< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

42/08/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: العام والخاص، مساحة شمول الخطابات الشفاهيّة للمخاطبين؟

الثمرة من بحث شمول الخطاب للمعدومين.

الثمرة الأولى: حجيّة ظهور خطابات الكتاب لهم كالمشافهين، وأشكل عليه صاحب الكفاية (ره) ان الحجيّة تشمل المشافهين وغيرهم، سواء قلنا بالتعميم أم لا، وبان الخطابات القرآنيّة عامة لكل الأجيال، وسواء قلنا بالتعميم لغير المشافهين أم لم نقل.

الثمرة الثانية: إمكان التمسك بالإطلاق عند الشك في ثبوت حكم للمعدومين للشك في ثبوت الصنف، وذلك عند عدم جريان قاعدة الاشتراك في الأحكام، لان قاعدة الاشتراك في الاحكام يشترط فيها الاتحاد في الصنف.

ثمرة هذه المسألة:

كلامنا في حجيّة الخطاب وعدم الحجيّة، وقلنا انها مسألة قديمة مهمّة توسّع بها صاحب القوانين (ره)، لكن السؤال ما ثمرتها؟

الثمرة الرئيسيّة هي أنه إذا إستظهرنا شيئا من القرآن وإستظهر المعاصرون لزمن الرسول (ص) كالصحابة شيئا، هل نأخذ بما إستظهرناه أو بما إستظهروه لو تعارضا؟ بتعبير آخر: هل ظهور الخطابات القرآنيّة حجّة علينا كما كانت حجّة على غيرنا؟ هل إستظهار المعاصرين عند النزول كان حجّة عليهم وعلينا؟

نذكر كلام صاحب الكفاية (ره): ربما قيل: إنه يظهر لعموم الخطابات الشفاهية للمعدومين ثمرتان:

الأولى: حجية ظهور خطابات الكتاب لهم كالمشافهين.

وفيه: إنه مبني على اختصاص حجية الظواهر بالمقصودين بالإفهام، وقد حقق عدم الاختصاص بهم.

ولو سُلِّم، فاختصاص المشافهين بكونهم مقصودين بذلك ممنوع، بل الظاهر أن الناس كلهم إلى يوم القيامة يكونون كذلك، وإن لم يعمهم الخطاب، كما يومئ إليه غير واحد من الاخبار. [1]

بيانه: قالوا إن الثمرة الأولى: بناء على شمول الخطاب للمعدومين يكون ظاهر القرآن حجّة على المعدومين كالموجودين، فإذا استظهرت الأجيال اللاحقة من آية شيئا يكون حجّة عليها وإن اختلف استظهارها مع الأجيال المعاصرة للنزول.

واما بناء على عدم الشمول للمعدومين، لا يكون استظهارهم حجّة عليهم ولا على غيرهم، أي لا قيمة لاستظهار المتأخرين، نعم ثبتت الأحكام لهم بقاعدة الاشتراك في الأحكام بين جميع المسلمين.

ويشكل صاحب الكفاية (ره) على هذه الثمرة أي كان الخطاب للمعدومين فالظاهر حجّة علينا، وان كان لغير المعدومين فالظاهر لا يكون حجّة علينا: يقول (ره) هذه الثمرة مهمّة ولكن غير تامّة، لأنّها مبنائيّة مبنيّة على مقدّمتين نحن لا نقول بهما.

الأولى: اختصاص حجيّة الظواهر بالمقصودين بالإفهام وهي باطلة لان حجيّة الظواهر تشمل المقصودين وغيرهم كما بيّنا.

الثانية: قلنا انه يختلف القرآن عن غيره، لا نستطيع ان نقيس الخطابات القرآنيّة على خطابات الموالي العاديّن وذلك

لان المقصودين بالإفهام من آيات القرآن هم خصوص المشافهين، وهي أيضا باطلة. فالقرآن نزل لإفهام الناس جميعا إلى يوم القيامة، جيلا بعد جيل، فالقرآن هو الأساس في اسلام الانسان في عصرنا، من خلال فهمه يسلم.

يقول الفقير إلى رحمة ربه والسداد:

إن كلام صاحب الكفاية متين ونختار ما اختاره (ره) في بطلان المقدمتين، إذ فرق بين صحة توجيه الخطاب وبين حجية ظهور الخطاب.

وقد قلنا بحجيّة ظهور الكلام لغير المقصودين، بل حتى لمن لا أعلم وجوده ولا أتصوّر حضوره.

ولذا، من يفهم من القرآن شيئا واستظهره كان حجّة عليه وله. فاستظهار الأجيال اللاحقة حجّة عليها، حتى لو تعارضت مع استظهار الأجيال المعاصرة للنزول، وهذا قد نختلف فيه مع بعض من أبناء العامّة.

إذن الثمرة الأولى هي في حجيّة ظهور الخطاب للمعدومين، اما الثمرة الثانية فناظرة للأحكام.

الثمرة الثانية: يقول صاحب الكفاية (ره): الثانية: صحة التمسك بإطلاقات الخطابات القرآنية بناء على التعميم، لإثبات الأحكام لمن وجد وبلغ من المعدومين، وإن لم يكن متحدا مع المشافهين في الصنف،...

إذا قلنا ان الخطاب يشمل الكل حتى المعدومين، فالثمرة الأولى التمسك بالإطلاق عند الشك في توجيه خطاب إلى شخص ما، والثمرة الثانية هي لو شككت في الحكم وليس في توجّه الخطاب ولا في حجيّة الظواهر، استطيع ان اتمسّك بالإطلاق، مثلا اتمسك بإطلاق قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ [2] ، وذكرت مثلا آخر: هل يجب الجهاد في زمن الغيبة؟ لا شك انه يجب في زمن الحضور، هل أستطيع ان أتمسّك بإطلاقات آيات الجهاد للحاضرين والمعدومين مع الشك في ثبوت الصنف؟

شرط قاعدة الاشتراك هو الاتحاد في الصنف:

قاعدة الإشتراك في الأحكام " حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة " لكن بشرط وهو اتحاد الصنف، والمراد من الصنف موضوع الحكم، مثلا إذا كان قادرا يجب عليه الجهاد، إذا شككت في وصف انه شرط في وجوب الجهاد أو لا، هل حضور الامام (ع) شرط في وجوب الجهاد أو لا؟ هل أستطيع التمسك بإطلاق آيات الجهاد؟ بلا شك في زمن الحضور الجهاد واجب، لكن في زمن الغيبة، هل حضور الامام المعصوم (ع) شرط في وجوب الجهاد على المكلّفين أي في الحكم؟ نطرد الشرط بالأصل اللفظي، عندي عام ﴿يا أيها الذين آمنوا ﴾ والافراد الموجودون في زمن قد آمنوا وهل حضور الامام شرط أو لا؟ فبإطلاقات الذين آمنوا أستطيع تعميم هذا الحكم لمن أشك في إشتراكه في الصنف. فاشتراك الاحكام بين الماضي والحاضر والمستقبل بين الأجيال لا بد من اتحاد الصنف.

قد يقال: طالما لم اثبت الاتحاد في الصنف لا تشترك الأحكام، وهذ قول سليم لأن الأحكام تابعة لعناوينها، يجب عليّ أن أثبت العنوان أولا وهو هنا المؤمن غير المريض ولا العاجز ولا الأعرج إلى غير ذلك من قيود موضوع وجوب الجهاد، فأتمم الموضوع حتى يثبت الحكم.

أما إذا شككت في إشتراك هذا الصنف، للشك في أخذ وصف، فهل أستطيع بإطلاق ﴿يا أيها الذين آمنوا ﴾ او " واو الجماعة " في " وجاهدوا " أن أثبت الحكم له؟ هنا تأتي الثمرة فأستطيع إثبات الحكم بالاطلاق بناء على التعميم.

يكمل صاحب الكفاية: وعدم صحته على عدمه، لعدم كونها حينئذ متكفلة لأحكام غير المشافهين، فلا بد من إثبات اتحاده معهم في الصنف، حتى يحكم بالإشتراك مع المشافهين في الأحكام، وحيث لا دليل عليه حينئذ إلا الإجماع، ولا إجماع عليه إلا فيما اتحد في الصنف، كما لا يخفى. [3]

بيانه: بناء على عدم الشمول للمعدومين، لا يكون الخطاب بالتكليف موجّها إليهم، فلا تشملهم الأحكام، نعم ببركة قاعدة الاشتراك في الأحكام، إذ لا يمكن أن يكون أهل ملّة واحدة محكومين بأحكام مختلفة، نثبت أحكام المشافهين لهم إجماعا، لكن هذا الثبوت خاص بما هو متحد في الصنف، فيكون حكم مشافة المعاصر تابعا للمعدوم المشترك في الصنف خصوصا، ومع الشك لا أستطيع إثبات الأحكام.

أما بناء على شمول الخطاب للمعدومين، يكونون الخطاب بالتكليف موجها إليهم فلا تشملهم الأحكام، نعم ببركة قاعدة الاشتراك أجعل المعدومين كالموجودين إذ لا يمكن أن يكون أهل ملّة واحدة محكومين بأحكام مختلفة نثبت أحكام المشافهين لهم إجماعا.

الدليل الأساسي على قاعدة الاشتراك هو العقل والاجماع، وهما دليلان لبِّيِّان.

لكن هذا الثبوت هو خاص بما هو متحد في الصنف، أي يجب أن أثبت إتحاد الصنف حتى أستطيع بقاعدة الاشتراك بالأحكام أن أجري وأسري الحكم إلى المعدومين. فيثبت حكم المشافه المعاصر للمعدوم بخصوص المشترك في الحكم، وإذا شككت في الأخذ بصفة لا يكون هناك إتحاد في الصنف فلا أستطيع بناء على عدم الشمول للمعدومين أن أجري أحكام المشافهين للمعدومين، ومع الشك لا أستطيع إثبات الأحكام، أما بناء على شمول الخطاب للمعدومين يكونون مكلّفين أيضا بما كلّف به المشافهين الماضين، وثبوت هذا التكليف هو بنفس الخطاب، ولا أحتاج لقاعدة الإشتراك في الأحكام.

وبالتالي، عند الشك في الاشتراك في الصنف أستطيع التمسك بالإطلاق والعموم لإثبات الأحكام، فالثمرة هي في المشكوك في الصنف، فعلى قول القوم بالشمول يثبت الحكم للمشكوك، وعلى القول بعدم الشمول لا يثبت الحكم له.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo