< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

44/11/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحث الهلال: بداية الشهر القمري.

     هل يثبت الهلال بحكم الحاكم؟

     ما المراد من الإمام في رواية : إذا شهد عند الامام شاهدين.

     الأصل بقاء اللفظ على المعنى اللغوي، لان الحقيقة الشرعية أو المتشرعة، أو في اصطلاح الفقهاء تحتاج إلى دليل.

 

هل يثبت الهلال بحكم الحاكم؟

والكلام فيه من حيث حاكمة الحاكميّة، كحاكم وليس كشاهد، المسألة قديمة وهي محل كلام.

مقدمة حكم الحاكم بشكل عام اعتباره وحجيّته تحتاج إلى دليل، ثبت في خصوص المرافعات والدعاوى أي في القضاء، اما في غيرها فلم يثبت وان ادعي ثبوته من خلال الأمور العامّة كما في مقولة عمر بن حنظلة أو رواية إسحاق بن يعقوب.

فلو فرض ان الحاكم الشرعي حكم بان هذا المائع الخارجي دما فهل يكون حجّة ومعتبرا؟ [1]

درسنا في علم الأصول ان الأصل عدم الحجيّة والاعتبار، بل الحجيّة هي التي تحتاج إلى دليل.

إذن: لم يثبت وجوب اتباع حكم الحاكم الشرعي وعدم جواز نقضه إلا في خصوص المرافعات والدعاوى وذلك في روايتي عمر بن حنظلة وابي خديجة سالم بن مكرم الجمال.

أما في غير ذلك من الموضوعات فإنه يحتاج إلى دليل والأصل عدمه. وتثبت الموضوعات مثلا بالشاهدين العدلين أو بالشاهد الثقة أو بخبر الثقة وغير ذلك وذلك لسيرة العقلاء على ذلك وهي العمدة في المقام، وإن ذهب بعضهم إلى عدم ثبوت الموضوعات بخبر الثقة.

وقد صرّح غير واحد بثبوت الهلال بحكم الحاكم، وقيل إنه المشهور وفي "الحدائق" أنه ظاهر الأصحاب، وظاهر "القواعد" و "الدروس" و" المدارك" المفروغية عنه. [2]

وقد ورد في خصوص الهلال ما يدّل على ذلك.

ففي وسائل الشيعة ايضا الباب 6، ح 1: محمد بن علي بن الحسين (الصدوق) بإسناده (صحيح)، عن محمد بن قيس (ثقة عين من الاجلاء)، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا شهد عند الامام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الامام بإفطار ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، وإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الامام بإفطار ذلك اليوم وأخر الصلاة إلى الغد فصلى بهم. [3]

من حيث السند: صحيح.

ومن حيث الدلالة: فإن اللازم العرفي لأمر الإمام هو وجوب الالتزام بما يقوله الإمام، بالطاعة ووجوب الإفطار.

ما المراد من الإمام في الرواية؟

والظاهر أن المراد من الإمام هو المعنى اللغوي الأعم من المعصوم (ع) وغيره، أي المشترك المعنوي، وليس خصوص الإمام المعصوم (ع) وان اللفظة اصبحت حقيقة شرعيّة وذهبت إلى معنى آخر فهذا يحتاج إلى دليل.

هل المعنى اللغوي المتبادر وفي كتب اللغة: أمّ يؤمّ أي قاد يقود هو المطلوب؟

وقد ادّعى بعض الأجلاء عدم دلالة الرواية على حجيّة حكم الحاكم في إثبات الهلال، واستدل على ذلك بأن المراد من الإمام هو خصوص المعصوم (ع)، ولم يثبت أن كل صلاحيات المعصوم تثبت لغيره - إلا بناء على نظرية ولاية الفقيه-، سواء كان الحاكم الشرعي أم غيره.

من هنا أصبحت دلالة الرواية على المطلوب متوقفة على تحقيق المعنى المراد من لفظ " الامام ".

إذن هناك مطلبان: أولا : ما المراد من لفظ الإمام، الثاني: ذكر شهادة الشاهدين عند الإمام.

قبل البدء بالتحقيق لا بد من مقدّمة وهي:

أن اللفظ يحمل على الحقيقة اللغويّة إلا إذا ثبت أن المراد منه معنى آخر، سواء كان المعنى الآخر حقيقة شرعيّة أم غيرها. بعبارة أخرى: الأصل هو الحقيقة اللغوية لان الأصل هو عدم النقل، والحقيقة الشرعيّة تحتاج إلى دليل.

ومع الشك في تحقق الحقيقة الشرعيّة فالأصل البقاء على المعنى اللغوي.

وفي مقامنا لا يبعد حصول نقل في لفظ الإمام من المعنى اللغوي وهو القائد المتبع إلى معنى اصطلاحي خاص عند الفقهاء وهو الإمام المعصوم (ع)، ولم يثبت عندي حصول النقل لدى الشارع، أو لدى المتشرعة في زمن الشارع.

هناك فرق بين العرف اللغوي، وعرف الشارع، وعرف المتشرّعة، وعرف الفقهاء، في المعاني.

وهنا الامام لا يتكلم بعرف الفقهاء في الرواية، ولذا، فإن لفظ الإمام يحمل على المعنى اللغوي، خصوصا مع كثرة استعماله في زمن الشارع في غير المعصوم (ع).

فمثل في الفرق بين الاستعمالات ففي القرآن الكريم يقول تعالى:

﴿فقاتلوا أئمة الكفر﴾[4]

﴿أئمة يدعون إلى النار﴾ [5]

﴿يوم ندعو كل أناس بإمامهم﴾ [6]

﴿قال إني جاعلك للناس إماما﴾ [7]

﴿وكل شيء أحصيناه في إمام مبين﴾ [8]

﴿ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة﴾ [9]

﴿وجعلناهم أئمّة يهدون بأمرنا﴾ [10]

فكلمة إمام هنا بالمعنى اللغوي وهي القائد وليس الامام المعصوم.

ومن الحديث: قال أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) في نهج البلاغة لعثمان بن عفان: "فَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ عِبَادِ اللَّه عِنْدَ اللَّه إِمَامٌ عَادِلٌ هُدِيَ وهَدَى فَأَقَامَ سُنَّةً مَعْلُومَةً - وأَمَاتَ بِدْعَةً مَجْهُولَةً وإِنَّ السُّنَنَ لَنَيِّرَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ وإِنَّ الْبِدَعَ لَظَاهِرَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ وإِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّه إِمَامٌ جَائِرٌ ضَلَّ وضُلَّ بِه فَأَمَاتَ سُنَّةً مَأْخُوذَةً وأَحْيَا بِدْعَةً مَتْرُوكَةً وإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه (ص) يَقُولُ يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالإِمَامِ الْجَائِرِ ولَيْسَ مَعَه نَصِيرٌ ولَا عَاذِرٌ فَيُلْقَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيَدُورُ فِيهَا كَمَا تَدُورُ الرَّحَى ثُمَّ یَرْتَبِطُ فِی قَعْرِهَ.". [11]

إذن لا بلسان الشارع الامام بمعنى الامام المعصوم، ولا بلسان المتشرعة هو الامام المعصوم. كلمة الامام استعملت بالمعنى الأعم وهو القائد.

وفي حديث بشر بن غالب عن قول الله عز وجل: ﴿يوم ندعو كل أناس بإمامهم﴾ قال: إمام دعا إلى هدى فأجابوه إليه، وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوه إليها هؤلاء في الجنّة وهؤلاء في النار، وهو قول الله عز وجل: " فريق في الجنّة وفريق في السعيد ". [12]

وكذلك ورد في وسائل الشيعة: ح 5 – محمد بن الحسن بإسناده (قريب الاعتبار) عن محمد بن الحسن الصفار (ثقة)، عن محمد بن الحسين ( لعلّه بن ابي الخطاب ثقة)، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (ثقة)، عن صالح بن عقبة (ثقة)، عن يزيد بن عبد الملك (لم يثبت توثيقه سواء كان الجعفي أم النوفلي)، عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن عليه السلام، وعن المفضل بن صالح (أبو جميلة، مقبول الرواية، بل ثقة لرواية مشايخ الثقات عنه، كذلك رواية بعض الكبار كيونس بن عبد الرحمن، فلا ينظر إلى تضعيف ابن الغضائري أو غيره)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا سرق السارق من البيدر من إمام جائر فلا قطع عليه إنما أخذ حقه، فإذا كان من إمام عادل عليه القتل. [13] (الظاهر القطع).

هذا وقد سمّي إمام الجماعة بالإمام لكونه يقتدى به.


[1] الفرق بين الفتوى والحكم: ان الحكم يكون في الموضوعات، اما افتوى تكون في الاحكام الكليّة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo