< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

44/11/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظهار.

الظهار لغة واصطلاحا.

سبب نزول آية الظهار.

الظهار لم يعد موجودا عمليا بين الناس نبحثه ليس فيه فائدة سوى الفائدة العلمية.

نقطة مهمّة يجب بحثها وهي: هل الظهار صحيح؟

ثمرة هذه النقطة هي في علم الأصول.

الظهار:

لغة: الظهار في لسان العرب: هو أن يقول الرجل لامرأته: "أنت عليّ كظهر أمي، وكانت العرب تطلّق نساءها في الجاهليّة بهذه الكلمة، وكان الظهار في الجاهليّة طلاقا، فلما جاء الإسلام نهوا عنه، واوجبت الكفارة على من ظاهر من امرأته، وهو الظهار، وأصله من الظهر، وانما خصوا الظهر دون البطن والفخذ والفرج، وهذه أولى بالتحريم لان الظهر موضع الركوب ...".

وفي الاصطلاح: في وسيلة المتفقهين: ج3، ص78: هو نوع من التحريم (ولو قلنا: المحرمات لكان أولى)، وهو بأن يقول الرجل لزوجته: أنت عليّ كظهر أمي. وقد كان طلاقا في الجاهلية كما ذكر في مجمع البيان للطبرسي. والأصل فيه قوله تعالى: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم، قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾[1] ﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنْ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾[2] ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾[3] ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[4]

سنبين ان الظهار يقع فاسدا، وانه هناك حرمّة تكليفية لا وضعيّة، والكفارة عقاب على انك تلفظت بالظهار، اما بيع الخمر فهو حرام تكليفا ووضعا، أي أنه فاسد ويآثم فاعله. اما بيع المغصوب فهو فاسد لكنه ليس بحرام، أي لا تكليف فيه.

سبب النزول: في وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج15، باب 1 - ان من قال لزوجته: أنت على كظهر أمي حرم عليه وطؤها مع الشرائط حتى يكفر، وأنه يحرم التلفظ بالظهار.

ح 1 - محمد بن علي بن الحسين (الصدوق) بإسناده عن ابن أبي عمير، عن أبان وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله يقال له: أوس بن الصامت وكان تحته امرأة يقال لها: خولة بنت المنذر، فقال لها ذات يوم: أنت علي كظهر أمي ثم ندم وقال لها: أيتها المرأة ما أظنك إلا وقد حرمت علي فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت : يا رسول الله إن زوجي قال لي: أنت علي كظهر أمي، وكان هذا القول فيما مضى يحرم المرأة على زوجها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: ما أظنك الا وقد حرمت عليه، فرفعت المرأة يدها إلى السماء فقالت: أشكو إلى الله فراق زوجي فأنزل الله يا محمد: ﴿قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها﴾ الآيتين ، ثم أنزل الله عز وجل الكفارة في ذلك ، فقال : ﴿والذين يظاهرون من نسائهمالآيتين .[5]

قبل البحث في هل الظهار صحيح؟ ترددت في بحث باب الظهار بأكمله، لانه لم يعد موضع ابتلاء، تماما كما في بحث العتق والرق لا نبحثهما. في كتابي وسيلة المتفقهين لخّصت احكام الرق لكن بحثت موضوع الإشكالية على انسانيّة الإسلام، وكيف يقرّ الإسلام العبودية؟! بيّنت في الجواب أن الرق له مصدران: أسير الحرب والتجارة.

اسير الحرب سلّم نفسه حتى لا يقتل، فوضعه إما أن تبقيه عندك بدل قتله، وإما أن تبادله بأسرى آخرين أو تبادله بمنافع كما ورد عن الرسول الاكرم (ص) أنه أفرج عن أسرى المشركين لقاء ان يعلم كل اسير منهم عشرة من أطفال المدينة، أو نطلق سراحه. وفي الكل سلبيات، ولذا أقرّ الشارع المقدّس رقّ الأسرى لانه أفضل الحلول.

اما تجارة الرق فقد كانت مشتهرة في البلاد الأوروبية ومن ثم تباع في بلاد الإسلام. فكثير من المحدثين والفقهاء والقادة العسكريين وقادة الجيوش كانوا عبيد وحررهم الإسلام، مثلا زرارة بن اعين هو أساسا ابن سنسن الرومي وهو من كبار المحدثين، وطار بن زياد العسكري كان عبدا بربريا وغيرهم. فان الرق بحسب القواعد الاسلاميّة فرصة لتربية الأسير.

كان البناء ان لا ندرس الظهار لانه باب واسع ولا داعي أن نغوص بأحكامه وشروطه، لم يعد محلّ ابتلاء أصلا، بل ان الناس ر يعرفون معناه. نعم نقطة مهمّة وهي: الظهار حرام شرعا ويأثم بلا شك، لكن هل هو صحيح أو لا؟

الاغلب يقول أن الظهار صحيح، وسنبيّن أن تصحيحه محل تأمل، والثمرة انهم يُشكِلون علينا عندما نقول: أن النهي عن المعاملة يقتضي الفساد، فيقولون هذا الظهار صحيح ومنهي عنه، فإذن النهي عن المعاملة لا يقتضي الفساد.

هذه المسألة لها ثمرة مهمّة في علم الأصول وليس في الفقه، وهي التي جعلتني ابحث في الظهار، وهل هو صحيح او لا؟

سابقا كان الرق والظهار موجودين وهما من الأبواب التي انعدمت عمليا في زمننا، فلندرس ما كان عمليا حتى ننفع الناس، ولا يكون البحث مجرّد ترف فكري.

هل الظهار صحيح؟

المعاملة صحتها شيء وحرمتها شيء آخر، فرق بين الحكم الوضعي والحكم التكليفي.

الحكم الوضعي هو الصحة والبطلان، كل من الاصوليون والفقهاء والمتكلمين عبّروا عن الصحة بما يناسب اهتماماته، فالأصوليون غبروا عن الصحة بانها ما كان تام الأجزاء والشرائط، والفقهاء عبّروا بانه ما ثبت له الاحكام في المعاملات وفي العبادة عبّروا أنه ما سقط فيه الأداء في الوقت والقضاء خارجه، الكلاميّون باعتبار ان اهتمامهم بالآخرة والثواب والعقاب عبّروا بأن ما كان عليه الثواب هو الصحيح والفاسد هو ما لم يكن عليه ثواب.

الفقهاء اهتموا بالأحكام والفروع، الأصوليّون اهتموا بالقواعد العامّة للاستنباط، الكلاميّون اهتموا بالثواب والعقاب والآخر والجنّة والنار، لذلك عبّر كل واحد بحسب اهتمامه.

نعود للكلام هل الظهار صحيح أو هو إيقاع باطل الكفارة والعقاب على التلفظ؟


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo