< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/03/27

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: دلالة صيغة الأمر
بيان رأي صاحب الكفاية (ره)
نقاش السيد الخوئي (ره)
بعد التذكر بالمقدمة الأولى نكمل:
المقدمة الثانية: إن للصيغة معان متعددة أوصلها بعضهم إلى خمسة عشر معنى كما في بعض الحواشي على المعالم، ولعلّه أكثر. ومن هذه المعاني: الترجي والتمني والتهديد والإنذار والإهانة والاحتقار والتعجيز والتسخير والحث والتحضيض والطلب.
وهنا بحثان: بحث في معنى الصيغة الطلبية " افعل "، ما هو الموضوع له وما هو المستعمل فيه عند استعمالها في المعاني المتعددة المذكورة؟. وبحث عند استعمالها في الطلب لو كان الداعي هو الطلب الحقيقي.
المقدمة الثالثة: في المبحث الأول: عند إرادة أحد هذه المعاني من الصيغة ثلاثة اتجاهات:
الأول: هذه المعاني مما استعمل فيه الصيغة، أي المستعمل فيه مثلا التهديد وليس هو بداعي التهديد [1]. وهو ظاهر المشهور، وقد صرّح بذلك المشكيني (ره) في حاشيته على الكفاية.
الثاني: أنها مستعملة في الطلب الإنشائي وتكون هذه المعاني من قبيل الداعي كما هو مختار الشيخ الآخوند (ره) في الكفاية.
الثالث: مستعملة في مفهوم الطلب، والمعاني دواع.
ونعود لكلام صاحب الكفاية (ره)
ملخص ما أفاده (ره) هو أن صيغة الأمر موضوعة لمعنى واحد وهو الطلب الانشائي وتستعمل فيه دائما، حيث يقول: { بل لم تستعمل إلا في إنشاء الطلب } - والظاهر أن مقصده هو: لم تستعمل إلا في الطلب، وقد ذهب (ره) إلى أن ما كان من شؤون الاستعمال لا دخالة له لا في الموضوع له ولا في المستعمل فيه وذلك في بحث قصد الآلية في المعنى الحرفي وقصد الاستقلالية في الأسماء -.
نعم يختلف الداعي على إنشائه، فقد يكون هو الطلب الحقيقي، وقد يكون التهديد [2]، واما ذهابهم إلى أن هذه المعاني من المستعمل فيه فهو من باب اشتباه المعنى بالداعي [3]، وهذا الرأي نذهب إليه. فإن هذه المعاني كلها من قبيل الداعي وليست لا من الموضوع له ولا في المستعمل فيه.
السيد الخوئي (ره) ناقش هذا الرأي بقوله في المحاضرات: { وهي: أن ما أفاده (قده) يرتكز على نظرية المشهور في مسألة الإنشاء، وهي إيجاد المعنى باللفظ في مقابل الإخبار، إذ على ضوء هذه النظرية يمكن دعوى: أن صيغة الأمر موضوعة للدلالة على إيجاد الطلب وتستعمل فيه دائما ولكن الداعي إلى إيجاده يختلف باختلاف الموارد وخصوصيات المقامات [4]. ولكن قد ذكرنا في مبحث الإنشاء: أن هذه النظرية ساقطة فلا واقع موضوعي لها، وقلنا: إن اللفظ لا يعقل أن يكون موجدا للمعنى، لا حقيقة ولا اعتبارا [5]. ومن ذلك فسرنا حقيقة الإنشاء هناك بتفسير آخر، وحاصله: هو أن الإنشاء عبارة عن اعتبار الأمر النفساني وإبرازه في الخارج بمبرز من قول أو فعل أو ما شاكل ذلك. وعلى ضوء هذا التفسير لا مانع من الالتزام بتعدد المعنى لصيغة الأمر. بيان ذلك: أن الصيغة على هذا موضوعة للدلالة على إبراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج، ومن الطبيعي أن ذلك يختلف باختلاف الموارد ويتعدد بتعدد المعاني، ففي كل مورد تستعمل الصيغة في معنى يختلف عن استعمالها في معنى آخر في المورد الثاني ويغايره، وهكذا. فإن المتكلم تارة يقصد بها إبراز ما في نفسه من اعتبار المادة على ذمة المخاطب. واخرى إبراز ما في نفسه من التهديد. وثالثة إبراز ما في نفسه من السخرية أو التعجيز أو ما شاكل ذلك. فالصيغة على الأول مصداق للطلب والبعث الاعتباريين، وعلى الثاني مصداق للتهديد كذلك، وعلى الثالث مصداق للسخرية، وهكذا. ومن الواضح أنها في كل مورد من تلك الموارد تبرز معنى يباين لما تبرز في المورد الثاني ويغايره.
ثم بعد أن كانت الصيغة تستعمل في معان متعددة - كما عرفت - فهل هي موضوعة بإزائها على نحو الاشتراك اللفظي [6]، أو موضوعة لواحد منها ويكون استعمالها في غيره مجازا؟ وجهان، الظاهر هو الثاني، وذلك لأن المتبادر من الصيغة عند إطلاقها هو إبراز اعتبار الفعل على ذمة المكلف في الخارج. وأما إرادة إبراز التهديد منها أو السخرية أو الاستهزاء أو نحو ذلك فتحتاج إلى نصب قرينة، وبدونها لا دلالة لها على ذلك. ومن الطبيعي أن ذلك علامة كونها موضوعة بإزاء المعنى الأول، دون غيره من المعاني}. [7]
نعود لكلام صاحب الكفاية (ره)، حيث ينتقل من الكلام عن دلالة صيغة الأمر " أفعل " إلى الكلام عن الصيغ الإنشائية الأخرى ويعمم ما رآه في صيغة " أفعل " على الجميع. فكما كانت صيغة " أفعل " موضوعة للطلب الإنشائي والمعاني المرادة هي دواع ودوافع للإستعمال، كذلك بقية الصيغ الانشائية، من قبيل " ليت زيدا حي " في التمني، و "هل جاء زيد " في الاستفهام، فصيغة الاستفهام موضوعة للاستفهام الانشائي الايقاعي، وبقية المعاني المرادة من الاستفهام التوبيخي أو الانكاري أو التقريري أو غير ذلك مما يتصور من معان استعملت لها الصيغة ومنها الاستفهام الحقيقي هي دواع ودوافع وبواعث للاستعمال، وليست من المستعمل فيه في شيء.
غدا نكمل المطلب ان شاء الله.





[1] تكون النتيجة كما قلنا ان الحقيقة والمجاز عند الاستعمال أي على مستوى المستعمل فيه، لا على مستوى الموضوع له، فليس في الموضوع له حقيقة ومجاز ولا على مستوى الداعي، فإذا استعملنا اللفظ في المعنى الموضوع سميناه حقيقة، وإذا تجاوزنا الموضوع له واستعملنا اللفظ في معنى آخر يكون على نحو المجاز. وقلنا انه لا مانع من اخذ هذه المعاني شرطا فيحتاج في المستعمل فيه إلى دليل. .
[2] فيكون تهديد بالحمل الشائع الصناعي، وكذلك بقية الصفات، لأن الحمل الشائع صناعي هو حمل على المصداق والافراد. .
[3] هذا التفريق بن الداعي والمستعمل فيه لم يكن قديما وهو مهم جدا لفهم الالفاظ. فإذا استعملت " افعل " في الطلب الانشائي والمستعمل فيه أيضا الطلب الانشائي، فإذا كان بداعي التهديد صار تهديدا بالحمل الشائع الصناعي لأنه حمل على الافراد، إضاءة: الاجتهاد هو عبارة عن رؤية واضحة للمسألة ومتعلقاتها، ولذا يكون المجتهد مطمئنا فيفتي برأيه، ولا يشترط فيه ردّ جميع الإشكالات إذا كان واضح الرؤية، إذ ربّ شبهة مقابل بديهة، وهذا القول نشأ من أن بعض الأمور الواضحة الجلية قد يشكل عليها باشكالات وأقيسة يعسر على صاحب الرأي ردّها، ولكنه يعلم ببطلان الإشكالات من دون أن يدرك السر في البطلان. وهذا لا يخدش في وضوح الرؤية عنده، ولا في اجتهاده وتبنيه للرأي. .
[4] كما ذكرنا ذلك في مثال السيارة في الدرس السابق. .
[5] نحن خالفناه في هذه النظرية. .
[6] في اول البحث ذكرنا قول صاحب المعالم (ره) قال: انها موضوعة للوجوب، وقيل انها موضوعة للوجوب والطلب على نحو الاشتراك اللفظي، وقيل انها موضوعة للوجوب والطلب والاباحة والتهديد، وذكر بقية الاقوال. ومنشأ هذه الأقوال الاستعمال، خصوصا إذا قيل بأن الاستعمال علامة الحقيقة. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo