< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

42/07/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: العام والخاص، بيان الفرق بين الفحص في العمومات وبين الفحص في الأصول العمليّة:

    1. بيان كلام صاحب الكفاية (ره).

    2. المختار وهو: البحث عن المخصص في العمومات هو بحث عن المزاحم، وكذلك في الأصول العمليّة الشرعيّة النصيّة، واما في الأصول العمليّة العقليّة فالبحث عن أصل الحجيّة.

    3. الثمرة من هذا البحث.

بيان كلام صاحب الكفاية (ره): الفحص هنا أي في العمومات هو فحص عما يزاحم حجيّة العام، أي يكون العام كـ " أكرم العلماء " حجّة، والمخصص حجّة، فيتزاحمان، ويقدّم الخاص على العام عرفا.

أما الفحص عن مخصص للأصول العمليّة فهو بحث عن أصل الحجيّة في الأصل الذي هو عموم، لان قبح العقاب بلا بيان من أصله لا يجري أي ليس فيه مقتضي الحجيّة. اما الاحتياط: وهو دفع الضرر المحتمل فيجوز العمل به بدون فحص إلا في التعبديات على القول باشتراط الوجه والتمييز كما سبق ومرّ. واما الأصول الأخرى: البراءة والتخيير والاستصحاب فإما ان يكون الدليل عليه بناء العقلاء، أو النصوص. فإن كان بناء العقلاء وهو " قبح العقاب بلا بيان " في البراءة صارت براءة عقليّة، وإذا كان الدليل عليها " كل شيء مطلق حتى يرد فيه النهي " سميت براءة شرعية بمعنى الجعل وانا اسميها براءة نصيّة. والاستصحاب إذا قلنا ان دليله سيرة العقلاء أو حكم العقلاء صار أمارة، بل قالوا " سير كل ذي روح " وهذا كلام لا نسلّم به. وإذا قلنا ان دليله " لا تنقض اليقين بالشك " صار أصلا كما ذكر الشيخ الانصاري (ره).وحكم العقل بالتخيير بين ما لو دار بين المتنافيين، بين الوجوب والحرمة.فلا شك في عدم جريانها عقلائيا إلا بعد الفحص عن المخصص، فمقتضي الجريان غير موجود إلا بعد الفحص. فهي لا تكون حجّة إلا بعد الفحص، فلا يوجد تزاحم بين حجتين، بل لا يوجد إلا حجّة واحدة وهي الأصل العملي بعد الفحص، فالفحص دخيل في مقتضي الحجيّة.

وإن كان الدليل هو النصوص كما في البراءة حيث ورد قوله (ع): " كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي "، أو الاستصحاب حيث ورد قوله: " لا تنقض اليقين بالشك " قال صاحب الكفاية (ره) وتبعه على ذلك الشيخ النائيني (ره) وغيرهما المفروض أن يكون التخصيص من باب تزاحم الحجتين شأنها شأن العمومات الأخرى المنصوصة هو البحث عن المزاحم، إلا أن الإجماع بقسميه المحصّل والمنقول قد قام على التقييد بالفحص، أي لا تتم حجّية الأصل العملي إلا بعد الفحص، فلا يكون من باب تزاحم الحجتين، بل من باب البحث عن الحجة الواحدة، صار البحث في أصل مقتضى حجيّة الاستصحاب، فهنا اختلف عن العمومات التي يكون بان مقتضي الحجيّة موجود والتخصيص بحث عن حجّة ثانية، أما في الأصول فالبحث عن أصل حجيّة العام.

اما إذا قلنا ان دليل الأصل هو العقل فالأصل لا يجري بدون فحص.

دليل التقييد بالمخصص في الأصول العمليّة المنصوصة:

أولا سابين كلام صاحب الكفاية (ره)، ثم سنوافقه جزئيا. في الأصول العقليّة سنوافقه أما في الشرعية لا.

ذكر صاحب الكفاية (ره) أن الدليل عليه هو الإجماع، لكن نرى ان الدليل على الفحص هو السيرة العقلائية التي هي منشأ الاجماع. فإن السيرة العقلائية على عدم العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص إذا كان العام في معرض التخصيص كما سبق وذكرنا، وهنا عمومات البراءة والاحتياط والتخيير هي في معرض التخصيص، كيف ولو أجرينا البراءة لخرج الدين عن كونه دينا، ولو أجرينا الاحتياط للزم العسر والحرج، ولذا لما كانت الأصول الواردة في النصوص من العمومات في معرض التخصيص وجب الفحص، ولعلّ ما ذكرناه هو منشأ الإجماع [1] .

ويقول الفقير إلى رحمة ربه: كلام صاحب الكفاية (ره) وكلام الميرزا النائيني (ره) صحيح ونسلّم معه في التفريق بين العمومات والأصول العمليّة العقلية، أما في الأصول العمليّة الشرعيّة النقليّة فلا، لأن مثلها مثل بقيّة العمومات، مما ذكرنا يظهر أن الأصول العمليّة من قبيل عمومات " كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي " فالفحص هنا عن مزاحم للعام والعام نص لفظي، ومن قبيل " كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه " عام ثم ابحث عن المخصص ويكون البحث عن المخصص بحث عن مزاحم للحجيّة، بناء على كون أصالة الحليّة من الأصول العمليّة، لا تفترق الأصول العمليّة النقليّة عن العمومات، فإذا كانت في معرض التخصيص وجب الفحص، وإلا فلا.

بعبارة أخرى: كأن العمومات فيها مقتضي الحجيّة والبحث عن المخصص بحث عن مانع لهذا المقتضي. في الأصول العمليّة كما ذكر صاحب الكفاية البحث ليس عن مقتضي الحجيّة، بل ليس هناك مقتضى للحجيّة إلا بعد الفحص. نقول: العمومات يجب الفحص بها إذا كانت في معرض التخصيص. ولما كانت العمومات في معرض التخصيص وجب الفحص فيها لأنها عرفا وعقلائيا في معرض التخصيص وأيضا الأصول العمليّة الشرعيّة هي في معرض التخصيص ودليل وجوب الفحص هو الاجماع، والإجماع تمّ على وجوب الفحص عما يزاحم حجيّة العام لا عن مقتضي حجيّة العام، كما ذكر صاحب الكفاية (ره)، فما الفرق بين الاثنين؟ لم أستطع ان افرّق بينهما.

ولذلك نقول ما ذكره بالنسبة للأصول العمليّة العقليّة البحث عن مزاحم الحجيّة سلّمنا به، اما في الأصول العمليّة الشرعية النقليّة فشأنها شأن العمومات الأخرى ولا فرق بينهما.

النتيجة: ومن هنا نقول: في العمومات يكون الفحص عن المخصص بحثا عن المزاحم في الحجيّة.

وفي الأصول العمليّة المنصوصة الشرعيّة المنقوله كذلك هو بحث عن المزاحم في الحجيّة. وفي هذين الأمرين نختلف مع صاحب الكفاية (ره) ومن تابعه كالميرزا النائيني (ره)، حيث نوافقه في العمومات والأصول العقليّة دون الأصول العمليّة المنصوصة الشرعيّة المنقوله. نعم في الأصول العمليّة العقليّة نواقفه على ذلك، فإن حجيّة حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان بمعنى أن أصل هذا الحكم لا يتم إلا بعد الفحص فهذا مما نوافقه عليه. وهنا توجد ثمرة مهمة، فعندما اثار صاحب الكفاية هذا الموضوع لم تكن اثارته سدى، فلما تشك في المقتضي ويكون الفحص لأجل المقتضي حينئذ لا أستطيع أن أقول أن الأصل جاري. فإذا شككت في أصل ما ان قاعدة الطهارة قاعدة او لا، الحليّة والتزكية قاعدة أو لا، فإذا شككت الأصل عدمه. أما إذا شككت بناء البحث عن المزاحم الأصل ان يكون جاريا، وذلك أنه إذا شككت في وجوب المخصص في عام أو أصل عملي عقلي، أو أصل عمليّ نصّي فان كان البحث عن المزاحم كانت القاعدة حجية العام أو الأصل. وإن كان البحث عن أصل مقتضي الحجيّة كانت القاعدة عدم الحجيّة.

[1] عدم الخلاف بالتراتبيّة: لا خلاف، اتفاقا، الاجماع، التسالم، البديهي، الضرورة. وللتعبير اثر في تقييم قوة الدليل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo