< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

44/10/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فقه

- هل الظواهر مشروطة بالمشافهين دون غيرهم؟

- سيرة أهل المحاورة وهي العمدة في الباب لاشتراط ذلك.

- حجية ظواهر الكتاب.

- الكلام تارة في اصل الظهور وتارة في حجيته.

 

عظم الله اجورنا واجوركم بوفاة سيدنا ومولانا الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، الذي اعتبر ان حركته أو ثورته عليه السلام العلميّة لا تقل أهميّة وآثار عن ثورة الامام الحسين عليه السلام، وكل ما في الامر ان مواجهة الحسين عليه السلام كانت مواجهة دمويّة واستشهد، اما مواجهة الصادق عليه السلام فكانت ثورة علميّة فكريّة لأعادة الأمور إلى نصابها، فانه في زمن الصادق عليه السلام انتشرت فكرة القياس وصارت الاحكام تؤخذ منه بعد ان كانت حصرا من الكتاب والسنّة، أي كان ابو حنيفى مفصلا مهما في تاريخ الفقه، لانه تدخل في اسس تااستنباط الاحكام الشرعية، ولذاكما قال عليه السلام: "يا ابا حنيفة لا تقس، إذا قيس الدين محق ". فالحسين عليه السلام استشهد لاجل بقاء هذا الدين، ولو لا حركته لم يبقى الاسلام بل ولا القرآن بين ايدينا كما بيّناه في كتابنا "لو بايع الحسين"، لذلك ثورة الصادق عليه السلام تشابه ثورة جدّه لانه قام بجهد هائل حتى يرجع الأمور إلى نصابها ويبقى الفقه وطرق الاستنباط مستقيمة.

نعود ملخصا: هل الظواهر مشروطة بالمشافهين دون غيرهم؟

الظاهر من سيرة المحاورة - وهي العمدة كما ذكرنا- عدم اشتراط ذلك. فحجية الظواهر جعلناها في خانة مباحث الالفاظ وليست مسألة عقلية، فالعمدة هم أهل المحاورة وسيرة الناس في كيفية الفهم، والظاهر منهم عدم اشتراط ذلك.

ألا ترون أن الناس تأخذ بظواهر كلام أصحاب الكتب ممن سبقهم سواء كان كتابا في الفقه أو الاصول أو التاريخ أو الفيزياء أو الكيمياء أو غير ذلك، فيأخذون بظاهر كلام مؤلفيها من دون تردد. مع العلم أنهم غير مشافهين ولذلك لا يجوّز من ذهب إلى هذا الشرط الأخذ بظواهر القرآن الكريم وكتب الحديث، لان الأئمة (ع) كانوا يخاطبون المشافهين.

إذا كان كذلك واشترطنا هذا الشرط فنحتاج حينئذ إلى قاعدة الاشتراك في الاحكام، لانه إذا كان الظاهر حجّة للمشافه وجاءت رواية عن الامام (ع) وانا لست المشافه، والفهم يختص به، كيف يمكن لي أن أفهم احكامي؟

والصحابة مثلا إذا استظهروا معنى فإني أتبع استظهارهم وهو يكون الدليل عليّ ولا يحق لي أن استظهر ولو استظهرت فلا يكون حجّة لي ولا عليّ. فهذا الشرط يجعل من فهمنا للقرآن والسّنة بلا قيمة.

ويمكن ردّ هذا الاشكال على من حصر الحجيّة بالمشافه بالتمسك بقاعدة الاشتراك في الاحكام بين الناس الماضين والحاضرين والمستقبلين فلكلهم حكم واحد، فنستطيع أن نعرف احكامنا بما فهمه الماضون من الظواهر. وهذا يلزمه أن لا يكون لي فهم خاص أو ان لا يكون هناك حكم حجّة عليّ، فقط ما فهم السلف الماضون يكون حجيّة عليّ.

ولذلك فإن المحقق القمي (ره) لما ذهب إلى اختصاص حجية الظواهر بمن قصد، رتّب على ذلك انسداد باب العلم والعلمي في معظم الاحكام، باعتبار أن الاخبار المروية عن الأئمة (ع) لم يقصد منها إلا إفهام خصوص المشافهين، فتختص حجيّة ظواهرها بهم.

ونقول جوابا: إذن لماذا حث الأئمة (ع) أصحابهم على كتابة الحديث؟ ولماذا نظر الأئمة في العديد من الكتب الحديثية وصححوا بعضها؟ ولماذا كانت فتاوى القدماء بالفقه بالمأثور كما في النهاية للشيخ الطوسي (ره)، وما قبلها؟ وبعدها خرج عن الفقه بالمأثور في كتابه المبسوط الذي هو من تنظيمه.

واعتقد أن المسألة لا تحتاج إلى أكثر من ذلك.

الامر الرابع: الكلام في حجيّة ظواهر الكتاب؟

نسب إلى الاخباريين وإن كانت تسمية لا احبذها كما ذكرنا سابقا [1] عدم الحجيّة في خصوص القرآن، وإلا فالحجية أوضح من أن تخفى في القرآن، وهي أوضح منها في الحديث، والذي دفعهم للقول بعد الحجيّة الروايات والنصوص التي استظهروا منها عدم حجيّة ظواهر القرآن إلا إذا كانت عن طريق أهل البيت عليهم السلام.

ولا بأس بذكر الدوافع إلى هذا القول.

والكلام تارة في الصغرى وهي: هل للقرآن ظاهر أو لا؟، وتارة في الكبرى وهي: هذا الظاهر لو تم هل هو حجّة أو لا لو حصلت الظواهر؟

أما منع كون الكتاب له ظاهر:

فقد استدل له بوجوه، ويمكن أن يقال احيانا أن هناك بساطة في التفكير في هكذا ادلّة:

الاول: أن الفاظ القرآن وآياته وسوره من قبيل الرموز، كفواتح السور التي هي كنايات عن معان لا يعرفها إلا المعصوم (ع)، ولذلك لا استطيع أن أفهم القرآن إلا من خلال رسول الله وأهل بيته عليهم السلام.

وفيه: أنها دعوى بلا دليل، فإذا كانت بعض فواتح الكتاب مثل: ﴿ الم﴾ و ﴿ حم عسق﴾ و ﴿كهيعص﴾ لا نفقه معناها، فإن الاف الآيات لها ظواهر نفهمها، كما اننا نفهم فاتحة الكتاب وغيرها من السور. كيف لا وقد نزلت على رسول الله (ص) ليبلغها للناس. هذا اولا.

وثانيا: لو كانت كذلك لما كان القرآن حجة على البشر، ولما كان معجزة تهدي إلى الحق، إذ كيف يكون إعجازا والبشر لا يفهمونه، ولذلك فإن العرب لما فهموا ظواهره واعترفوا بعجزهم عن الإتيان بمثله، فمنهم من آمن به، ومنهم من اعتبره سحرا.

بالاضافة إلى أن الأئمة (ع) أرجعوا الناس إلى ظواهره مطلقا كما في قوله تعالى: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [2] ، أو في مقام الاستدلال كما في الرواية لما سأله زرارة: من أين علمت أن المسح ببعض الرأس؟ فقال: (ع) لمكان الباء والباء هنا تبعيضيّة. فعرّفه (ع) مورد استفادة الحكم من ظاهر الكتاب. فلو لم يكن ظاهر القرآن وحجّة ويمكن استظهار معانيه لا معنى ان يرجع الامام عليه السلام زرارة للشاهد على مسح بعض الرأس من القرآن.


[1] وذكرنا سابقا ان التفريق بالتسمية بان هناك اخباريين واصوليين، هذه التسمية لا احبذها ابدا، وقلت ان هذا اختراع ومؤامرة لتقسيم الصف الشيعي اتباع أهل البيت عليهم السلام. لم اجد شيئا أساسيا بحيث يصبح عندنا طائفتان ومذهبان. لا فرق بين الاخباريين والاصوليين، نعم بعض أعلام الاخباريين تفردوا ببعض الآراء، فلا اشكال في ذلك، ويبقى مجرد اختلاف في الرأي، وليس مذهبا خاصا. والامثلة كثيرة على الاختلاف في الرأي كما الاختلاف في المسائل الفقهية أو الأصولية كما الاختلاف في وجوب مقدّمة الواجب، وكذلك الاختلاف في النحو بين المدرسة البصرية والكوفيّة، وهكذا بقيّة العلوم. كل هذا اختلاف في الرأي ولا يبقى ان يؤدي إلى طائفتين ومذهبين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo