< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

44/11/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحث الهلال: بداية الشهر القمري.

     هل يثبت الهلال بحكم الحاكم؟

     ما المراد من الإمام في الرواية؟

     النتيجة: لا يثبت الهلال بحكم الحاكم من حيث كونه حاكما، نعم لا يبعد ثبوت عدالة الشاهدين من حيث كونه عادلا، وقلنا بثبوت الموضوعات بخبر الثقة الواحد.

نعود للكلام في مسألة ثبوت الهلال بحكم الحاكم؟

والكلام فيه من حيث اعتبار الحاكميّة، كحاكم وليس كشاهد.

ونكمل الكلام في معنى الإمام الوارد في الرواية، وقلنا أن المراد ليس الإمام المعصوم، لأنه إذا لم يكن هناك حقيقة شرعيّة نحمله على الحقيقة اللغوية، وادعاء النقل من اللغة إلى الحقيقة الشرعيّة تحتاج إلى دليل، وكذلك الحقيقة المتشرعيّة أيضا تحتاج إلى دليل.

وصلنا إلى نتيجة أن الإمام هو القائد القدوة لغة، وهو المراد من الرواية.

ورد في وسائل الشيعة: ح 5 – محمد بن الحسن بإسناده (قريب الاعتبار) عن محمد بن الحسن الصفار (ثقة)، عن محمد بن الحسين ( لعلّه بن ابي الخطاب ثقة)، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (ثقة، من الذين ثبت عندنا انه من الذين لا يروون إلا عن ثقة)، عن صالح بن عقبة (ثقة)، عن يزيد بن عبد الملك (لم يثبت توثيقه سواء كان الجعفي أم النوفلي)، عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن عليه السلام، وعن المفضل بن صالح (أبو جميلة، مقبول الرواية، بل ثقة لرواية مشايخ الثقات عنه، كذلك رواية بعض الكبار كيونس بن عبد الرحمن الذي نأخذ برواياته، فلا ينظر إلى تضعيف ابن الغضائري أو غيره)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا سرق السارق من البيدر من إمام جائر فلا قطع عليه إنما أخذ حقه، فإذا كان من إمام عادل عليه القتل. [1] (الظاهر القطع).

هذا وقد سمّي إمام الجماعة بالإمام لكونه يقتدى به.

وفي مرسل رفاعة عن الصادق (ع): ح 5: وعن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن الحكم، عن رفاعة، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخلت على أبي العباس بالحيرة فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في الصيام اليوم؟ فقال: ذاك إلى الامام إن صمت صمنا، وإن أفطرت أفطرنا فقال: يا غلام عليَّ بالمائدة، فأكلت معه وأنا أعلم والله أنه يوم من شهر رمضان، فكان إفطاري يوما وقضاؤه أيسر علي من أن يضرب عنقي ولا يعبد الله. [2]

من حيث السند: الرواية ضعيفة.

ومن حيث المضمون يمكننا استفادة أن ما يدور مداره فعل الإمام (ع) هو بقاء الدين والحفاظ على الإسلام.

وفي ح 3 - وعن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى، عن أبي عبد الله المؤمن (متحد مع زكريا بن محمد، قاله النجاشي: له كتاب، طريق الشيخ اليه صحيح، روى في كامل الزيارات)، عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد (الجبلي الاقطع الكوفي، ثقة لرواية صفوان وابن ابي عمير عنه وبعض الاجلاء)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اتقوا الحكومة فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبي (كنبي) أو وصي نبي.

ورواه الصدوق بإسناده عن سليمان بن خالد. ورواه الشيخ بإسناده عن سهل بن زياد مثله. [3]

والوصي هنا أعم من المعصوم وغيره بقرينة قول أمير المؤمنين (ع) لشريح القاضي: " قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي ".

وقد يقال: أن هذا دليل على أنه لا يكون حاكما إلا المعصوم وغير المعصوم يحرم عليه أن يكون حاكما.

فيقال: أن الوصي ليس بالمعنى الأخص، بل بمعنى النائب العام، والا وقف حال الدنيا بأكملها في فض النزاعات والخلافات، فإن القضاء واحكامه أمر لا بد منه عند بني البشر.

ولا شك أن الفقيه المجتهد العادل صالح للحكومة والقضاء وهو ليس نبيا ولا شقيا.

إلى غير ذلك من الاستعمالات الكثيرة جدا في المعنى اللغوي، مما يؤدّي إلى أن إرادة المعنى الاصطلاحي وهو خصوص الإمام المعصوم (ع) تحتاج إلى دليل مفقود هنا.

قد يقال: قد يكون المراد من لفظ الامام ما هو في اصطلاح الفقهاء وهو الامام المعصوم.

فإنه يقال: هذا ممكن لكن لم يرد ذلك لا في اصطلاح الشارع ولا المتشرّعة، أي انه ليست حقيقة شرعيّة ولا متشرعيّة. وألفاظ الرواية ليست حقائق فقهية بل هي خطاب مع الناس، إذن نحمل الإمام على المعنى اللغوي وهو القائد القدوة.

وفي مرسل رفاعة السابق ذكره إنما أفطر الإمام (ع) تقيّة، فلا تدل على ثبوت الشهر بحكم السلطان، أي كان السلطان والحاكم ولو كان جائرا، سواء العباسي ابي العباس وغيره، وبالتالي لا يصح الاستدلال بها على ثبوت الهلال بحكم الحاكم مطلقا.

كذلك ورد لفظ الإمام في الشعر العربي في الحاكم المتبع، فيقول أبو العتاهية وهو من شعراء العصر العباسي زمن هارون الرشيد:

من مبلغ عني الإمام نصائحا متوالية إني أرى الأسعار أسعار الرعية عالية

من للبطون الجائعات وللجسوم العارية.

ويريد من الإمام هنا هارون الرشيد.

وبالتالي: لا يبعد ثبوت الهلال بحكم الحاكم الشرعي بشرط أن يكون مستندا لشاهدين، ولا يعلم خطؤه ولا خطأ مستنده، وهو القدر المتيقّن من الرواية. فلو علمت بكذب الشاهدين أو أحدهما لما كان حكم الحاكم دليلا.

الخلاصة: إن القدر المتيقن من المراد من لفظة الإمام هو خصوص الحاكم الشرعي المجتهد العادل، الذي هو القائد عند المتشرعة، وبذلك يخرج الظالم.

قد يقال: الرواية في حجيّة حكم الحاكم مشروطة بشهادة الشاهدين وليس لأمر آخر كحدسه أو رأيه، فلو حكم برأيه بغير شاهدين لا يكون حجّة. وتكون الرواية دليلا على اشتراط الشاهدين، نعم عدالتهما تثبت بحكم الحاكم بشهادتهما، لان المفروض أن الحاكم حاكم شرعي عادل، والأخذ بشهادتهما يدّل باللازم على عدالتهما، فيكون إثبات الهلال هو بشهادة العدلين ولا خصوصية لحكم الحاكم.

فانه يقال: هذا كلام متين، خصوصا أننا نقول بثبوت الموضوعات بشاهد واحد ثقة.

هذه الرواية تدل على ثبوت الموضوعات بخبر الثقة. ولا دليل فيها على ثبوت الهلال بحكم الحاكم من حيث انه حكم حاكم.

والنتيجة: إذا حكم الحاكم الشرعي العادل مستندا إلى شاهدين كفى ذلك لإثبات الهلال، ولكن الظاهر أنه ليس لخصوصيّة الحاكم وحيثية حكم الحاكم، بل لشهادة العدلين.

إلى هنا نكون قد انتهينا من بحث كامل عن معنى الهلال وكيفية ثبوته، وانا مستعد ان اتقبل كل الآراء النقديّة وانا اتمنّى ذلك، ومستعد لتقبل كل الإشكالات، وأحاول الأجوبة عنها، بل ومستعد لتغيير رأيي فيها لو وجدت فيه خللا، أو أقنعني أحد الأخوة الفضلاء بخلافه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo