< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

44/11/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مجرى الأدلة اللفظية ةفي الدلالات الثلاث.

- جريان الأدلة اللفظية.

- لا يجري أي من الأصول اللفظية العقلائية في الدلالة التصورية.

- تجري اصالة عدم الغفلة والنسيان والخطأ في الدلالة التصديقيّة الاولى، دون الأصول اللفظية.

- تجري جميع الأصول اللفظية والعقلائية في الدلالة التصديقية الثانية، أي في تعيين المراد الجدّي.

- الأصل التطابق بين المراد الاستعمالي ةالمراد الجدّي.

بيّنا في الدرس السابق معاني الدلالات الثلاث، وتوضيح الاشكال على تسمية السيّد الخوئي (ره)، وقلنا ان الدلالة هي واحدة وهي الدلالة التصوريّة.

وقلنا فلتكن التسمية على مبانيهم هكذا:

     الدلالة التصوريّة الوضعية، أي مجرّد أن تسمع اللفظ تنتقل للمعنى حتى لو كان من نائم.

     الدلالة التفهيمية، أو ما سمّوه بالدلالة التصديقة الأولى، وهي إذا أراد المتكلّم أن يفهم الطرف الآخر، واعطينا مثال على ذلك النكتة واللطيفة والمزحة.

     الدلالة التصديقيّة، وسموها الدلالة التصديقية الثانية لانها تصدق الواقع.

وللتوضيح اكثر مثلا: لو قال شخص لآخر: "يا ابن الزانية " من باب الشتم لا من باب توصيف الواقع. عندما اطلقنا اللفظ تبادر معنى للسامع فهذه الدلالة تصورية بسبب الوضع، وأنت أردت أن تفهمه ذلك، فهذه دلالة تفهيميّة وهو ما يسمونه بالدلالة التصديقية الاولى أو الدلالة الوضعيّة كما سمّاها السيد الخوئي (ره)، والمتكلم ليس قاصدا جديا بأن المخاطب ابن الزانية، وليس قذفا حقيقيا وليس مرادا جدي واقعيا، بل قصده الشتم والإهانة،

فلو كن قاصدا لوجب عليه حدّ القذف، مع العلم ان السب والشتم ليس فيه حدّ القذف، وما ذلك إلا لان الشاتم والمخاطب يعلمون عدم المراد الجدّي للكلام، بل هو فقط مراد استعمال. فلو اراد اللفظ جديا كان كاذبا، وهنا يظهر الفرق بين النكتة والمزح والكذب، وكذا في بقيّة التشبيهات غير مطابقة للواقع، ونحن نعطي الامثلة من الواقع المعاش لكي تفهم الالفاظ والمصطلحات بوضوح ولا تبقى غامضة في ذهن الطالب.

نعم عندما اطلقت المراد الاستعمالي واستعملت اللفظ في معناه "يا ابن الزانية" تمّت الدلالة التصديقية الاولى، حينئذ، نأتي ونقول: هل هو مرادك الجدي أو لا؟ إذا لم يكن المراد جديا لا تكون هناك دلالة تصديقية ثانية، لان الدافع هو الشتم وليس بيان الواقع، وإلا لوجب عليه حدّ القذف.

من هنا إذا شككنا انه اراد ذلك واقعا أتت أصالة التطابق بين المراد الاستعمالي والمراد الجدّي، فالأصل التطابق.

النتيجة: إن الدلالة هي الدلالة التصوريّة فقط، ومنشؤها الأنس الذهني الناشيء غالبا من الوضع، ولذا فهي الدلالة الوضعيّة. وإنما قلنا غالبا لإخراج المجاز المشهور بناء على حمل المعنى عند الشك بينه وبين المعنى الحقيقي على المجاز، لكثرة الاستعمال، فإن تصور المعنى المجازي ليس منشؤه الوضع، بل الشهرة.

ومع التأمل نرى أن الدلالات الأخرى هي عبارة عن حالات للمتكلّم وليس لها دخالة في نفس مدلول اللفظ والمفهوم منه، نعم تنعكس على الوضع. ولا دخل للوضع فيها، لان اللفظ هو ما وضع للمعنى، فانت كمتكلّم تارة تكون جديا أو هزلا او نائما او قاصدا او غير قاصد، او خاطئا، أو ساهيا، أو ناسيا، فكلها حالات للمتكلم وليس من مدلول نفس اللفظ.

بعد بيان ذلك نأتي لجريان الأصول اللفظية:

جريان الأصول اللفظية:

الأصول اللفظيّة المتعلّقة بالالفاظ: وهي أصالة الظهور، العموم، الإطلاق، الحقيقة وغيرها لو كان.

وهناك أصول عقلائية تتبع حالات المتكلّم كاصالة عدم الغفلة، وعدم النوم والسهو والنسيان والخطأ ما تجمعها أصالة السند في شروط العمل بالخبر.

هذه الأصول أين موقعها من هذه الدلالات الثلاث ؟ فهل مجراها في الوضع أو في الاستعمال أو في المراد الجدّي؟

أما الدلالة التصوريّة التي منشؤها الوضع حتى ولو من النائم من دون قصد، فلا تجري كل الأصول فيها لا اللفظية ولا العقلائيّة، لأنها مجرّد انطباع الصورة في الذهن، وهذا الانطباع لا يتعلّق به غرض عقلائي، الأصول أصول عقلائية فتتبع الأغراض العقلائية وليس وضع كوضع ليس لهم غرض به بما هو، نعم قد نستفيد منه في التبادر كما ذكرنا.

والأصول سواء كانت اللفظية أو غيرها هي عقلائية لأغراض معيّنة، فلا تجري أصالة عدم الغفلة ولا أصالة الإطلاق ولا غير ذلك.

أما الدلالة التصديقيّة الأولى أو التفهيمية كما اسميناها، أو الوضعية كما اسماها السيد الخوئي (ره)، أي في المراد الاستعمالي فتجري عند الشك فيها الأصول العقلائية، كأصالة عدم الغفلة أو عدم السهو، أو عدم النوم، أو عدم النسيان، أو عدم الخطأ، وهي ما تسمى في شروط العمل بالخبر بأصالة السند. فلأن قصد التفهيم يتوقف على ما ذكر. أما الدلالات اللفظية كاصالة العموم وغيرها فلا تجري، لان الأصول اللفظيّة سلكها العقلاء لأغراض عقلائيّة ولا مشكلة عندهم في الاستعمال، مشكلتهم في المراد، غايتهم المراد، لأن الغرض هو بيان المراد الجدّي ولا يعنيهم كيفية الاستعمال.

أما الدلالة التصديقية الثانية: فتجري فيها أصالات الدلالة عند الشك، فتجري أصالة العموم والإطلاق والظهور والحقيقة، وتأتي جميعا عند الشك في المراد الجدي لتعيينه، فإن المراد الجدي هو غرض العقلاء.

مثلا في الفقه: " الظهار" فإنه لما علمنا معناه فلا يهمّ حينئذ كيف تمّ النقل والتسمية بالركوب والظهر وغير ذلك. وعند الشك في المراد الجدّي تجري أصالة التطابق، أي التطابق بين المراد الجدّي والمراد الاستعمالي، وهو مسلك عقلائي سلكوه لفهم مرادات المتكلّم.

الا ترى أن الناس لا يهتمون بكيفيّة الاستعمال إذا فهموا المراد الجدّي. وقد ذكرنا ذلك سابقا في مثال: "أنشبت المنيّة اظفارها في زيد" وأنه لما علمنا أن المراد أنه قد مات، فمعظم الناس لا يهتم بكيفية حصول المجازات والكنايات إذا ما استثنينا أهل الاختصاص من علماء البلاغة.

الا ترى ان حدّ القذف لا يثبت إلا عند الإرادة الجديّة للقذف، إذا قلت مثلا لشخص "يا ابن الزانية"، لا يقام الحد لان المراد ليس جديا بل مجرّد استعمال، لان العقلاء يهمهم الإرادة الجديّة. اما لو كان مجرد شتم وسباب وتشبيهات لا يثبت حدّ القذف.

هنا تجري اصالة التطابق عند الشك، والمراد هنا التطابق بين المراد الجدي والمراد الاستعمالي، ولولا هذا الأصل لا نفهم كثيرا من الالفاظ وتصبح من المجملات، وهذه الاصالة أصالة عقلائية بنى عليها الناس أهل المحاورة، وأهل اللغة كل اللغات لفهم المراد الجدّي عند الشك فيه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo