< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

44/10/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحث الهلال: بداية الشهر القمري.

     تطوّق الهلال. وفيه رواية معتبرة والظاهر من الصدوق تضعيفها، ونقل ان المشهور عدم الاعتبار.

     الغيبوبة بعد الشفق. وفيه روايات متعارضة ضعيفة السند، والنتيجة عدم الاعتبار.

تطوّق الهلال:

هل هو دليل على أنه ابن ليلتين أو لا؟ والمسألة محل كلام عند الفقهاء ذهب بعضهم إلى عدم الدلالة، ولا اعتبار بالتطوّق [1] .

وقد استدل على الاعتبار بدليلين: الأول: تكويني، والثاني: نقلي.

اما التكويني: فإذا تمّ القطع بذلك فهو دليل لا شك فيه.

واما النقلي: فقد استدل بنصوص أحدها معتبر سندا.

ففي وسائل الشيعة: ح 2: محمد بن الحسن بإسناده (صحيح)، عن سعد (ثقة)، عن يعقوب بن يزيد (ثقة)، عن محمد بن مرازم (ثقة)، عن أبيه (مرازم بن حكيم، ثقة)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا تطوّق الهلال فهو لليلتين، وإذا رأيت ظل رأسك فيه فهو لثلاث. ورواه الكليني عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد. ورواه الصدوق بإسناده مثله. [2]

من حيث السند: صحيح، والرواية معتبرة والخروج عنها صعب إلا على القول بان إعراض المشهور يوهن الرواية الصحيحة، وثبت ان المشهور عدم الاعتبار.

من حيث الدلالة: فهي واضحة، ولا يوجد معارض بسند صحيح آخر.

نعم، ذكر في مستدرك الوسائل للمحدث النوري (ره): وفي المقنع (في رواية للصدوق (ره) قال:) وروي: إذا تطوّق الهلال فهو لليلتين، وقال أبو عبد الله (ع): قد يكون الهلال لليلة وثلث، وليلة ونصف، وليلة وثلثين، ولليلتين إلا شيء، وهو لليلة.

كلمة "روي" تضعيف للرواية ولغيرها. وقد استدل بها بعضهم على عدم اعتبار التطوّيق.

ولعلّه لأن "روي" بصيغة المجهول، المشعر بالتضعيف، إلا انها لا تقاوم الرواية الصحيحة سندا، لضعف سندها، أي أن الصدوق (ره) عندما يقول: "وروي" فهي مرسلة منه، وهو كان محدثا، والظاهر انه لا يتبنى اثباتها ولا نفيها، ويمكن مع عدم تبيان السبب ان لا نعتبرها، ولا نضعفها أيضا، وبحسب النتيجة عدم الاخذ بها. وذكرنا في بحوث الرجال أن مراسيل الشيخ الصدوق (ره) على قسمين: "روي عن المعصوم (ع)"، و "قال" و"قال المعصوم (ع)" اقوى من " روي" ومع ذلك حتى "قال" لم نأخذ بها للإرسال. وقلنا سابقا أن الأصل عدم الاعتبار. هذا أولا،

وثانيا: لعدم دلالتها الواضحة على نفي الصدوق (ره) للرواية المعتبرة الاولى. وقد نحن لا نفعهم من كلمة "روي" ان المشهور قد اعرض عن الرواية، فمع وجود الرواية المعتبرة لا نأخذ بالاحتمالات.

اما إذا فهمنا من كلمة "روي" من كلام الصدوق (ره) ان المشهور قد اعرض عنها حينئذ تصبح المسألتنا من صغريات مسألة: اعراض المشهور عن الرواية الصحيحة هل يسقطها عن الاعتبار او لا؟

ذكر في علم الأصول في مباحث حجيّة الخبر مسالتان: الأولى: عمل المشهور هل يجبر ضعف الرواية؟ الثانية: اعراض المشهور هل يوهن الرواية الصحيحة؟ في كلا القاعدتين بحث، والمعروف بين الأصوليين ان عمل المشهور يجبر ضعف الرواية.

لكن السيد الخوئي (ره) وغيره قال ان المشهور وعمل الاصحاب لا يجبر ضعف الرواية، وذكر دليلين على ذلك:

أولا: لو سلمنا ان هناك قرائن خفيت علينا، من قال ان هذا القرائن التي كانت عندهم هي حجّة عندنا.

ثانيا: من قال ان عملهم كان مستندا إلى الرواية الضعيفة، إذ يحتمل ان يكون مستندهم أصل عملي طابق الرواية، وذكرت سابقا مثال طفل الانبوب، من هي الأم؟ قال بعضهم انها الحامل، وبعضهم اتفق على هذه الفتوى لكنهم اختلفوا في المستند فكان لكل مجتهد دليله في المسألة، بعضهم استدل على ذلك لصدق كلمة حامل، وآخر قال: للولادة، وآخر استدل بالآية القرآنيّة، وآخر للصدق العرفي.

من قال أن عمل المشهور مستند إلى الرواية؟ فالحجيّة تكون إذا كان عمل الاصحاب مستندا إلى الرواية. وقد يكون بعضهم استند للأصل اللفظي، وآخر للأصل العملي، وآخر للرواية أو لمسألة عقلائيّة.

اما المسألة الثانية وهي ان إعراض المشهور يوهن الرواية المعتبرة، فله وجه بناء على ان خبر الواحد الحجة اعتباره كونه موثوقا، أي اعتبار الوثاقة لا من جهة السند الثقة، أي لا من جهة كون الراوي ثقة.

لكن القول بعدم اعتبار الخبر غير الموثق وان كان الراوي ثقة مجازفة، لأن سيرة العقلاء على خلاف ذلك. والعمدة في المقام هو السيرة العقلائية على العمل بالخبر.

النتيجة: أن رواية التطويق معتبرة بلا معارض يعارضها فنأخذ بها.

الغيبوبة بعد الشفق:

قد يقال بدلالة الغيبوبة حينئذ على أنه لليلة السابقة.

وقد يستدل له بالحديث الثالث من نفس المصدر باب 9: ح3: محمد بن الحسن بإسناده (صحيح)، عن الحسين بن سعيد (ثقة)، عن حماد بن عيسى (ثقة)، عن إسماعيل بن الحسن (بحر، لم يوثق)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة، وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين.

ورواه الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد ومحمد بن خالد جميعا عن سعد بن سعد، عن عبد الله بن الحسين، عن الصلت الخزاز، عن أبي عبد الله عليه السلام، ورواه أيضا عن علي بن إبراهيم، عن أبيه عن حماد بن عيسى، ورواه الصدوق بإسناده عن حماد بن عيسى. [3]

من حيث السند الخبر مشهور روائيا لكن هو ضعيف بكل اسانيده. لأنها تمر بإسماعيل بن الحسن بحر ولم يثبت توثيقه وكذا عبد الله بن الحسين الواقع في سند الكليني لم يثبت توثيقه.

في المقابل ورد في نفس المصدر ح1: محمد بن الحسن بإسناده (قريب الاعتبار)، عن أحمد بن محمد بن الحسن (مشترك بين المجهول وبين ابي الوليد)، عن أبيه، عن محمد بن الحسن الصفار(ثقة)، عن محمد بن عيسى (ثقة)، عن أبي علي بن راشد (ثقة) قال: كتب إلي أبو الحسن العسكري عليه السلام كتابا وأرخه يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان وذلك في سنة اثنين وثلاثين ومائتين، وكان يوم الأربعاء يوم شك، فصام أهل بغداد يوم الخميس وأخبروني أنهم رأوا الهلال ليلة الخميس، ولم يغب إلا بعد الشفق بزمان طويل، قال: فاعتقدت أن الصوم يوم الخميس وأن الشهر كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء، قال: فكتب إلي: زادك الله توفيقا فقد صمت بصيامنا، قال: ثم لقيته بعد ذلك فسألته عما كتبت به إليه، فقال لي: أو لم أكتب إليك إنما صمت الخميس ولا تصم إلا للرؤية. [4]

من حيث السند: قريب الاعتبار، لكن أحمد بن محمد بن الحسن مشترك بين المجهول وبين ابي الوليد، فتسقط الرواية عن الاعتبار.

كذلك ورد عن الشيخ الصدوق (ره) في الهداية عن الصادق (ع) أنه: " الصوم للرؤية والفطر للرؤية"، أي ان قال: وروي انه إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة، وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين، وإذا رأيت ظلّ رأسك فيه فهو لثلاث ليال.

الرواية ضعيفة بالإرسال، والتعبير بـ " روي " مشعر بالتضعيف.

ومع عدم الدليل نذهب إلى عدم اعتبار الغيبوبة بعد الشفق. ولو فرضنا وصل الأمر إلى تعارض الروايات حملنا روايات الاعتبار على التقيّة، لكننا لا نصل إلى احكام باب التعارض لان كلتا الروايتين ضعيفتان، انما احكام التعارض تكون بين خبرين معتبرين.


[1] ولاحظت ذلك في المنهاج للسيد الخوئي (ره) بأنه لا اعتبار للتطوّق.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo