< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

42/08/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: العام والخاص، مساحة شمول الخطابات الشفاهيّة للمخاطبين؟

    1. وضع ألفاظ النداء.

    2. الموضوع هو النداء الانشائي، والمستعمل فيه النداء الانشائي، وتتلوّن بتلوّن الدواعي، فتكون نداء حقيقيا بالحمل الشايع الصناعي، أو للتحسر كذلك.

    3. مع عدم القرينة على أي داع تكون ظاهرة في الحقيقي.

قلنا ان الخطاب كخطاب لا يعقل ان يكون لغير المقصودين، اما التكليف كتكليف فيمكن ان يكون لغير الموجودين، وكان كلام وعبارة صاحبي الكفاية (ره) واضحا وصحيحا وهو التالي ان المعدومين يكون التكليف بالنسبة إليهم انشائيا، كلما وجد الموضوع وجد الحكم على نحو القضيّة الحقيقيّة، نعم هذا انشاء، وتمّ البرهان عليه، لا تتحقق فعليته إلا بعد وجود موضوعه، ومثّل له بالوقف الذري أو وقف للفقراء الموجودين المعدومين، كلما وجد شخص بهذه الصفة يصبح الحكم فعليا. وقد ذكرنا ذلك في بيان مراحل الحكم فإذن بداية يكون الحكم انشائيا مثلا: المؤمن لا يجوز غيبته، فلو بعد ألف سنة ووجد المؤمن فلا يجوز غيبته، الفعلية تحتاج إلى وجود الموضوع.

فإذن التكليف على نحو الانشاء لا مشكلة فيه بل هو شأن القوانين كلها وهو خفيف المؤونة، وفعلية التكليف تكون بعد وجود موضوعه وعدم وجود مانع ولا مزاحم [1] .

لذلك في مسألتنا التكليف فيه مصلحة مثلا في الوفاء بالعقود، تم انشاء وجوب الوفاء بالعقد، يشمل العقد الآن او بعد ألف سنة، معلوم الآن أو بعد ألف سنة؟ هناك مصلحة تم الانشاء على طبقها الفعلية حينها تحتاج إلى وجود موضوع. إذن تكليف المعدوم ممكن على نحو الانشاء، وخطاب المعدوم غير ممكن لان الخطاب يحتاج إلى القصد.

نعم خطاب الله تعالى للعموم ممكن لا بمعنى انه يعلم بوجوده مستقبلا، فيخاطب الله جميع الافراد الموجودين في علم الله تعالى.

أما الوجه الثالث الذي ذكره صاحب الكفاية: وهو وضع ألفاظ النداء، مثل: يا، أيها، وا، أيا، أ ...

هل يمكن لأدوات النداء ان تشمل المعدوم؟ هل هي موضوعة لذلك؟ هل تشمل المقصودين المخاطبين أو تشمل الغائبين أو تشمل المعدومين؟

صار الكلام لغويا بوضع الفاظ النداء بخلاف الوجهين الاولين الكلام فيهما عقلي.

ذكرنا في مبحث الأوامر ان ألفاظ الأوامر والنواهي والاستفهام والنداء وغيرها موضوعة للأمر الإنشائي منها لا للحقيقي، وتتلوّن بتلوّن الدواعي.

وللتوضيح: الاصوليون نظروا إلى معاني الأمر وبعضهم أوصل معاني الأمر إلى خمسة عسر معنى: الوجوب، والاستحباب، والاباحة، والتهديد، والتعجيز، والتسخير، إلى آخره. لكن هل هي موضوعة للجميع على نحو المشترك اللفظي؟ أي موضوعة لكل على حدة، هل هي موضوعة للجامع المعنوي؟ هل هي موضوعة للإثنين الوجوب والاستحباب دون بقيّة المعاني كما قال السيد المرتضى؟ بعضهم قال مشترك بين الوجوب والاستحباب والاباحة التهديد.

لكن إذا تأملنا قلنا ان هذه الالفاظ موضوعة للإنشائيات لا للحقيقيّات ثم تستعمل بدواع أخرى فتتلون بتلون الدواعي، ومثلت لذلك بالحرباء التي تتلون بلون المكان التي تكون فيه وهي وسيلة للدفاع عن نفسها بالتمويه كما هو الاصطلاحي العسكري، والاوامر نفس الشيء، مثلا: " افعل " موضوعة للأمر الانشائي، وهذا الانشاء قد يكون حقيقيّا وقد يكون أمرا استهزائيا أو امر تعجيزيا مثلا في اللهجة العاميّة : " اذهب بلّط البحر " امر تبليط البحر ليس أمرا حقيقيا، ولا أريده لكن أريد ان ابيّن انه عاجز، أمر تعجيزي، " بلّط لبحر " ليست امرا مجازيا حتى نقول انه استعملت في غير ما وضع له، استعملت في التعجيز وهي موضوعة للوجوب. التعجيز هنا بالحمل الشايع الصناعي أي " افعل، بلّط " موضوعه لإنشاء طلب التبليط ثم استعملتها بداعي التعجيز فصارت تعجيزا. ولذلك يمكن ان نجد الكثير من الدواعي.

وعندما تمّ الخلط بين المستعمل فيه والانشائي والحقيقي ضاعت الأمور فتشعبت الآراء كثيرا، ولذلك نقول: عندما أقول " بلّط البحر "، بلط فيها هيئة ومادة، الهيئة هي موضوعة للطلب الإنشائي، المستعمل فيه أيضا الطلب الانشائي، إذن ليس هناك مجازيّة لان المجاز يكون المستعمل فيه غير الموضوع له، والداعي هو التعجيز، إذن هو تعجيز بالحمل الشايع الصناعي، لأنه فرد من افراد التعجيز، وليست موضوعة للتعجيز، استعملت بداعي التعجيز، وهكذا الباقي، هذا في الأوامر وهكذا في والنواهي نفس الشيء. والاستفهام أيضا، فهو تارة يكون حقيقيا وتارة تقريريا مثلا في التحقيقات يسأل سؤالا يراد منه ان يقرّ، وتارة انكاريا ينكر عليه فعله، فالإنكار والتوبيخ وغيرها دواع للاستعمال وليس موضوعا لها اللفظ، كلها دواع مثل تبدل الوان الحرباء.

النداء: في النداء " يا " موضوعة للنداء الانشائي والمستعمل فيه النداء الانشائي، والداعي قد يكون نداء حقيقيا او غير كالتأوه والتعجب والتحزن والألم، فتعدد الدواعي لا يعني ابدا تعدد الموضوع له ولا تعدد المستعمل فيه.

إذا ميّزنا بشكل واضح بين الموضوع له والمستعمل فيه والداعي تنحل كثير من مشاكل مباحث الالفاظ، وهذا ليس موجودا فقط في اللغة العربيّة، بل موجود في كل لغات الدنيا، نحن كأصوليين تخدم اللغة العربيّة، وأيضا نخدم لغات العالم التي لم تبحث هذه الأمور.

لذلك نقول في النداء وغيره: ان الالفاظ موضوعة للإنشائي منها لا للحقيقي. نعم لو خليت ونفسها لظهرت في النداء الحقيقي وكذلك في الاستفهام وغيره مع عدم وجود القرينة على أي داع استعملت، لكنها ليست موضوعة للنداء الحقيقي ولا الإستفهام الحقيقي وتتلون بتلون الدواعي.

إذن في مبحث الأوامر ان ألفاظ الأوامر والنواهي والاستفهام والنداء وغيرها موضوعة للأمر الإنشائي منها لا للحقيقي، وتتلوّن بتلوّن الدواعي. نعم هي ظاهر في المعاني الحقيقيّة عند عدم وجود قرينة تدل على غيره. فمثلا كما ذكرت: في الأمر أقول لك باللهجة العاميّة عندنا: " اذهب بلّط لبحر " فالموضوع له لفظ بلّط الطلب الإنشائي.

والمستعمل فيه الطلب أيضا.

والداعي هو التعجيز، فيكون تعجيزا بالحمل الشايع الصناعي، أي هو من أفراده. وذلك أن الآمر يعلم ان المكلّف عاجز عن تبليط البحر، بل هو أيضا لا يريده، وانما أراد التعجيز.

وهكذا في أدوات النداء: هي موضوعة للنداء الإنشائي، والمستعمل فيه أيضا الانشائي، والمراد يختلف بحسب الدواعي، فتكون نداء حقيقيا بالحمل الشايع الصناعي، إذا كان الداعي هو النداء الحقيقي، وكذا. ومع عد القرينة على الداعي، فالظاهر ان لها ظهورا في الحقيقي.


[1] مسألة تقسيم أو مراحل الحكم مسألة مهمّة وان لم يجعل لها باب خاص في الأصول، ففهما جيدا يريحنا من الكثير من المشاكل مثلا: في اجتماع المتضادين واجتماع الامر والنهي. فمراحل الحكم هي الاقتضاء، والانشاء، والفعليّة، والتنجيز. الاقتضاء هي مرحلة المصالح، والانشاء هو نفس الجعل، والفعليّة التحريك اليه ويكون مع وجود الموضوع وعدم المانع وعدم وجود المزاحم. وقد ذكرنا ان الحكم له مرحلة واحدة وهي الانشاء، اما الاقتضاء فهو مقدّمة، واما الفعليّة والتخيير فهما من حالات الحكم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo