< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

44/08/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحث الهلال/بداية الشهر القمري/

 

     من طرق اثبات الهلال، شهادة عدلين ودليله، دليل من قال بعدم كفاية العدلين.

     التعارض بين هاتين الطائفتين من الروايات، ورفع التعارض بين الادلّة.

     شرط الشهادة.

     لا يثبت الهلال بشهادة النساء.

     شهادة المسلم الفاسق.

     شهادة المسلم المعاند من غير أهل الحق والولاية.

     شهادة المسلم المستضعف من غير أهل الولاية.

من طرق اثبات الهلال:

شهادة عدلين: الادلّة متعارضة، بعضها يدل على كفاية شاهدين، والبعض الآخر لا يدلّ.

دليل كفاية شهادة رجلين عدلين:

     الإجماع المنقول: قال الشيخ في الخلاف: " ثبوت الهلال بشهادة عدلين مجمع عليه".

     سيرة المتشرّعة على ذلك، التي هي إجماع عملي.

     الروايات منها:

ما في وسائل الشيعة: ح 1: محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم (ثقة)، عن أبيه (ثقة)، و عن محمد بن يحيى (ثقة)، عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان (ثقة)، عن الحلبي (ثقة)، عن أبي عبد الله عليه السلام إن عليا عليه السلام كان يقول: لا أجيز في الهلال إلا شهادة رجلين عدلين. ورواه الصدوق بإسناده (صحيح بأحد طريقيه)، عن الحلبي مثله. [1]

من حيث السند: صحيح.

ومن حيث الدلالة: واضحة الدلالة على الحصر، ومن اقوى المفاهيم مفهوم الحصر، حتى ظن بعضهم انه من المنطوق.

والروايات في ذلك عديدة ذكر بعض منها في الباب المذكور، ولا نطيل بذكرها وبالاستدلال بها والتعليق عليها.

د- كفاية شهادة العدلين في اثبات الموضوعات إجماعا وإثبات الهلال من الموضوعات.

اما دليل من قال بعدم كفاية العدلين:

     إن شهادة العدلين تفيد الظن وهو منهي عن العمل به عموما، وخصوصا ايضا في بعض الموضوعات كما فيما نحن فيه، وقد ورد في الروايات التي مرّت معنا: " وليس بالرأي ولا بالتظني ".

وجوابه: إن العمومات قد خصصت بالدليل على حجيّة بعض الظنون الخاصّة، ومنها روايات كفاية العدلين.

     النصوص نذكر منها:

ما في الوسائل: ح 10: محمد بن الحسن الطوسي بإسناده (صحيح)، عن سعد (ثقة)، عن العباس بن موسى (الوراق، ثقة)، عن يونس بن عبد الرحمن (ثقة)، عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز (ثقة)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: كم يجزي في رؤية الهلال؟ فقال: إن شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدوا بالتظني، وليس رؤية الهلال أن يقوم عدة فيقول واحد: قد رأيته، ويقول الآخرون: لم نره، إذا رآه واحد رآه مائة، وإذا رآه مائة رآه ألف، ولا يجزي في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علّة أقل من شهادة خمسين، وإذا كانت في السماء علّة قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر. [2]

من حيث السند: صحيح.

ومن حيث الدلالة: المراد الرؤية العامّة عند عموم الناس، وقد يتوهم تنافي الدلالة في نفسها، حيث اشتراط ألف شاهد، ثم عدل عنه إلى خمسين.

ولكن هذا ليس تنافيا هناك مطلق ومقيّد، فإن قبول شهادة الرجلين مقيّد بوجود علّة في السماء دون شهادة أقل من خمسين.

ثم انه لا بد من التنبيه انه نوع من التعبير في اللغة العربيّة، ونفهم الحديث على طبق اللغة، فأرقام مائة وألف وسبعون وغيرها كانت تستعمل كناية عن الكثرة، وليس مراده بحدّها، لذلك لا تنافي بينها وبين الخمسين. والظهور هو الحجّة بعد فهم المراد من الرواية، وكيفية الظهور قد تختلف من الكناية إلى الاستعارة أو المجاز وغير ذلك.

ومنها ايضا ما في الوسائل: ح 11: محمد بن الحسن بإسناده (صحيح)، عن علي بن مهزيار (ثقة)، عن محمد بن أبي عمير (ثقة)، عن أيوب و حماد (ثقتان)، عن محمد بن مسلم (ثقة)، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية (قال) والرؤية ليس أن يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد هو ذا هو وينظر تسعة فلا يرونه إذا رآه واحد رآه عشرة آلاف، وإذا كانت علّة فأتم شعبان ثلاثين، وزاد حماد فيه: وليس أن يقول رجل: هو ذا هو لا أعلم إلا قال: ولا خمسون.

ورواه الكليني عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد (ثقة)، عن علي بن الحكم (ثقة)، عن أبي أيوب (ثقة) مثله إلى قوله: إذا رآه واحد رآه ألف ولم يزد على ذلك. ورواه الصدوق بإسناده (الضعيف) عن محمد بن مسلم مثله. [3]

من حيث السند: صحيح.

ومن حيث الدلالة: تدل على ما نقوله بان المراد وصول الهلال إلى مرحلة بحيث يراه عموم الناس لولا الموانع.

التعارض بين هاتين الطائفتين من الروايات:

قد يتوهم التعارض، حيث إن الطائفة الأولى تدلّ على كفاية رجلين عدلين، والأخرى تدلّ على عدم الكفاية. ولذلك لجأ بعض الفقهاء إلى مرجحات باب التعارض، حيث إن روايات الكفاية أكثر وأشهر، والإجماع على طبقها.

ولجأ آخرون إلى رفع التعارض بحمل روايات الألف والمائة على عدم كفاية الظن.

رفع التعارض: مع التأمل يرتفع التعارض، فإنه بعد أن ذهبنا إلى أن بداية الشهر هو وصول القمر مرحلة الهلاليّة، والهلال هو القمر الخارج من المحاق الواصل إلى مرحلة بحيث يمكن رؤيته بالعين المجرّدة. ومن الواضح أن رؤيته حينئذ متاحة لكل بشر سويّ صحيح النظر، وبالتالي لأكثر الناس، مع عدم وجود عائق من غيم أو غبار أو ما شاكل ذلك. وحينئذ، فلو ادّعى اثنان الرؤية دون الكثير من الناس الذين يتصدّون لها لحصل الشك والتهمة في صحّة رؤيتهما.

وبهذا يرتفع التعارض، ويمكن الذهاب إلى كفاية الاثنين عند عدم الشك في شهادتهما، كما لو لم يتصدّ إلا القليل، أو كان في عيون الكثير من الحاضرين ضعف كما في أيامنا هذه بسبب التلفزيونات والحواسيب وبرامج التلفون وغيرها مما يرهق العين الطبيعيّة.

وأذكر حادثة: كنت صغيرا مع السيد المقدّس الوالد رحمة الله عليه مع مجموعة من العلماء ومن المؤمنين وأكثرهم شباب، مجتمعين في قرية "دير قانون النهر" في جبل عامل في لبنان على سطح مسجدها الذي يتمتع بإشراف جميل على البحر من جهة مغيب الشمس، وحاول الجميع رؤية الهلال جاهدين فلم يره أحد، وفيهم مجموعة من أجلاء علماء جبل عامل. بعد دقائق وصل رجل طاعن في السنّ، فقال الناس: هاه جاء الحاج، فقلت في نفسي: هل يمكن لهذا الرجل الشيخ الكبير وقد انحنى ظهره وضعف بصره ان يرى الهلال دون هؤلاء الشباب؟!

وما كانت إلا لحظات حتى قال الحاج الطيّب المؤمن الهرم: " اللهم صلّ على محمد وآل محمد، ذاك الهلال.

بعد ذلك تهافت الشباب عليه، أين هو، أين هو؟ ودلّهم، وبالفعل رآه الجميع تقريبا، وقيل آنذاك: إن الحاج فلان يعرف جيدا موقعه، فيعرف أين يركّز نظره.

شرط الشهادة:

يشترط في شهادة العدلين، أن تكون الشهادة عن حس لا حدس، كما في حجيّة الأخبار. أي يجب أن يشهدا بالرؤية الحسيّة بالعين.

نعم، هل يشترط ان تقوم البيّنة عند الحاكم الشرعي حتى تكون حجّة؟

لا يشترط قيام البيّنة لدى الحاكم، بل كل من علم بشهادتهما عوَّل عليها، وذلك لإطلاق أدلّة اعتبار البيّنة وكفاية العدلين دون القيد بالشهادة امام الحاكم.

لا يثبت الهلال بشهادة النساء:

النصوص عديدة في ذلك، نذكر منها:

ما في الوسائل: ح (13435) -ح 3: محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم (ثقة)، عن أبيه (ثقة)، عن ابن أبي عمير (ثقة)، عن حماد بن عثمان (ثقة) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لا يجوز شهادة النساء في الهلال ولا يجوز إلا شهادة رجلين عدلين. ورواه الصدوق مرسلا نحوه. [4]

الدلالة واضحة بعدم الجواز، لكن شهادة النساء إذا ادّت لاطمئنان يكون الاطمئنان هو الحجّة.

شهادة المسلم الفاسق:

هل تقبل شهادة المسلم الفاسق: لا تقبل شهادته بدليل مفهوم الروايات التي وردت في اشتراط العدالة.

شهادة المسلم المعاند من غير أهل الحق:

لا تقبل شهادته من باب الأولويّة، فإن كان الفاسق لا تقبل شهادته فمن باب الأولى عدم قبول شهادة المعاند الجاحد، كذلك هو غير مرضيّ كما في بعض الروايات التي قيّدت الشاهدين بكونهما مرضيين نذكر منها:

في وسائل الشيعة للحر العاملي: ح4: محمد بن الحسن بإسناده (ثقة)، عن الحسين بن سعيد (ثقة)، عن الحسن (ثقة)، عن صفوان عن منصور بن حازم (ثقة)، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: صم لرؤية الهلال وأفطر لرؤيته فان شهد عندكم شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه.

ورواه المفيد في (المقنعة) عن صفوان بن يحيى مثله. [5]

السند معتبر.

ولا شك في كون المعاند غير مرضي.

شهادة المسلم المستضعف من غير أهل الولاية:

لا شك في كفاية العدالة، وهل يكفي من لم يكن من أهل الولاية من أبناء العامّة؟

نقول: تارة يكون معاندا، فهذا لا تقبل شهادته، وذلك للروايات كما ذكرنا.

وتارة يكون مستضعفا ولكنه ثقة، فقد يقال بقبول شهادته لأنه مرضي، ولأن القاعدة ثبوت الموضوعات بخبر الثقة، أي تكفي الوثاقة في ثبوت الموضوعات.

ولكن هذه العمومات ينافيها الحديث الخامس من نفس المصدر ح5: محمد بن الحسن بإسناده (عدة طرق أحدها صحيح)، عن الحسين بن سعيد (ثقة)، عن حماد (ثقة)، عن شعيب (العقرقوفي ثقة)، عن أبي بصير(الاعمى الضعيف وهو احتمال يعتد به كما ذكرنا سابقا)، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن اليوم الذي يقضي من شهر رمضان فقال: لا يقضه إلا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر. الحديث. [6]

من حيث السند: مرّ الكلام في أبي بصير الذي يروي عنه شعيب العقرقوفي ونذكره: قال الكاظمي في مشتركاته، ص273: " وقيل إذا وردت رواية عن ابي بصير عن ابي عبد الله (ع) أو عن ابي جعفر (ع) أو في وسط السند، فإن كان الراوي عنه علي بن ابي حمزة البطائني، أو شعيب العقرقوفي، فهو الأعمى الضعيف، وإن كان غيرهما فهو مشترك بينه وبين ليث المرادي، واحتمال غيرهما بعيد، لعدم وروده في الأخبار. انتهى. وليس هذا ببعيد ". انتهى.

وحينئذ، فلو دار الأمر بين الثقة والضعيف وجب التوقف.

وهذا التنافي ليس من باب الإطلاق والتقييد كي يقال: يبقى المطلق على اطلاقه، ويكون المقيّد أفضل الأفراد، أي يبقى قبول الشهادة مطلقا ويكون العادل أفضل الأفراد.

بل هو من باب التعارض، لأن الحصر بـ " إلا " له مفهوم وهو أن شهادة غير العادلين لا تكفي، وسنبيّن هذا أكثر في المبحث اللاحق، وهو كفاية شهادة العدل الواحد.

ولذا لا بد من الذهاب إلى اشتراط العدالة إذا اخذنا بالرواية لاختصاص اصطلاح العادل بأهل الحق وهو القدر المتيقّن من مفهوم لفظ العدالة الوارد في الرواية، حيث إن عدم الاعتراف بالولاية ظلم فلا يقال غير أهل الحق عدول. وهو ما عليه الاتفاق.

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص207، أبواب احكام شهر رمضان، باب11، ح1، ط الإسلامية. انه يثبت الهلال بشهادة رجلين عدلين، ولا يثبت بشهادة النساء، ومع الصحو وتعارض الشهادات يعتبر شهادة خمسين رجلا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo