< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

42/05/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: العام والخاص، التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة.

    1. التفصيل بين المخصص اللبّي والمخصص اللفظي.

    2. جوّز الشيخ الانصاري (ره) التمسك بالعام في المخصص اللبّي لعدم ظهور فيه يزاحم ظهور العام.

    3. فصّل صاحب الكفاية (ره) في المخصص اللبّي بين ما اكتنف العام لحكم العقل اللازم البديهي فيمنع من ظهور العام في العموم، فهو كالمتصل اللفظي من هذه الناحية، وبين ما لم يكتنف العام فيجوز التمسك بالعام حينئذ، لأن العام ظهور لا يزاحمه ظهور آخر للخاص.

التفصيل بين المخصص اللفظي والمخصص اللبي:

تعلمون أن الدليل اللبي ما لم يكن لفظا فمثلا: حكم العقل، وحكم العقلاء، وسيرة العقلاء، وفعل وتقرير المعصوم، والإجماع وسيرة المتشرعّة كلها أدلّة لبيّة فكل ما لم يكن لفظا فهو دليل لبّي، وسميّ لبّيا لانه ليس لفظا أي يدرك باللب، أي بغير اللفظ، ميزة اللبّي انه لا إطلاق له لعدم وجود اللفظ فلا تجري مقدمات الحكمة: " أمكن ان يبيّن ولم يبيّن "، فيقتصر فيه على القدر المتيقّن في حال الشك، والبيان لا إطلاق له بخلاف اللفظ، عندما نقول: " أكرم العالم " هذا لفظ بإطلاقه يشمل كل العلماء. أما إذا كان بوجداني وفطرتي يجب إكرام العلماء من دون دليل لفظي، حينئذ ليس هناك لفظ حتى يقال أن الآمر قيّد أم لم يقيّد.

والثمرة تأتي في المشكوكات مثلا في الكذب فتارة يكون دليل تحريمه النصوص، وتارة يكون دليل تحريمه القبح العقلائي. فإذا كان الدليل على التحريم النصوص تأتي الثمرة في المشكوك، أي الكذب الذي لا أعلم أنه حلال أو حرام .

مثلا: اجري عقدا في مدّة معيّنة وادونه في تاريخ آخر ليستفيد المعقود له من تفاوت المدّة، هذا كذب، لكن هذا النوع من الكذب حرام أو حلال؟ إذا قلنا أن دليل الكذب هو إطلاق النصوص فالنتيجة: " أن هذا كذب وكل كذب حرام "، فيكون المشكوك محرما.

أما إذا قلنا أن الكذب دليله القبح العقلائي والنصوص مرشدة إلى هذا القبح، حينئذ نقتصر في حرمته على القدر المتيقّن وهو: " ما كان كذبا قبيحا " أما المشكوك في قبحه فلا دليل على حرمته من جهّة كونه كذبا فنبحث عن دليل آخر، وإذا لم يوجد دليل ولا عنوان آخر كالضرر والاذيّة فالأصل البراءة.

النتيجة: انه في الدليل اللبي نقتصر فيه على القدر المتيقّن، اما الدليل اللفظي فيمكن إجراء مقدمات الحكمة ويكون هناك إطلاق فيشمل المشكوك.

نعود إلى مسألة التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة مثلا في الحديث الشريف: " فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه،.. " [1] هذا عام مطلق في الفقيه " أي: أي فقيه مجتهد عالم فللعوام ان يقلّدوه "، ثم يأتي مخصص مثلا يجب أن يكون حرا وليس عبدا، لكن ما الدليل على اشتراط الحريّة؟

قالوا: الإجماع وهو دليل لبيّ. العام الرواية والخاص الدليل اللبيّ على أن العبد لا يجوز تقليده بالإجماع. فعندهم ان هذا من باب التمسك بالعام إذا شككت أن هذا المجتهد حر أو عبد هل يجوز تقليده؟

العام " كل مجتهد يجوز تقليده ". والخاص " إلا الرق " ثبت بالإجماع بالدليل اللبي وليس بدليل لفظي، والإجماع بقوّة الدليل اللفظي المنفصل.

الدليل اللبي على قسمين: قسم يكتنف الكلام فيمنع ظهور العام من ظهوره، وقسم منفصل عن الكلام لا يكتنف ظهور العام فيسمح له بالظهور، فيصبح من باب العام المخصص بالمنفصل، حيث قال الكثيرون فيه بجواز التمسك بالعام، لان العام له ظهور.

السيد الخوئي (ره) وغيره لم يفرّق بين التقييد والتخصيص إلا من جهة البيان، لا فرق أن يكون الإخراج تقييد أو بحرف " إلا ".

لكن نحن قلنا لا، هناك فرق بين " أكرم العالم العادل " فأخرجت أفرادا، و " اكرم العالم إلا الفاسق " ايضا اخراج افراد لكن فرق بين الاخراجين كما مرّ معنا فلا نعيد.

وأما بناء على عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة فإذا شككنا بشخص حسب المثال المتقدّم انه رق أو لا؟ فلا يجوز تقليده.

الشيخ الانصاري (ره) يقول حتى لو قلنا بعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة لكن في المخصص اللبيّ يجوز التمسك بالعام، فرق بين أن اقول: " قلّد كل مجتهد إلا من كان عبدا " وبين ان اقول: " قلّد كل مجتهد وبالإجماع يخرج من كان عبدا "، أي أن الإخراج كان بدليل لبّي. وتبع الشيخ الانصاري (ره) صاحب الكفاية (ره).

إذن فصّل الشيخ الانصاري (ره) بين المخصص اللفظي فقال بعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة، والمخصص اللبي فقال بالجواز. وتبعه على ذلك صاحب الكفاية (ره) فقال: " وأما إذا كان لبيا، فإن كان مما يصح أن يتكل عليه المتكلم، إذا كان بصدد البيان في مقام التخاطب، فهو كالمتصل، حيث لا يكاد ينعقد معه ظهور للعام إلا في الخصوص، وإن لم يكن كذلك (مكتنفا بالكلام كما لو كان بالإجماع)، فالظاهر بقاء العام في المصداق المشتبه على حجيته كظهوره فيه.

والسر في ذلك، أن الكلام الملقى من السيد حجة، ليس إلا ما اشتمل على العام الكاشف بظهوره عن إرادته للعموم، فلا بد من اتباعه ما لم يقطع بخلافه، مثلا إذا قال المولى: ( أكرم جيراني ) وقطع بأنه لا يريد إكرام من كان عدوا له منهم، كان أصالة العموم باقية على الحجية بالنسبة إلى من لم يعلم بخروجه عن عموم الكلام للعلم بعداوته، لعدم حجة أخرى بدون ذلك على خلافه، بخلاف ما إذا كان المخصص لفظيا، فإن قضية تقديمه (الخاص على العام في اللفظ) عليه، هو كون الملقى إليه كأنه كان من رأس لا يعم الخاص، كما كان كذلك حقيقة فيما كان الخاص متصلا، والقطع بعدم إرادة العدو لا يوجب انقطاع حجيته، إلا فيما قطع أنه عدوه، لا فيما شك فيه ،... [2]

ونلخص ما أفاده (ره) في سطور:

    1. المخصص اللبّي إن كان مما يكتنف الكلام فهو كالمخصص اللفظي المتصل الذي يمنع الكلام من الظهور، فلا يجوز التمسك بالعام لعدم ظهور له في العموم.

    2. المخصص اللبّي إن لم يكن مكتنفا للكلام كما لو كان لازما غير بيّن من القرائن العقليّة أو إجماعا أو غير ذلك، فحينئذ يمكن التمسك بالعام، لأن العام له ظهور في العموم وعُلِم من اللبّ خروج الخاص، فيخرج ما قطع بوجود ملاكه، أما المشكوك فيدخل تحت العام، لأنه يدور بين الحجة واللاحجة، فيدور بين العام وفيه ظهور، وبين الخاص ولا ظهور فيه يصادم ظهور العام، ويقدّم ظهور العام.

بعبارة أخرى: يوجد ظهور واحد في المخصص اللبّي الذي هو ظهور العام، وبالتالي حجة واحدة في المشكوك وهو العام فيتمسك به، أما في المخصص اللفظي هناك ظهورين: ظهور العام وظهور الخاص فيتصادمان.

ومن الامثلة دم الاستحاضة معفو عنه أو لا؟ فـالعام هو " كل دم أقل من درهم فهو معفو عنه" والخاص " إلا دم الحيض والاستحاضة والنفاس "، دم الحيض ورد فيه نص أما الاستحاضة والنفاس فلم يرد فيهما نص، بل الحقهما الفقهاء بالحيض لكونه من الدماء الثلاثة فحكمها واحد غير معفو عنه. هذا الإلحاق إجماع من الفقهاء، أي انه دليل لبّي، فإذا شككت أن هذا دم استحاضة أو لا، فبناء على جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة على ما بنينا نحن عليه يكون معفوا عنه ويجوز الصلاة فيه. فـالعام هو " كل دم أقل من درهم فهو معفو عنه " والخاص " إلا دم الحيض والاستحاضة والنفاس ".

دم الحيض تمّ بدليل لفظي لذلك عندهم لا يجوز التمسك بالعام فهو غير معفو عنه، أما الاستحاضة فدليل عدم العفو دليل لبّي، لإن الإجماع من الفقهاء الحق الاستحاضة والنفاس بالحيض. فبناء على كلام الشيخ الانصاري (ره) يجوز التمسك بالعام مطلقا اكتنف الكلام ام لم يكتنفه لأن المخصص لبّي، اما بناء على صاحب الكفاية (ره) حيث يفصّل بين ما اكتنف الكلام مثل حكم العقل فلا يجوز التمسك بالعام لعدم ظهور فيه وبين ما لم يكتنف الكلام مثل الإجماع فيجوز التمسك بالعام.

وعليه، في المخصص اللبّي في الاستحاضة والنفاس إذا شككت في دم انه استحاضة بناء على كلام صاحب الكفاية فيجوز التمسك بالعام لانه لا يكتنف الكلام، ويقتصر فيه على القدر المتيقّن.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo