< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

44/11/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظهار.

     هل الظهار صحيح أو هو إيقاع باطل والكفارة والعقاب على التلفظ؟

     معنى الصحة إنشاء وضع جديد، ومعنى البطلان عدم انشاء أي وضع بل هو مجرّد لقلقة لسان.

     أدلّة بطلان الظهار: الروايات، حيث تقول: "هي امرأته" لا تحرم مجامعتها، وتجب عليه الكفارة قبل الوطء.

     لو كان الظهار صحيحا كان طلاقا لكونه حقيقة لغويّة كبقية المعاملات، ولعدّ من الطلقات الثلاث.

     آية الظهار تشير إلى الفساد: "ما هنّ امهاتهم"، والكفارة على القول:﴿وانهم ليقولون منكرا من القول وزورا﴾.

 

نكمل البحث في هل الظهار صحيح أو هو إيقاع باطل والكفارة والعقاب على التلفظ؟

المعروف ان الظهار صحيح ولو كان محرّما، لذلك عندما قلنا ان النهي عن المعاملة يقتضي فسادها اشكل علينا ان الظهار صحيح ومع ذلك محرم.

قلنا انه من ثمرات هذا البحث اننا نبيّن الكبرى الاصوليّة بان النهي عن المعاملة بعنوانها يقتضي الفساد. ولخلل في فهم معنى العبادة، ولأنهم أخذوا قصد القربة جزءا من مفهوم العبادة، اما في المعاملة ليس بجزء، ذهبوا إلى ان النهي عن العبادة يقتضي فسادها اما في المعاملة فلا يقتضي الفساد، أسس باطة غير صحيحة اسسوها وبنوا عليها.

لقد قيل في صحة الظهار انه في الجاهلية كان الظهار طلاقا، ولأنهم قالوا ان الحقائق اللغوية خاصة بالمعاملات وهذا يعني ان نفس المعنى الجاهلي استعمله الشارع كما هو، إذن صحّ الظهار. اما في العبادات قالوا ان هناك حقائق شرعيّة.

لكن قلنا أنه ليس هناك حقائق شرعية لا في العبادات ولا في المعاملات، بل هي حقائق لغوية، ويمكن ان يستخدمها الشارع ولا يعتبرها كما هنا في الظهار، لم يعتبره طلاقا واوجب على التلفظ به الكفارة كعقاب وتأديب. ومثال على ذلك الكلام الفحش الذي له معنى وليس له واقع، من باب الإرادة الاستعمالية التفهيمية لإطلاق المعنى دون ان يكون له حقيقة خارجية كما لو "اتهمتك انك ابن الزانية"، انا اريد لن اسبك واشتمك دوت ان تكون لي إرادة جديّة في ذلك. فان هذا اللفظ لم يجعل الأم زانية، لا حقيقة ولا اعتبارا، ولذا لا يقام عليه حدّ القذف لانه قذف الأم بالزنى.

نعم لا مانع من أن تدفع كفارة لهذا التلفظ لان مجرى الكفارة هي الإرادة التفهيمية الاستعماليّة من دون الإرادة الجديّة.

أدلة بطلان الظهار:

والدليل الأول: الرواية، في الوسائل كتاب الظهار: ح 1 - محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى (ثقة)، عن أحمد بن محمد (ثقة)، وعن علي بن إبراهيم (ثقة)، عن أبيه (ثقة)جميعا، عن ابن محبوب. عن أبي أيوب (الخزاز)، عن يزيد الكناسي (مشترك)، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: قلت له: فإن ظاهر منها ثم تركها لا يمسها إلا أنه يراها متجردة من غير أن يمسها هل عليه في ذلك شيء؟ قال: هي امرأته وليس يحرم عليه مجامعتها، ولكن يجب عليه ما يجب على المظاهر قبل أن يجامع وهي امرأته، قلت: فإن رفعته إلى السلطان وقالت: هذا زوجي وقد ظاهر مني وقد أمسكني لا يمسني مخافة أن يجب عليه ما يجب على المظاهر، فقال: ليس عليه أن يجبر على العتق والصيام والاطعام إذا لم يكن له ما يعتق ولم يقو على الصيام ولم يجد ما يتصدق به قال: فإن كان يقدر على أن يعتق فان على الامام أن يجبره على العتق أو الصدقة من قبل أن يمسها ومن بعد ما يمسها.

ورواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب وكذا رواه الصدوق إلا أنه قال : عن بريد بن معاوية (ثقة). [1]

ومن حيث السند: هناك بحث رجالي في سند الرواية، وهو في يزيد الكناسي فهل هو نفسه يزيد أبو خالد القماط الثقة؟ أم انهما اثنان؟ فإن كانا اثنين تقف الرواية، فانه لم يرد توثيق بيزيد الكناسي، والكناسة محلّة بالكوفة.

نعم يمكن تصحيحها بسند الصدوق (ره).

ما يؤيد الاتحاد: أولا: أن يزيد الكناسي روى عن ابي جعفر (ع) وروى عنه هشام بن سالم في الكافي ج1كتاب الحجة. وروى عن ابي عبد الله (ع) وروى عنه هشام بن سالم في ج5 ح9. ثم إن المجلسي في مرآة العقول وصف الأول بان حسن كالصحيح، وعلى الثاني انها صحيحة؟ السيد الخوئي (ره) يقول في معجمه: الحكم بصحة الرواية مبني على اتحاد يزيد الكناسي مع يزيد ابي خالد القماط، إذ لم يرد التوثيق بيزيد الكناسي بعنوانه، وانما ورد في يزيد ابي خالد القماط. وهذا أمر غير بعيد.

ثانيا: إن الشيخ لم يذكر في رجاله إلا يزيد ابا خالد الكناسي، فلو لم يكن الكناسي متحدا مع القماط لم يكن لترك ذكره وجه.

ثالثا: إن يزيد أبا خالد القماط كوفي على ما صرّح، والكناسة محلّة في الكوفة، فحينئذ يكون يزيد أبو خالد القماط الكناسي الكوفي .

في المقابل: دليل التعدد: إن البرقي ذكر عنوانين: أبا خالد الكناسي، وعنوان يزيد أبا خالد القماط، وكلاهما في أصحاب الصادق (ع) مما يشير بالتعدد.

أقول: يحتمل ان يكون البرقي في ذكره أبا خالد الكناسي غير يزيد الكناسي، فتبقى ادلة الاتحاد بلا معارض. والله العالم.

رواية أخرى: في الباب 15، الحديث 8 – وعنه (الحسين بن سعيد)، عن محمد بن الحسين (ثقة)، عن ابن أبي عمير (ثقة)، عن محمد بن أبي حمزة (ثقة) عن حريز (ثقة)، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: الظهار لا يقع إلا على الحنث فإذا حنث فليس له أن يواقعها حتى يكفر فإن جهل وفعل فإنما عليه كفارة واحدة. وباسناده عن الحسين سعيد ، عن ابن أبي عمير مثله . [2]

نلاحظ في الروايتين ان الظهار لم ينشئ وضعا جديدا، بل هي امرأته وزوجته، ولا يحرم وطؤها مطلقا، فلم تصبح اجنبيّة ولا مطلّقة، بل تبقى زوجته، " وهي امرأته"، فإن عنوان المطلقة ضدّ لعنوان الزوجة وعنوان امرأته.

وان اشتهر بين الفقهاء ان المطلقة الرجعيّة زوجة، قلنا ان هذا غير صحيح، هذه الشهرة لا مستند لها، فالمرأة المطلقة الرجعيّة بحكم الزوجة لما يتبعها من احكام، ففي الرواية اعاد الامام (ع) تعبير " وهي امرأته" للتأكيد على أنها ليست مطلّقة وان الظهار فاسد، نعم عليه الكفارة.

ثانيا: لو كان صحيحا لأقرّه على مفهومه الجاهلي وهو كونه طلاقا. ولكن الاسلام لم يقرّه طلاقا بدليل لو كان طلاقا صحيحا لاعتبر احد الطلقات الثلاث.

ثالثا: الآية تشير إلى بطلان الظهار﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنْ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾[3] لو كان الظهار صحيحا لصارت المظاهرة أما، لكن الله لم يعتبرها اما، اي ابطل الأثر والبطلان عند الفقهاء يعنى ان لا قيمة للكلام، ولا ينشء وصفا جديدا، بل مجرّد لقلقة لسان.

رابعا: إن التحريم هو للتلفظ، بالظهار، نعم ما ذكره الحر العاملي في عنوان الباب الاول من كتاب الظهار: باب من قال لزوجته: ﴿انت عليّ كظهر امي﴾ حرم عليه وطؤها مع الشرائط حتى يكفّر، وانه يحرم التلفظ بالظهار. الحرمة حرمة تكليفيّة بالتلفظ، هذا مع العلم أن التلفظ بالطلاق من دون قصد ليس صحيحا إلا عند ابناء العامّة.

خامسا: لو شككنا في صحته فالأصل الفساد، لاصالة الفساد في المعاملات عند الشك في صحتها، او لاستصحاب عدم الأثر، أو لاصالة عدم الأثر.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo