< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

44/10/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن:

- الكلام في حجيّة ظواهر الكتاب؟

- منع كون الكتاب له ظاهر، واستدلوا بوجوه: الاول ان القرآن رموز، والجواب عليه.

- الثاني: اشتمال القرأن على مضامين عالية لا يفهمها إلا الراسخون في العلم. والجواب عليه.

الثالث: القرآن له ظهور غير مستحكم لكثرة التخصيصات والتقييدات، والقرائن الصارفة عن المعنى الحقيقي، ونحتمل حصولها احتمالا عقلائيا.

 

أما منع كون الكتاب له ظاهر:

نكمل امثلة إرجاع الناس إلى ظواهر الكتاب:

كذلك في عدم تحليل المطلّقة ثلاثا بالزواج المؤقت، والمحلل يشترط فيه أمور: اولا: الدخول وبعضهم اشترط أن ينزل من مائه فيها: "حتى يذوق الاخر عسيلتها... وتذوق عسيلته" [1] ، ثانيا: أن يكون الدخول بعقد دائم، وذلك لظاهر قوله تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا﴾ [2] ، ومعلوم أن العقد المؤقت ليس فيه طلاق، ونفس تعلق النكاح بالزوج في قوله تعالى: ﴿حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ يستدل به على لزوم الدخول بقوله: " تنكح زوجا" المفروض بحسب الظاهر ان يكون زوجا قبل النكاح، أي كان معقودا عليها ثم ورد الأمر بنكاحها، فيدل على الوطء، فلا تحلّ للأول إلا بوطء الثاني. ولو قال: "حتى تنكح رجلا غيره لكان يمكن احتمال العقد والوطء. فالنكاح على ما ذهبنا إليه وهو الموضوع له هو الوطء الشرعي وقد يستعمل كثيرا في العقد.

كذلك في عرض الخبرين المتعارضين على كتاب الله، والتعارض لا يكون إلا بعد استحكام التنافي في خبر صحيح مقابل خبر صحيح، اما في الخبر الصحيح مقابل الضعيف فلا تعارض، لان الضعيف ليس بحجّة، بعبارة اخرى: التعارض والتنافي يكون بين الحجّتين وبين المعتبرين. فالإمام (ع) يقول جوابا على من سأل انه يأتينا الخبران المتعارضان، فأجاب: "ان ما وافق كتاب الله خذ به" و " ما خالف قول ربنا لم نقله " و قال: "انه زخرف باطل اضرب به عرض الحائط".

ففي الجميع ارجاع المكلّف إلى كتاب الله، ولو لم يكن للكتاب ظاهر أو لم يكن حجّة لما كان معنى لهذا الارجاع، إذ كيف يرجع المرء إلى ما لا يفهمه؟! أو كيف يحتج عليه بما ليس حجّة عليه؟!

الوجه الثاني: إن القرآن مشتمل على معاني غامضة ومضامين شامخة لا يصل إليها الفكر البشري العادي، فمع صغر حجمه فيه علم ما كان وما يكون وسيكون، ولذا ورد أنه لا يعرف القرآن إلا من خوطب به أي النبي (ص) وعلّمه لأهل البيت عليهم السلام.

ففي رواية زيد الشحام قال: دخل قتادة (من فقهاء العامّة) على ابي جعفر (ع) فقال له: " أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال: هكذا يزعمون، فقال (ع): بلغني أنك تفسّر القرآن؟ قال: نعم... إلى أن قال: يا قتادة، إن كنت قد فسّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت واهلكت، وإن كنت قد فسّرت من الرجال فقد هلكت واهلكت، يا قتادة ويحك، إنما يعرف القرآن من خوطب به ".

وفي رواية شعيب بن انس مرسلة عن ابي عبد الله (ع) انه قال لابي حنيفة: أنت فقيه أهل العراق؟ قال: نعم، قال (ع): فبأي شيء تفتيهم؟ قال: بكتاب الله وسنّة نبيّه، قال (ع): يا ابا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته، وتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: نعم، قال (ع): يا ابا حنيفة، لقد ادّعيت علما، ويلك ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم، ويلك ما هو إلا عند الخاص من ذريّة نبيّنا (ص)، وما ورّثك الله من كتابه حرفا. [3]

مع العلم أن ابا حنيفة عمل بالقياس اكثر من الحديث، حيث نقل عنه انه كان يقول: "لم يثبت عندي إلا سبعة عشر حديثا فعملت بالقياس".

وفيه: أن للقرآن معنيين:

     معنى ظاهر، وهو الحجة على الناس، يفهمونه كما يفهمون كلامهم. كما في فاتحة الكتاب، يفهمون ان الباء في "بسم الله" انها باء الاستعانة، والاسم بمعناه والله بمعناه، وكذلك في سورة الاخلاص "الاحد" لغة لا تطلق إلا على العاقل و " الواحد" تطلق على العاقل وغيره، وكل هذا يعود لمحاورات الناس وهو حجّة في الفهم على الناس.

     ومعنى باطن يحتاج إلى تأويل، لا يعرفه إلا الراسخون في العلم، فهو مختص بهم. – وهذا هو معنى قول الامام (ع) أنك يا قتادة لا تعرف شيئا -، وهذا المعنى يمكن أن يعرفه البشر إذا عرفوا نكاته فيصبح أيضا ظاهرا عندهم بعد معرفة النكتة الخفية على الناسفيرتفع خفاؤها ولا تبقى تأويلا، مثلا في قوله تعالى: ﴿إنا اعطيناك الكوثر﴾ فسّرت الكوثر بأنه الزهراء (ع) وهذا المعنى ليس بظاهر، إلا أنه إذا ربطنا السورة أولها بآخرها يظهر هذا المعنى، فإن آخر السورة: ﴿ ان شانئك هو الابتر ﴾، والابتر مقطوع النسل، وكانوا يعيرون رسول الله (ص) بأنه لا عقب له ولا نسل، فبشره الله تعالى بالزهراء فاطمة (ع) التي سيكون له منها نسل كثير.

ومثلا في قوله تعالى: ﴿وارسلنا الرياح لواقح﴾ الاشجار تحمل لقاح ذكري واشجار تحمل لقاح انثوي فالرياح تحمل اللقاح من اشجار وتلقح الاشجار الاخرى فتعطي الثمر، إذا فهمنا النكات من الألفاظ يصبح الباطن ظاهرا.

إذن لا مانع من أن يكون للقرآن معنى ظاهر يكون للناس، ومعنى باطن يكون مخصوص بالراسخين في العلم، يدلّون الناس عليه. فالله عز وجل جعل للقرآن معان ظاهرة وباطنة، ولعلّ الدافع والغاية لذلك أن لكل زمن اعجازة، فالقرآن معجزة في كل الازمنة ولكل البشريّة، فإذا كان الظاهر "البلاغة" هو المعجز عن قريش والعرب، ما هو المعجز في زمننا هذا في اللسان الغريب عن اللغة العربيّة؟ لذلك لإعجاز القرآن عدّة جهات ومناح، اعجاز الاخبار بالغيب والاعجاز العلمي والتشريعي وغير ذلك.

فالظاهر في القرآن يكون لكل زمن يفهمه الناس العاديون، وهناك باطن اعمق من الظاهر يفهمه الخواص واصحاب الاختصاص. وبيّنت هذا الامر لبعض الاطباء حين بينت له كيف يأتي الولد يشبه اخواله واعمامه، وان الامام علي (ع) قال انه تعتلج النطفتان في الرحم، فإذا كانت نطفة المرأة أغلب جاء الولد يشبه اخواله، وان كانت نطفة الرجل أغلب جاء الولد يشبه اعمامه، وبينت أن نطفة المرأة - البويضة - لم تكن معروفة في ذلك الزمن إلى الزمن القريب، وهي لا ترى بالعين المجرّدة. بعض الأطباء من غير المسلمين استغرب ذلك واقشعر جسمه وسأل كيف للأمام عليه السلام ان يدرك هذه الامور في ذلك الزمن؟!.

لذلك لا مانع بان يكون للقرآن معنى ظاهر يكون للناس ومعنى باطن يكون مخصوصا للراسخين بالعلم يدلون الناس عليه.

الوجه الثالث: القرآن له ظهور، ولكنه بحكم المجمل لانه ظهور غير مستحكم، لاننا نعلم إجمالا بوجود القرائن الصارفة عن ظواهره كالمخصصات والمقيدات والقرائن على المجاز.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo