيجب ان نثبت الهلاليّة أولا، ومع الشك في الإمكان اشك في ثبوت الموضوع فاشك في بداية الشهر ومع الشك لا أستطيع أن أثبته فأتمسّك بالعدم.

لكن في النفس شيء في مقام العمل في المشكوكات نحن نحتاط.

وبالنتيجة: إن بداية الشهر تنطلق من أول نقطة في الأرض يصل فيها القمر مرحلة الهلاليّة، وهو ما نسميه بإمكان الرؤية، أي المفروض أن يرى لولا المانع من غيم أو غبار وما شاكل ذلك. وبيّنا سابقا أن الرؤية من جهة مأخوذة طريقا ومن جهة مأخوذة موضوعا.

ثم، من هذه النقطة يثبت الشهر القمري غربا، أي يبدأ اليوم القمري ملتفا حول الكرة الأرضيّة غربا حتى يصل خلال أربع وعشرين ساعة إلى نفس النقطة من جهة الشرق. وهذا كلّه لا علاقة له بربط هذه المسألة بمسألة طلوع الشمس وغروبها.

وبعد ثبوته في نقطة ما من الأرض يبدأ اليوم، فهو يوم واحد لكل أنحاء العالم جعله الله للمسلمين عيدا، وليلة واحدة هي ليلة القدر.

 


[2] مثال توضيحي ذكرناه سابقا: عندما يبدأ اليوم الشمسي أو السنة الشمسية، في نيوزلندا تبدأ السنة الشمسية من نصف الليل واخذ يمتد غربا إلى نهاية اليوم، فيوم واحد من السنة من نيوزلندا إلى ما بعدها من الغرب في يشمل ما كان قبلها من البلدان في الشرق، فيكون هذا اليوم هو الذي جعله للمسلمين عيدا وهو نفس اليوم المشخّص الذي التف حول الكرة الارضيّة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo