< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

42/07/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: العام والخاص، الإلفات إلى بعض العناوين.

    1. التفريق في وجوب الفحص بين الشبهات الحكميّة والشبهات المصداقية:

    2. هل يجب الفحص في الأصول العمليّة فلا تجري إلا بعد الفحص؟ تجب في جميعها عدا الاحتياط.

    3. التفصيل بين التوصليات والتعبديات، ففي الأصول يجري الاحتياط بلا إشكال، وفي الثانية يجري على القول بعدم اشتراط الوجه والتمييز.

نكمل الكلام في وجوب الفحص قبل العمل بالعام او المطلق، وقلنا ان المدار في المسألة انه إذا كان العام او المطلق في معرضيّة التخصيص وهي احتمال التخصيص عقلائيا وإلا لا يجب الفحص، وتكلمنا في المخصص المتصل. اما المخصص المنفصل فقبل بحثه لا بأس ببيان بعض العناوين أو بعض الإلفاتات.

التفريق في وجوب الفحص بين الشبهات الحكميّة والشبهات المصداقية:

لا شك في وجوب الفحص في الشبهات الحكميّة، والإجماع على ذلك، فلو شككت في وجوب أي شيء وأجريت أصالة البراءة فيه لخرج الدين عن كونه دينا، لأن اليقينيات قليل، ومعظم الأحكام مشكوكة بدوا. وإذا أجريت أصالة الإحتياط لزم العسر أو الحرج. بالإضافة إلى ما استدلوا به في حجيّة الخبر ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [1] ودلالة " انذار القوم " إذا تمّت، تؤدي إلى وجوب تعليم الاحكام وليس وحوب التعلّم، والفحص عن المخصص تعلّم، الآية لا تدل في مطلبنا على وجوب التعلّم، وسيأتي البحث عن المسألتين: وجوب التعلم ووجوب التعليم في مباحث الحجّة.

أما في الشبهات المصداقيّة أو الموضوعات كما يعبّرون عنها، وقلنا ان التعبير بالمصداقية أفضل من التعبير بالموضوعيّة لان الشبهة الحكمية أحيانا هي في نفسها تكون موضوعا من قبيل: هل الدم نجس؟ شبهة حكميّة وهي بنفسها موضوع لجواز الصلاة بالدم. نفس الموضوع أحيانا هو نفسه حكم لأمر آخر، يكون حكم لأمر وموضوعا لأمر آخر.

فلا يجب الفحص في الشبهة المصداقيّة، فلو شككنا في كون هذا السائل الأحمر دما أو لا، فلا دليل ولا يجب عليّ الفحص حتى لو كان الفحص قليل المؤنة، فلو كنت في مكان مظلم وسقطت قطرة سائل على يدي، وشككت في كونها من النجاسات وكان بإمكاني التحقق منها بأدنى كلفة وهي الضغط على زر الكهرباء فقط، فلا يجب ذلك وكان لي إجراء أصالة الطهارة.

هل يجب الفحص في الأصول العمليّة؟

الأصول العمليّة أربعة أو أكثر والمشهور المتفق عليه هي: البراءة، والاحتياط، والاستصحاب، والتخيير. وان كان بعضهم اعتبر الاستصحاب أمارة، ولكل منها موضوع، فالبراءة في حال الشك في التكليف، والاحتياط حال الشك في الامتثال، والاستصحاب حال وجود حالة سابقة، والتخيير حال دوران الامر بين محذورين بين الوجوب والحرمة. وهناك من يقول ان قاعدة الطهارة أيضا من الأصول العمليّة بل كل القواعد من الأصول العمليّة، وهناك من يقول أكثر.

اما في الشبهة الموضوعيّة ومرادنا المصداقيّة فلا يجب الفحص كما سبق وذكرنا، فتجري هذه الأصول طرا. والاحتياط الذي هو طريق النجاة لا يحتاج إلى فحص في الشبهة المصداقيّة والموضوعيّة، لان الاحتياط هو فعل ما فيه براءة الذمّة من الواقع المجهول، ومع العلم ببراءة الذمّة فلا داعي للفحص.

اما في الشبهة الحكميّة فيجب فيها الفحص، فلا تجري إلا بعد الفحص، إلا في الاحتياط ففيه تفصيل.

ففي التوصليّات كطهارة الأشياء ونجاستها يجري الاحتياط بدون فحص، بلا إشكال.

واما في التعبديّات: كما لو دار الامر بين صلاة الجمعة وصلاة الظهر، هل يصح الاحتياط هنا؟ ترجع المسألة إلى ما ذكره بعضهم من اشتراط الوجه والتمييز في العبادات. فإذا صليت الظهر وانا شاك في الواجب عليّ لا تصح، لأني لم أقصد الوجوب، وعند الشك في وجوب الظهر أو العصر عليّ وصليت أربع ركعات بنيّة انها الظهر، فلا تصح أني لم انو الوجوب، ولا تصح الصلاة لأنه يجب ان اعيّن انها ظهر ام عصر، أو هي الواجب عليّ أو لا. لكن المشهور والمعروف والمختار والمؤيد ومطلقات النصوص ان الوجه والتمييز ليس شرطا في صحّة العبادة ولذلك أستطيع ان أقول: " أصلي أربع ركعات قربة إلى الله تعالى ".

فان قلنا بوجوب الوجه والتمييز [2] فلا بد من الفحص لتوقف صحّة العبادة على التميز، كما لو شككنا بوجوب القصر أو التمام، أو بوجوب صلاة الجمعة يوم الجمعة أو الظهر، فلا بد من الفحص، ولا يمكن الاحتياط، ولذا قال بعضهم ببطلان الاحتياط في العبادات.

أما إذا قلنا بعدم وجوب الوجه والتمييز، وهو المختار، فلا وجوب للفحص ويصح الاحتياط وهو الاتيان بالأطراف بحيث يتيقن معه ببراءة الذمّة من الواقع المجهول، ويحكم العقل بذلك.


[2] اشتراط الوجه والتمييز هو الذي يحتاج إلى دليل، بالإضافة إلى بعض الاشكالات التي ذكروها وهي مردودة، كالدور واخذ المتقدم بالمتأخر لان اخذ الوجه والتمييز ناشئ من الامر، والامر لا يمكن اخذه في متعلّقه، وهكذا جميع الأمور الناشئة منه. وقلنا سابقا ونكرر ان داعي الامر ليس دخيلا في مفهوم العبادة، ولا قصد الامر دخيلا فيها بل هي غايات للعبادة، والعبادة كالمعاملة تماما من هذه الجهة مع اختلاف مفهومهما لكن العبادة لا تأخذ عباديتها من الامر ولا من قصد القربة ولا طمعا في الجنّة ولا خوفا من النار ولا كل ما ذكروه، ولذلك أمثل بهذا المثال الصنم عندما أصلي له هل هو أمرني بالصلاة؟ وعندما اقول: أصلي فرض الظهر امتثالا لأمره تعالى، " امتثالا " مفعول لأجله، الصلاة شيء والغاية شيء آخر، فلا تكون هذه الغاية دخيلا في مفهوم المغيّا وهذا عقلا محال. وإذا قلت " اوفوا بالعقود " هل الامر أصبح جزءا من العقد؟ نعم الأمر له ثمرتان: يكشف عن صحة العبادة اولا، ووجوبها ثانيا، ولا يكون دخيلا في الشيء. ولذلك نقول ان العبادة هي الفعل الذي يدل على علاقة تذلليّة خشوعيّة بين العبد ومولاه، نعم تدخل الشارع في ابطال بعض العبادات أو في كيفيتها، " صلوا كما رأيتموني أصلي " وهذا يعني أن الصلاة كانت موجودة، وتدخل الشارع في تصحيح العبادة أو إبطالها أو أجزائها وشرائطها أو غير ذلك مما لا مانع منه، ولا إشكال فيه، ولكن هذا لا يعني دخالة الأمر في مفهوم المأمور به.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo