< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/07/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: اجتماع الامر والنهي.

     إذا كان بين المتعارضين عموم من وجه.

     مع عدم تقديم أحدهما على الآخر نبحث عن عام فوقاني.

     وان لم نجد نبحث عن الاقوى ملاكا.

     فان لم نجد نبحث عن الاصل العملي.

المتعارضان إما ان يكون بينهما عموم من وجه او تباين كلي او تساو او عموم مطلق.

وقلنا: إذا كان بينهما تساو يمكن ان نتصور اجتماع الامر والنهي وثبوتهما معا، وهذا يخالف الحكمة عندما تكون المصاديق دائما مشتركة وحينئذ لا يصدر عن الحكيم إلا أحدهما.

وإذا كان بينهما تباين كما لو قلت: " لا تشرب الخمر " و " صلِّ " الصلاة شيء وشرب الخمر شيء آخر، فلا اجتماع بينهما لا في المفهوم ولا في المصداق. مع التباين الكلي قلنا إما ان يكونا متلازمين أو لا، فان كانا متلازمين اصبحت المسألة من المسائل التي بحثناها اثناء بحث مسألة الترتب في انه هل يجوز ثبوت حكمين ضدين على المتخالفين المتلازمين، وبالتالي هل يسري أحدهما إلى الآخر، هناك قلنا ان المتلازمين يجوز ان يكونا محكومين بحكمين متضادين لكن هذا التلازم يرفع احدهما عن الفعلية فيبقى الآخر فعليا، احدهما يبقى انشائيا والاخر فعليا ولا داعي لرفع كلا الحكمين عن مقام الجعل.

وإذا لم يكونا متلازمين مرّ معنا هذا الكلام في مسألة الترتب في مسالة اجتماع الضدين.

اما إذا كان بين المتعارضين عموم وخصوص مطلق أي احدهما أعم من الآخر مثلا: " اكرم الانسان " " لا تكرم الشعراء " العام وهو الانسان، والاخص وهم الشعراء، نعلم خروج الخاص عن حكم العام. عندما اقول اكرم العلماء إلا زيدا، فزيد ليس مشمولا بحكم العام لان التخصيص والتقييد هو عبارة عن اخراج الخاص عن حكم المخصص، اكرم العلماء إلا زيدا يعني خروج زيد عن حكم العلماء، مع بقاء كونه عالما وإلا اصبح استثناء منقطعا وهذا خلاف الظاهر وإلا فهو استثناء متصل خرج عن وجوب الاكرام، وانما يخرج عن الحكم لوجود ملاك آخر. إذن ظاهرا ملاك اكرام العلماء موجود. وإذا اكرمت زيدا قد تؤدي إلى سلبية كما لو كان فاسقا او كان عدوا، فإذن خروج زيد عن عموم العلماء هو لوجود ملاك آخر، وهذا الملاك اقوى فحينها يخرج عن حكم العام، إذن تتزاحم الملاكات لكن في مقام الانشاء لا في مقام الامتثال. تزاحم الملاكات نتصوره في مقامين: تارة في مقام الانشاء مثلا نرى ان الخمر حلال او حرام : ) يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا([1] فبالكسر والانكسار فايهما الاهم فقدموه وهو هنا الاثم. هذا تزاحم الملاكات في عالم ما قبل الانشاء مما يؤدي إلى انشاء على طبق احدها. قلنا ان الحكم هناك مراحل متصورة: اولا هناك عالم اقتضاء ثم عالم انشاء وجعل، بعدها ياتي عالم الدفع والفعلية ثم عالم التنجيز.

النتيجة ان التخصيص يكشف عن وجود حكم واحد للخاص وهذا الحكم ناشئ من تزاحم الملاكات في مرحلة ما قبل الانشاء، بعملية الكسر والانكسار يظهر ان احدهما اهم فيكون الحكم والجعل والاعتبار على طبقه. إذن في التخصيص هناك حكم واحد وايضا في التقييد يوجد حكم واحد يأتي على طبق المصلحة الاقوى. في مقام العلاج إذا كان بينهما عموم مطلق نعلم خروج الخاص عن حكم العام مثلا:" اكرم العلماء إلا زيدا " خرج زيد عن حكم العام ونعلم ان ليس للخاص إلا حكم واحد ومعه نُحكِّم العرف لانها مسألة لغوية وبيانية، بكل بساطة يقدمون الخاص على العالم، والمقيّد على المطلق والاظهر على الظاهر، الحكومة والورود او جمع عرفي.

امثلة على الجمع العرفي: العرف يقدّم هذا على ذاك من قبيل: " مزاح المؤمن عبادة " وفي روايات اخرى " ما مزح مؤمن مزحة إلا مج من عقله مجة " احدهما يامر بالمزاح والآخر ينهى عنه كيف الجمع بينهما؟ العرف بقرينة ان المزاح شأنه ادخال السرور، فان كان ادخال سرور فهو عبادة وثواب وان كان اذية له او لغيره يصبح مكروها. كيفية الخروج من التعارض مسألة سهلة العرف يخرج منها بقرائن اخرى. او كالمثال الذي نذكره ايضا " ثمن العذرة سحت " " ثمن العذرة لا باس به " يوجد هنا تعارض لكن الناس بمجرد ان تسمعهما تقيد الجواز: ان كان فيها فائدة لا باس به، وان لم يكن بها فائدة فهي سحت، الجمع بينهما عرفي. وهذا ليس جمعا تبرعيا.

إذا كان بين موضوعي العنوانين عموم من وجه: واما إذا كان بينهما عموم وخصوص من وجه وهذا محل كلامنا مثلا " اكرم العلماء لا تكرم الفساق " كلاهما قد اجتمعا في زيد، قد ينفرد في العلماء فلا شغل لنا فيه، وقد ينفرد في الفساق فلا شغل لنا فيه، لكن إذا اجتمعا ماذا نفعل؟ او مثلا وجدنا طائرا قد اجتمع فيه عنوان الحرمة وعنوان الحلية: ما صف حرام اكله وماله حوصلة يجوز اكله واجتمعا في طائر واحد، هذا الطرير ماذا نحكم فيه؟ او ان هناك مفهومين متغايرين من باب الفعل والمصدر لا من الصفات مثل: الصلاة والغصب وذلك في روايتين " صل " و " لا تغصب " واجتمعت الصلاة والغصب في حركات واحدة في ارض مغصوبة. هذه الحركات هي صلاة فتكون واجبة وهي غصب فتكون حراما، ماذا نفعل؟ مسألتنا في حال تعارض الوجوب والحرمة واجتمعا في واحد.

هذه المعالجات التي وردت كالاحكام المتعلقة بالطبائع ولا تسري إلى الفرد إلى اخره كل هذه الابحاث كانت في هذه الحالة.

إذا كان بينهما عموم من وجه وهو موضوع مسألتنا فان احدهما لا يقدم على الآخر كعرف لفظي والتخصيص ايضا غير موجود، والتقييد غير موجود، فاحدهما لا يقدم على الاخر بينهما عموم وخصوص من وجه لعدم وجود اسباب التقديم اللفظية، فنرى اهل اللغة يبحثون عن عام فوقاني وهو عموم حلية الطعام في مثالنا، وهذا الاصل مستفاد من قوله تعالى: ) قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ( [2] العام الفوقاني هو اصل لفظي استنبطناه من هذه الآية وهو ان كل مطعوم حلال إلا المستثنات، وخروجه عن الحلية يحتاج إلى دليل.

تقديم الاقوى ملاكا مع وجود الاصل اللفظي: وهنا مع عدم الاصل اللفظي ماذا نفعل؟ بعضهم قال نذهب إلى الاصل العملي.

فانه يقال: نرجع إلى الاصل العملي عند فقدان كل الامارات، اما إذا كان يوجد امارة، الامارة الاولى في المتعارضين ولم يقدم العرف احدهما يبحث عن اصل لفظي يحكمه، اذا فقد الاصل اللفظي وغسلنا ايدينا من كل امارة نصل إلى الاصل العملي، اما أذا كان هناك امارة غير الاصل اللفظي فلا تصل النوبة إلى الاصل العملي، نعم يوجد امارة اخرى، وهي أن الاقوى ملاكا نقدمه وهذه مسألة عرفية، نحن نطلع على الاقوى ملاكا من خلال الاقوى مناطا وهو غالبا موجود ومدرك، إذا وجد الاقوى مناطا نجد ان الناس تقدم الاقوى مناطا، وهذا تقديم عرفي عند الناس، حينئذ نعمل به لتقريره عن الائمة سلام الله عليهم ولعدم وجود نهي عنه. غدا ان شاء الله نكمل.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo